بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    المريخ يكسب تجربة البوليس بثلاثية و يتعاقد مع الملغاشي نيكولاس    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    ((سانت لوبوبو وذكريات التمهيدي يامريخاب))    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوجد به أهرامات أكثر من مصر، ويعود تاريخه إلى القرن 17 قبل الميلاد
نشر في الراكوبة يوم 26 - 03 - 2017

رغم أنها مليئة بالآثار القديمة، التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، إضافة إلى الأهرامات، والتماثيل، ولكن رغم ذلك تخلو من السياحة، هكذا تساءل المحرر بصحيفة تلغراف البريطانية. شارلز ليدبيتر، عن السودان.
الصحفي البريطاني روى تجربته الخاصة في تقرير له بصحيفة "تلغراف" عندما ذهب إلى العاصمة الخرطوم ومدن أخرى في البلد الذي أنهكته الحرب حتى أصبح بلدين قبل عدة سنوات، بسبب انفصال جنوبه عن شماله.
وإلى نص التقرير:
لقد فُتح باب المقبرة الخشبي، وإذْ بأرواح العالم السفلي تصعد من براثنها لتجُرَّنا في غياهب العالَم المظلم. يتقدمني الدليل حاتم النور ممسكاً بمصباح منخفض الإضاءة، ويحدد هذا الشعاع الخافت الصادر منه معالمَ "درَجات" وعرة في أصل المقبرة، وقد عفت عليها آلاف السنين فتآكلت حواف تلك الدرجات. نتنقل بخُطانا بعناية تامة، وأثناء نزولنا في غرفة الدفن لاحظنا أن الهواء بارد بشكل ملحوظ؛ وهناك لم نجد شيئاً، ولا أحد ينتظر قدومنا. ولا حتى الموتى.
مات الملك تانوت آمون -أحد ملوك الأسرة الحاكمة في القرن السابع عشر قبل الميلاد التي كانت تقيم في هرم K16 من مقبرة الكرو- ولم يُعثَر له على تابوت. وجوده الوحيد الآن مثبَت على الجدران، في لوحات أنيقة تصور إنجازاته. وها هو، محفورٌ على الجدران بيدِ فنانٍ بارع، يساعده مجموعة من آلهة المصريين.
أخذ حاتم يتتبَّعهم بالمصباح: فها هي إيزيس، ربة الأمومة؛ وأنوبيس، إله الموتى ذو رأس ابن آوى؛ وتحوت، الرُّبّاح إله الحكمة. وهم ينقلون معاً تانوت آمون باتجاه أوزوريس، إله البعث والحساب. قال حاتم "كان الحُكم جيداً"، ثم تحوّل إلى الرسم الجداري على حائط آخر، حيث يُرَى الملكُ وهو يتحرك إلى الخلف نحو المخرج، إلى داخل "العالم الآخر"، بحسب تقرير لصحيفة "تلغراف" البريطانية.
إن إلقاء نظرة على هذه الآلهة المصرية، المصوَّرة بشكل واضح في مقبرة رجل تُوفي في عام 653 قبل الميلاد، هو امتياز مطلق؛ ولكن، من دون السياق، يصبح الأمر محضَ تضليل. أما بالنسبة إلى إلكرو، فإنها لا تقع في مصر، وإنما في السودان، شمال العاصمة الخرطوم بمسافة 275 ميلاً. هل استغربتم؟ ربما نعم، وربما لا. فعالم الفراعنة قد بلغ أقصى الجنوب، وهو ما يُعرف الآن باسم مصر- على طول نهر النيل، ويُعرف الآن بسد أسوان وبحيرة ناصر، ومسافة كبيرة عبر الحدود المرسومة في العصر الحديث. وهنا في شمال السودان كان المصريون القدماء قد خلّفوا وراءهم ثروة من المعابد والأهرامات، وبعضاً من السياح الكرماء، على مدار 42 قرناً من الزمان.
ssss
هذه الكلمة الواحدة "السودان" هي السبب وراء انخفاض أعداد المسافرين إلى المواقع المطموسة في هذا البلد الذي يتسم أهلُه بقِصَر شعر الرأس. ولكن هذه الأمة لديها سمعة مشهورة عن المتاعب التي قد تمتد إلى الغزو المصري الذي شنّه منتوحتب الثاني في القرن 21 قبل الميلاد على أراضيهم -ولكن الأراضي تعددت ألوانها بتعدد الأمم التي دخلتها في ال200 سنة الأخيرة.
ففي عام 1821 كان السودان مضموماً تحت ظلال الحكم العثماني؛ ثم تواطأت أقدام النفوذ البريطاني الاستعماري على البلاد في عام 1882؛ ثم حدث استقلال البلاد في عام 1956؛ ثم دخلت البلد في حرب أهلية أدتْ في نهاية المطاف إلى ولادة دولة مستقلة في جنوب السودان، وذلك في عام 2011؛ ثم هوت الدولة في العنف في فترة التسعينيات، ورأت الولايات المتحدة أن تعتبر هذه الدولة راعيةً للإرهاب، وصولاً إلى المرحلة التي أُسقِطت فيها القنابل على العاصمة الخرطوم. وحتى الآن، فقد أُدرِج المواطنون السودانيون في قائمة حظر السفر الذي فرضه عليهم ترامب. وتتوقعون وجود سيّاح؟ إنه لَأمر مدهش أن يوجد سيّاح أصلا، كما ترى الصحيفة البريطانية.
في وصف الخرطوم- التاريخ الأمَمي للعاصمة
إذا كانت مملكة كوش هي السبب الرئيسي لزيارة السودان، فإن عاصمتها تستعرض أصداء فترة أكثر حداثة- وكانت هذه الفترة أكبر مشاكل بريطانيا، التي بدأت بشكل جدي بالتدخل في الشؤون السودانية في عام 1879 مع انتهاء الحكم العثماني في "البلد". وبرغم ذلك، فقد تزامنت هذه الأحداث مع ظهور محمد أحمد، وهو شخصية كانت تتبع الطريقة السمانية وسمى نفسَه "المهدي"، ثم بدأ في الترقي في السلطة حتى انتهى الأمر إلى حصار الخرطوم، ومن ثم سقوط المدينة، في شهر يناير/كانون الثاني 1885، وقتْل الحاكم الاستعماري، اللواء الأسطوري تشارلز غوردون.
شُنَّت حملات الانتقام والغزو بدءاً من عام 1896 حتى 1898 بقيادة هربرت كتشنر، لكن لم يتم ذلك قبل أن ظلّت المدينة عقداً كاملاً تحت السيطرة المهدية. تعتبر مقبرة المهدي (وهي صخرة مقببة مزخرفة) وبيتُ خلَفِه، خليفة عبد الله (وهو اليوم متحف)، يعتبران معاً محطتين أساسيتين في أي جولة سياحية تتم في الخرطوم، إذْ يقدمان شيئاً مختلفاً قليلاً عن المتحف الوطني (حيث تشمل المعروضات لوحات جدارية أُنقِذَت من كاتدرائية فاراس في القرن السابع- وهي مفقودة اليوم تحت بحيرة ناصر) وكذلك صيحات التجّار والبائعين في سوق أم درمان.
تعتبر الخرطوم أيضاً هي المدينة التي يلتقي فيها نهر النيل الأزرق والأبيض معاً، حيث يلتقيان بشكل تصادمي خفيف يدعو الناظرين إلى التقاطه بكاميراتهم.
أما الواقع، كما هو الحال في كثير من الأحيان، فيكون أكثر متعةً مما تتخيل. استأنفتُ وحاتمٌ طريقَنا باتجاه الشمال الشرقي، على طول الممر المورِق على جانب النيل، وصولاً إلى مدينة كريمة. وكان كل ما حولنا يتحرك وينشط- الماشية والمحادثات وممرات التوكتوك في ساحة السوق؛ وعلى النقيض من ذلك كان يسود صمت مطبِق خارج محطة السكك الحديدية، التي بُنيت بالمناسبة على أيدي عمال الملكة فيكتوريا، لكنها خالية من القطارات لعقد من الزمن. أضفْ إلى ذلك الروتين اليومي السائد في شمال إفريقيا الذي يساعد في توضيح لماذا تَعتبر وزارةُ الخارجية البريطانية السودانَ أكثرَ أمناً للزيارة؛ على النقيض من بعض المناطق في مصر.
يشرح حاتم تعقيدات أمور التراث التي جلبتني هنا، ونحن نحتسي فنجان قهوة، من القهوة الثقيلة السمكية ذات النكهة الخاصة، التي تُصنَع على موقد فحمٍ بدائي وتُقدَّم في فناجين صغيرة. وباعتباره مؤرخاً وخبيراً على مستوى دكتوراة في التاريخ السوداني القديم، وكذلك باعتباره مرشداً سياحياً، يحاول حاتم شرح كلمة "نوبي"، وهو مصطلح يُستخدَم غالباً للدلالة على السودانيين الذين تصارعوا مع أمراء الحرب في الأقصر والجيزة. وجدير بالذكر أيضاً أنه يقول إنه يتعلق بشعبٍ لم يظهر حتى عام 300 ميلادية. ويتحدث بالنيابة عن مملكة كوش، التي تشكلت في صحراء بايودا حوالي عام 2500 ق.م. تضاءلت حظوظها وتراجعت بتراجع قوة مصر، وتفكك توغل منتوحتب الثاني (في عام 2032 ق.م)، وضرب مرة أخرى في القرن الثامن قبل الميلاد، عندما اجتاح الملك كاشتا القوي البلاد باتجاه الشمال، وأصبح الملوك الكوشيون هم فراعنة ملوك الأسرة ال25، التي حكمت كِلتا "الدولتين" فيما بين عام 760 ق.م و656 ق.م. لم يكن هؤلاء الرجال أبطالاً من ورَق. وإنما كانوا محاربين وبناة إمبراطورية، وتركوا بصماتهم من خلال هذا المشهد المترِب الذي نراه اليوم.
كانت إلكرو مجرد مقبرة واحدة من مقابر مملكة كوش الملكية. وكانت تُستخدَم فيما بين عامَي 795 ق.م و315 ق.م، إلا أن الأجيال المتعاقبة لم تكن كريمةً معها. ولا تزال الدراسات الأثرية قائمة لملء تلك الفجوة التاريخية: ولا يوجد توافق في الآراء على ماهية مَن دُفِن في الهرم رقم K1، وهو أكبر هرم في الأهرامات ال22 الموجودة في الموقع (وهي حالياً تحت الحفر).
تحولت العديد من المقابر إلى أنقاض بفِعل الطائرات العسكرية التي شنت هجومها عليها في القرن التاسع عشر. وعلى مشارف مدينة كريمة، أراني حاتم قرية القضارِف- وهي قرية زراعية في الحزام النيلي الأخضر، ولم يكن لوجودها مَلحَظ لولا وجودُ الحصن العثماني فيها. وهذا المعقل الهائل أضحى اليومَ خراباً وقائماً في العَراء بعد أن انهارت جدرانه وسُرق ما فيه. وهناك، على جنباته، تظهر ألواح البَنَّائين الكوشيين، وتتزين بنقوش الملوك والملكات والآلهة.
وعندما تلقي بنظَرك على مدينة كريمة من الضفة الأخرى للنيل، تجد أن مظهر مدينة نوري أصبح أفضل. وفي الفترة من 664 ق.م إلى 310 ق.م، حلّت محل إلكرو لتكون المقبرة الملكية؛ وذلك بفضل وضع الرجال والنساء الذين آثروا الخلود وبنوا لأنفسهم مجداً. وفيها 73 هرماً، معظمها سليم؛ لكن حجر الزاوية كان آخرها عهداً، وقد بُني خصيصاً للملك طهارقا، وهو أحد التيتان من الأسرة الخامسة والعشرين، وكان يريد أن تكون مقبرته مميزة ومناسبة لعظَمته باعتباره حاكمَ مصر. وحوله أنشِئ وادي الملوك، ودير وستمنستر. وبغض النظر عن وجودي أنا وحاتم هناك، فإنه لم يكن هنالك أحد آخر سوى المزارعين الذين يتجولون والشمس تغرب.
أنا متلهف لرؤية هرم الملك أسبلتا، وهو هيكل من الكمال المتناظر؛ وهناك أيضاً فرص للتسلية من حاتم على عدد من الصور التي ألتقطها. يظهر لي أنه بالنسبة إلى هذا الرجل السوداني، فإن ملاحظة المناظر الساحرة التي رأيتها ليست كمظاهر البهجة والفرح القديمة التي كان يعيشها كل يوم منذ مولده؛ لكنها بالطبع ستعني شيئاً رائعاً لأي شخص يأتي لزيارتها.
نعود إلى كريمة ووسائل الراحة في المنتجع النوبي، وهي ملكية إيطالية فخمة مكونة من 10 غرف تُطل على المشهد الذي يجمع هذه الروائع معاً. أستيقظ قبل شروق الشمس لتسلق جبل البركل، وهو صخرة كبيرة من الحجر الرملي، وعلى الرغم من أن ارتفاعه 322 قدماً فقط وصعوده سهل، فإنه كان يعتبر مقدساً من قبل الحكام الذين حكموا البلاد هنا.
وبمجرد أن أعتليَ قِمته، يمكنني إدراك سبب تلك القدسية. وعلى الجانب الجنوبي الشرقي من التل يوجد صف من الصخور، تلمع باتجاه الشمس الطالعة. وفي هذا الارتفاع يتشابه الجبل مع شكل كوبرا منتصبة- والكوبرا تعتبر رمزاً للقوة الملكية عند المصريين. وبهذا النسق نجد المخطط العام لمعبد آمون، الذي شُيِّد في عام 1400 ق.م تقريباً، تحت هذه القمة العجيبة، من قِبَل الفرعون المصري تحتمس الثالث، وهو معجزة من تمثال على شكل أسد على أعمدة هابطة، ثم توسع المبنى في عهد الملك طهارقا حوالي عام 680 ق.م. وبالقرب من حرَم المكان، ثمة جدر مكتوب بالهيروغليفية يكشف عن مهارة الحرفيين المصريين- أما الكوشيون فكانت قدراتهم أقل في القرون اللاحقة.
وعلى بُعد أمتار، توجد شريحة خصبة من الطين يوفرها نهر النيل، وهي تعتبر دليلاً على سبب تشييد القادة القدامى مبانيهم هنا. تتبعنا التيار، وتخطينا الجنوب الشرقي عبر المسطحات الرملية في منطقة بايودا الوعرة، متجاوزين أحد منحنيات حلقات النهر، وصولاً إلى مدينة عطبرة ذات السكك الحديدية- ثم ننعطف نزولاً إلى نهاية صراع ملوك كوش، إلى إحدى عجائب الدنيا: أهرامات ميرو.
وهنا تقبع أم تراث الكوشيين. كانت تُستخدم تلك الأهرامات بدءاً من القرن التاسع قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادي، لا سيما من عام 300 ق.م فصاعداً، في عصر من عصور الانحطاط، عندما سقطت الأسرة ال25، ودخل الساحة لاعبون جدد من آشور (في العصر الحديث إيران والعراق)، ثم (في وقت لاحق) فرضت روما سيطرتها على مصر، ولم يكن ثمة أمنٌ وأمان إلا في أقاصي الجنوب.
ظلت بعض الأهرامات شامخة هناك، وعددها 177 هرماً، أما الغالبية فكانت في المقبرة الشمالية، وفي ولايات مختلفة من الحفاظ والمجد. وكان من الممكن فقدها بسهولة تامة. وكان من بين المدمِّرين البارزين جوسيب فيرليني، وهو طبيب إيطالي وصياد كنوز هاوٍ، كان مرافقاً للقوات العثمانية في عام 1834، وانتزع رؤوس بعض الهياكل رغبةً في الذهب. وحتى الآن، فإن الدمار الذي لحق بمقبرة الملكة أمانيشاخيتو في القرن الأول قبل الميلاد يعتبر صدمة بصرية للرائي، بل هو اغتصاب ثقافي بفِعل غاشمٍ أدّى إلى ترك العديد من المباني جذاذاً على الكثبان الرملية. وحمداً لله أنه لم يدنّس المنطقة كلها بأفعاله. وبالجوار، تعتبر مقبرة ناهِرْكا (بُنيت عام 140 ق.م) مَفخَرة بحقٍّ، لا سيما مدخلها المرسوم على شكل حرف H، فهي مقبرة مميزة جداً من مميزات أهرامات ميرو؛ وهي مفتوحة على مُصلَّى الجنائز، حيث تجد تحفاً جميلةً لإيزيس وأوزيريس، وهما يؤديان التحية للملك الميت. وفوق كِليهما، يمكن للناظر أن يرى جبل البركل مرئياً على الحائط.
وثمة مدخلان على طول الطريق، ومُنتهى مَطاف مملكة كوش يتجسد في شكل هرميٍّ للملكة أمانيريناس. حاربت السودانية بوديكا وجلبت المعركة إلى مصر -أي إلى الرومان الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك- في عام 27 ق.م. فحققت نجاحاً جزئياً في حرب استمرت خمس سنوات، واختُتمت بمعاهدة مناسبة، وتم التفاوض مع الإمبراطور أوغسطس. ومع ذلك، فإن هذه المواجهة كانت الجموح الأخير للحضارة التي سوف تتلاشى في الأعوام ال300 القادمة، والتي أدانها النظام العالمي الجديد على دول البحر الأبيض المتوسط.
وأنا أيضاً سوف أحمل رَحلي وأغادر إلى مخيم ميرو تينتيد، وهو ملاذ فاخر على بعد ميل واحد. وهنا، نظرتُ إلى الأهرامات وقررت أن الكوشيين سوف يكونون سعداء بالأغنية التي غنوها لعظَمتهم السابقة ومجدهم التليد. حتى وإن كان مستمعوها قليلين، حتى الآن.
كيف أصل إلى هناك؟
شركة Cox & Kings للسياحة (020 3411 1707; coxandkings.co.uk) تقدم رحلة تستمر 11 يوماً لمشاهدة كنوز النوبة القديمة عبر السودان، ومشاهدة الأهرامات الموجودة في الكرو ونوري وميرو، وكذلك رحلة إلى الخرطوم.
الأسعار تبدأ من 2,845 جنيه إسترليني للشخص الواحد لجولة في مجموعة، أو 3,745 جنيه إسترليني للشخص الواحد لرحلة خاصة- بما في ذلك أماكن الإقامة الراقية والرحلات الجوية الدولية، والسفر الداخلي المؤجَّر، والمرشدون. الخطوط الجوية الإثيوبية (‎0800 016 3449؛ ethiopianairlines.com ) تُقلِع إلى الخرطوم يومياً من "مطار هيثرو في لندن"، عن طريق أديس أبابا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.