شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 2-4
نشر في الراكوبة يوم 23 - 04 - 2017


1
نقوم في هذه السلسلة من المقالات بالردِّ على ما ورد في ورقة السيد الصادق المهدي "العلاقة بين السودان ودولة الجنوب من الابارتايد إلى الوحدة إلى الانفصال إلى التوأمة" التي قدّمها خلال ورشة العمل عن "آثار الأوضاع بجنوب السودان - الخيارات الاستراتيجية والآفاق المستقبلية" بدار حزب الأمة بأم درمان في 10 أبريل عام 2017. ثم قام السيد الصادق المهدي بنشر ورقته تلك في عددٍ من المواقع الالكترونية. وقد ذكر السيد الصادق المهدي في تلك الورقة:
(1) أن مؤتمر المائدة المستديرة أثمر مشروعاً لحلِّ مشكلةِ الجنوب في أطار التنوّع وإقامة الحكم الذاتي،
(2) أن هذا البرنامج طبّقه نظام 25 مايو 1969 الانقلابي.
سوف نوضّح في هذه السلسلة من المقالات أن مؤتمر المائدة المستديرة فشل فشلاً ذريعاً في حلِّ مشكلة الجنوب، وأن اتفاقية أديس أبابا التي وقّعها نظام مايو تختلف اختلافاتٍ جوهرية عن مقررات مؤتمر المائدة المستديرة. وسوف نوضّح أيضاً أن اتفاقية أديس أبابا نجحت في معالجة الخلافات والإخفاقات الكبيرة في وثيقة مؤتمر المائدة المستديرة بصورةٍ معقولةٍ ومتوازنة.
2
تناولنا في المقال السابق مؤتمر المائدة المستديرة الذي تمَّ انعقاده في شهر مارس عام 1965، وأوضحنا كيف أضاع الساسة الشماليون فرصةً تاريخية لبقاء السودان موحّداً برفضهم النظام الفيدرالي، وكيف تدهور مؤتمر المائدة المستديرة إلى لجنة الاثني عشر.
سوف نتعرّض في هذا المقال والمقال القادم إلى لجنة الاثني عشر، تكوينها وصلاحياتها، وكيف انتهت إلى فشلٍ ذريعٍ لمؤتمر المائدة المستديرة، وإلى نهاية الآمال لحلِّ مشكلة الجنوب التي كانت المطلب الرئيسي لثورة أكتوبر.
3
كما أوضحنا في المقال السابق، فقد تواصل عقد مؤتمر المائدة المستديرة لمدة أسبوعين، من 16 مارس وحتى 29 مارس عام 1965. صدرتْ قراراتُ المؤتمر في 30 مارس عام 1965 وتضمّنت وعوداً بفتح المدارس وإنشاء جامعة في الجنوب، والعمل على إعادة الحياة الطبيعية هناك، وتدريب الجنوبيين لملء مجموعة وظائف في الجنوب، مع التأكيد على مبدأ المساواة في الأجور.
غير أن المؤتمر فشل فشلاً تاماً في معالجة لبّ قضية الجنوب. فقد تضمّنت القرارات نصّاً يفيد أن المؤتمر قد نظر في بعض أشكال الحكم التي يمكن أن تُطبّق في السودان ولكنه لم يتمكّن من الوصول إلى قرارٍ إجماعي كما تتطلّب قواعد إجراءات المؤتمر. لذا فقد قرّر تكوين لجنة من اثني عشر عضوا لتتولّى بحث الوضع الدستوري والإداري الذي يضمن مصالح الجنوب الخاصة، كما يضمن مصالح البلاد عامةً. وقد أُعطيتْ اللجنة بجانب ذلك الصلاحيات التالية:
(أ) أن تكُونَ لجنةَ رقابة تشرف على تنفيذ الخطوات والسياسة المتّفق عليهما.
(ب) أن تُخطّطَ وسائل إعادة الأحوال في الجنوب إلى الأوضاع العادية. وأن تدرس الخطوات اللازمة لرفع حالة الطوارئ في الجنوب واستتباب الأمن وحكم القانون، على أن تُعرض النتائج التي تتوصّل إليها لجنة الاثني عشر على المؤتمر الذي ستدعو له الحكومة للانعقاد خلال ثلاثة أشهر.
4
تكوّنت لجنة الاثني عشر من ستة جنوبيين وستة شماليين، وشملت السادة بونا ملوال، واثوان داك، وغوردون أبيي من جبهة الجنوب، والسادة أندرو ويو، ونيكانورا أقوي، وهيلري أوشالا من حزب سانو. وشملت عضواً واحداً من كلٍ من الأحزاب الشمالية وجبهة الهيئات هم السادة محمد أحمد المرضي من الحزب الوطني الاتحادي، محمد داوود الخليفة من حزب الأمة، الفاتح عبود من حزب الشعب الديمقراطي، حسن الترابي من جبهة الميثاق الإسلامي، محمد إبراهيم نقد من الحزب الشيوعي السوداني، وسيد عبد الله السيد من جبهة الهيئات. يُلاحظ اختفاء معظم القياديين الذين حضروا مؤتمر المائدة المستديرة، مما يشير إلى تدهور أهمية المؤتمر وقضية الجنوب نفسها بين أوساط القيادات السياسية الشمالية.
5
كانت إحدى أكبر المشاكل التي قابلت مؤتمر المائدة المستديرة هي عدم تمثيل الحركات المسلّحة التي كانت تقود العمل العسكري في الجنوب. وقد تجاهلتها الحكومة على اعتبار أنها منظمات متمرّدة على القانون والنظام ولا مكان لها في طاولة المفاوضات، ولم تحاول الأحزاب الجنوبية الضغط في اتجاه تمثيلها. وكان هذا خطأً فادحاً لأن الحرب الأهلية استمرت، وبات واضحاً أنها ستستمر حتى لو تمّ اتفاق مع القادة السياسيين الجنوبيين إن لم يوافق عليه القادة العسكريون في الميدان.
6
بالإضافة إلى هذا فقد بات واضحاً أن القوة الدافعة للمؤتمر قد بدأت في التلاشي. فقد غادر السيدان أقري جادين وغوردون مورتات السودان وعادا إلى منفاهما في يوغندا والكونغو بعد أن رفضت الأحزاب الشمالية جميع مقترحات الأحزاب الجنوبية، بما فيها الفيدرالية. بل وأصرّت الأحزاب الشمالية على برنامجها ومقترحها لحلِّ مشكلة الجنوب والمُتمثّل في نظامٍ مركزي تحت المظلة الإسلامية العربية، مع تخويل بعض الصلاحيات للحكومات المحلية في الجنوب.
وكانت الأحزاب الشمالية قد بدأت في توجيه وتركيز كلِّ جهودها لانتخابات الجمعية التأسيسية التي ستُشكِّل الحكومة وتضع الدستور. وكان التسجيل قد بدأ للانتخابات في 11 فبراير عام 1965 واستمر حتى 12 مارس، بينما بدأ التصويت في 21 أبريل. عليه فقد كانت قيادات الأحزاب على عجلةٍ من أمرها خلال مؤتمر المائدة المستديرة للتفرّغ للانتخابات. وبات واضحاً أن عقد المؤتمر وإجراء الانتخابات في نفس الوقت كان خطأً كبيراً وفادحاً. فقد اختارت الأحزاب أن تضع جلَّ جهدها وطاقتها وزمنها في الانتخابات، وأخذ المؤتمر بعد ذلك اهتماماً ثانوياً منها.
كما لا بُدّ من التساؤل إن كان بوسع أيٍ من الأحزاب السياسية الشمالية الخروج من قرار الإجماع على وحدة السودان تحت الغطاء الإسلامي العربي المركزي، علماً بأن الانتخابات كانت على الأبواب. فقد كان كل حزبٍ يخشى من الحزب الآخر إن غيّر مواقفه في هذه القضية الأساسية. وكان واضحاً أن جبهة الميثاق الإسلامي كانت تراقب تصريحات وكلمات كل حزب، وكانت مستعدةً لاستغلال تلك التصريحات إن خرجت عن مشروع الخط الإسلامي العربي المركزي للسودان. وقد سارت كلمة السيد إسماعيل الأزهري في المؤتمر على الدرب العربي الإسلامي للسودان.
7
عليه فقد انتهى مؤتمر المائدة المستديرة في 29 مارس عام 1965، وهرع قادة الأحزاب إلى البحث عن الأصوات الانتخابية والمواقع الوزارية، وبدأت قضية الجنوب تختفي من قائمة أسبقيات الأحزاب الشمالية. تواصلت في تلك الأثناء الحرب الأهلية في جنوب البلاد.، وتواصل معها وصف المحاربين في جنوب السودان بالمتمردين الخارجين على النظام والقانون، والإرهابيين، وضرورة التعامل معهم بقوّة السلاح.
8
واجهت لجنة الاثني عشر مجموعةً من المشاكل. فقد أخطر جنوبيو المنفى اللجنة أن جنوبيي الداخل، ومن بينهم السيد ويليام دينق، لا يمثلونهم، وعليه فإن المؤتمر لم يعدْ يعنيهم.
وبعد أسابيع قلائل من بداية عمل لجنة الاثني عشر قاطع ممثلا حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي أعمال اللجنة وانسحبا منها. علّل حزب الشعب الديمقراطي انسحابه بعدم اطمئنانه على المعلومات التي كانت تدلي بها الحكومة عن الوضع في الجنوب، بينما أخبر الحزب الشيوعي اللجنة أنه انسحب احتجاجاً على فشل الأحزاب الجنوبية إدانة الهجمات المتكرّرة من
الأنيانيا على المدن في الجنوب. وقد أيّده حزب الشعب الديمقراطي في هذا السبب أيضا. كان غريباً أن يقدّم هذان الحزبان طلب إدانة الأحزاب الجنوبية لهجمات الأنيانيا ويصران عليه، علماً بأن فكرة المؤتمر كلها قد قامتْ على إنهاء الحرب الأهلية.

إضافةً إلى ما تقدّم ذكره، لم يكن هناك حرصٌ من أعضاء اللجنة الشماليين على حضور اجتماعات لجنة الاثني عشر، وتغيّبوا عن الكثير من تلك الاجتماعات مما أوضح عدم الجدّية بين أعضاء اللجنة الشماليين. فقد أوضح السيد يوسف محمد علي الذي عمل رئيساً للجنة الاثني عشر في كتابه: "السودان والوحدة الوطنية الغائبة" (مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان 2012)، أن حزب الشعب الديمقراطي حضر أربع اجتماعاتٍ من ثمان اجتماعاتٍ قبل أن يقرّر الانسحاب من اللجنة، بينما حضر الحزب الشيوعي سبع اجتماعاتٍ من مجمل 12 اجتماع قبل أن يقرّر هو الآخر الانسحاب أيضاً من اللجنة. بلغت اجتماعات لجنة الاثني عشر في مجملها 48 اجتماع، تغيّب حزب الأمة عن عشرٍ منها، بينما تغيّبت جبهة الميثاق الإسلامي عن 14، وجبهة الهيئات عن ثماني، والحزب الوطني الاتحادي عن ثلاث اجتماعات. من الجانب الآخر فقد حضر مندوبو جبهة الجنوب وحزب سانو كل الاجتماعات، ولم يتغيّبوا عن جلسةٍ واحدة. لا بُدّ أن الرسالة التي أرسلتها هذه النتائج للأحزاب الجنوبية هي غياب الجدّية من جانب الأحزاب الشمالية.
10
أثناء انعقاد مؤتمر المائدة المستديرة أوضحت لجنة الانتخابات أنه بسبب الحالة الأمنية فقد كان التسجيل ضعيفاً جداً في المديريات الجنوبية، وبرز مقترح تأجيل الانتخابات في السودان كله حتى يكتمل التسجيل في المديريات الجنوبية. لكن حزبي الأمة والوطني الاتحادي، واللذين كانا متلهفين للوصول إلى السلطة، رفضا ذاك المقترح، وأصرّا على عقد الانتخابات في موعدها المتّفق عليه وهو شهر أبريل عام 1965.
وبسبب هذا الخلاف تدخّل مجلس السيادة وأصدر أمراً بإقامة الانتخابات في موعدها في الشمال وتأجيل الانتخابات في الجنوب. وقد أثار هذا القرار جدلاً سياسياً وقانونياً صاخباً وقرّر حزب الشعب الديمقراطي مقاطعة الانتخابات احتجاجاً على فك الربط في الانتخابات بين طرفي القطر، وجرت حوادث شغبٍ وعنفٍ وموت بسبب هذا القرار في بعض الدوائر الانتخابية في الشمال، كان حزب الشعب الديمقراطي طرفاً فاعلاً فيها.
11
انقسم أعضاء مجلس السيادة الشماليون الأربعة بين اثنين رأيا عقد الانتخابات، والاثنين الآخرين اللذين أرادا تأجيلها. وقد حسم ذلك الانقسام السيد لويجي أدوك، العضو الجنوبي بالمجلس، بترجيحه موقف من رأيا قيام الانتخابات.
يجادل بعض الكُتّاب الشماليين أن وقوف السيد لويجي أدوك مع قيام الانتخابات في الشمال ساهم في تعقيد مشكلة الجنوب، وأنه كان على السيد لويجي أدوك التصويت لصالح التأجيل ليتسنّى لمؤتمر المائدة المستديرة المُضي قُدماً في العمل على حلِّ مشكلة الجنوب. لكن كان واضحاً أن مؤتمر المائدة قد تعثّر منذ البداية بسبب إصرار الأحزاب الشمالية على النظام المركزي ورفضها التام للنظام الفيدرالي، وأن المؤتمر قد فقد قوّة الدفع، ووصل وصولاً مبكّراً إلى طريقٍ مسدود.
وقد أوضح السيد لويجي أدوك أنه صوّت لصالح قيام الانتخابات في الشمال لأنه كان يؤمّل أن تأتي الانتخابات بحكومةٍ قوية تحلُّ مكان حكومة السيد سر الختم الخليفة التي وضح ضعفها، وقد تستطيع الحكومة الجديدة إعادة الحياة إلى مؤتمر المائدة المستديرة، وتتوصّل إلى حلٍ سلميٍ لمشكلة الجنوب. لم يحدث هذا بالطبع، كما سنناقش لاحقاً.
12
جرت الانتخابات في الشمال في موعدها وبدأت النتائج في الظهور في 30 أبريل عام 1965. حصل حزب الأمة على 92 مقعداً وحصل الحزب الوطني الاتحادي على 73 مقعداً من مجموع المقاعد المخصّصة للشمال والبالغة 233 مقعداً. لم يكن هناك ممثلون لجنوب السودان عدا عشرة أعضاء، جلّهم شماليون، فازوا بالتزكية في بعض الدوائر الجنوبية ممثلين لحزبي الأمة والوطني الاتحادي. وقد أثار ذلك الفوز جدلاً قانونياً كبيراً آخر على ضوء قرار مجلس السيادة تأجيل الانتخابات في الجنوب. غير أن المحكمة العليا قضتْ بقانونية فوزهم وأحقّيتهم بعضوية الجمعية التأسيسية. أعلنت الحكومة الائتلافية بين حزبي الأمة والوطني الاتحادي قبولها قرار المحكمة "والامتثال لقرار القضاء." وقد كانت هي نفس الحكومة التي رفضت بعد أشهر قرار نفس المحكمة الخاص ببطلان قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني الذي تبنّاه ودفع به حزبا الحكومة وجبهة الميثاق الإسلامي، ووصفه قادتُها بأنه "حكمٌ تقريري."
13
وبسبب تصاعد الحرب لم تُعقدْ الانتخابات في الجنوب حتى شهر مارس عام 1967، أي بعد عامين من إجراء الانتخابات في الشمال. كانت المشاركة في التسجيل والتصويت هزيلةً بسبب الحرب ومقاطعةِ أعدادٍ كبيرة من الجنوبيين. وقد فاز عددٌ من المرشحين بالتزكية.
14
شكّل حزبا الأمة والوطني الاتحادي الحكومة الجديدة في شهر يونيو عام 1965. كان من أوائل اهتمامات الحكومة الجديدة مسألة تأطير اقتسام السلطة ومقاعدها الرئيسية بين الحزبين. لم يُضِعْ الحزبان الحاكمان وقتاً في تعديل الدستور لإلغاء الرئاسة الدورية الشهرية لمجلس السيادة (مجلس رأس الدولة لاحقاً) واستبدالها برئاسة دائمة. فقد كان ذلك من أوائل مهام الجمعية التأسيسية الجديدة التي أدّتها بحماسٍ وبسرعةٍ فائقة في الخامس من شهر يوليو عام 1965 حين صوّت 136 من نواب الحزبين مع مقترح التعديل. اتفق الحزبان على إسناد رئاسة مجلس السيادة الدائمة للحزب الوطني الاتحادي، وتولاها السيد إسماعيل الأزهري، بينما تمّ إسناد رئاسة الوزارة لحزب الأمة، وتولاها السيد محمد أحمد محجوب. وكان ذلك هو الغرض الأساسي من تعديل الدستور. اتفق الحزبان أيضاً على أن تؤول رئاسة البرلمان إلى حزب الأمة، بينما يتولّى الحزب الوطني الاتحادي منصب نائب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية.
15
استقال السيد لويجي أدوك من مجلس السيادة بعد ساعاتٍ من هذ القرار احتجاجاً على تعديل الدستور لإلغاء الرئاسة الشهرية واستبدالها بالرئاسة الدائمة للمجلس، والتي حرمت الجنوبيين من رئاسة المجلس. وقد كان هذا القرار المتعجّل والأناني من الحزبين الكبيرين واحداً من أسباب فشل مؤتمر المائدة المستديرة. فقد حرم ذلك القرارُ الجنوبيين من القليل من السلطة السياسية التي كانوا يملكونها. وقد تمّ اتخاذ ذلك القرار في الوقت الذي كان الساسة الجنوبيون يأملون أن يؤدّي مؤتمر المائدة المستديرة إلى المزيد من الصلاحيات السياسية للجنوبيين. وقد دخل السيد لويجي أدوك التاريخَ بأن أصبح آخرَ سودانيٍ جنوبيٍ يشغل منصب الرئيس في مجلس السيادة.
16
أدلى السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء ببيانٍ مفصّل أمام الجمعية التأسيسية يوم السبت 26 يونيو عام 1965، موضّحا فيه سياسة حكومته. وقد اشتمل البيان على الخطوط العريضة لسياسة حكومته في جنوب السودان، والتي كان من بينها "وستسير حكومتي في سياسة الحل السلمي لمشكلة الجنوب مهتديةً بوحي قرارات مؤتمر المائدة المستديرة، لكنها ستنبذ سياسة الاسترضاء واللين في معاملة الخارجين على القانون ومن يدفعونهم في هذا السبيل، وستأمر بنزع السلاح نزعاً تاماً والقضاء الكامل على العصابات المسلحة التي تعبث بالأمن، وستأمر القوات المسلحة السودانية بتعقّب المجرمين وإعادة سيادة القانون والنظام وتأديب المتمردين."
أوضح البيان دور القوات المسلحة ومسئولية الحكومة تجاهها "وستعمل حكومتي على تقوية القوات المسلحة السودانية بزيادة عددها وتطوير عتادها وتحسين أحوال أفرادها ... وستعيد النظر في تشكيلها وتكوينها حتى تستطيع أداء واجباتها في الداخل والخارج."
لم يَعِدْ السيد رئيس الوزراء بتطبيق قرارات مؤتمر المائدة المستديرة. بل أوضح أن حكومته ستهتدي (وليس ستلتزم) بوحي قرارات المؤتمر (وليس بالقرارات نفسها). ثم أوضح دون مواراة تفاصيل الحل العسكري الكامل الذي تبنّاه لقضية الجنوب من قضاءٍ على العصابات المسلّحة، وتعقّبٍ للمجرمين، وتأديبٍ للمتمردين، كما أسماهم.
17
وقد نجح السيد محمد أحمد محجوب في استصدار قرارٍ من الجمعية التأسيسية بعد الإدلاء ببيانه في 26 يونيو عام 1965، وافقت الجمعية التأسيسية بمقتضاه بالإجماع على مقترحه بوصف الوضع في جنوب السودان بأنه خروجٌ على القانون والنظام ويجب التعامل معه بالحسم العسكري. وقد صوّت إلى جانب القرار كل أعضاء حزبي الأمة والوطني الاتحادي، وكذلك أعضاء الحزب الشيوعي السوداني وأعضاء جبهة الميثاق الإسلامي في الجمعية التأسيسية.
وافقت الجمعية أيضاً على زيادةٍ معتبرةٍ في ميزانية وزارة الدفاع لدحر التمرّد وهزيمة الإرهابيين، كما أسماهم القرار. وهكذا أعطت الجمعية التأسيسية الضوء الأخضر للسيد محمد أحمد محجوب، الذي احتفظ لنفسه بحقيبة وزارة الدفاع أيضاً، ليفعل في جنوب السودان كلَّ ما يراه مناسباً لاستعادة القانون والنظام، ودحر ما سمّتهم الحكومة "العصابات الإرهابية."
وقد ارتكبت حكومة السيد محمد أحمد محجوب مجزرتي جوبا وواو اللتين راح ضحيتيهما أكثر من خمسمائة من أبناء وبنات وأطفال الجنوب. كما حدثت أيضاً مجزرة السلاطين التي وقعت خلال تولي السيد الصادق المهدي للوزارة وراح ضحيتها 15 من سلاطين الجنوب.
كما تمّ اغتيال القيادي المعتدل السيد ويليام دينق وستةٍ من مرافقيه في 9 مايو عام 1968 في جنوب السودان، بعد يومين من إعلان نتائج الانتخابات التي كان قد فاز فيها. أشارت أصابع الاتهام إلى الجيش السوداني. ويبدو أن ذلك الاتهام كان السبب في تردّد حكومة السيد محمد أحمد محجوب في إجراء تحقيقٍ في ظروف اغتيال السيد ويليام دينق. وقد أكّد التحقيق الذي تم إجراؤه لاحقاً صِحّةَ ذلك الاتهام. نسفتْ الخرطوم بذلك الاغتيال جسراً قوياً وعريضاً كان يربطها بعددٍ كبيرٍ من أبناء وبنات الجنوب.
18
عليه فقد انبنتْ سياسات الحكومة الجديدة على قرار الجمعية التأسيسية الذي صدر بالإجماع واعتبر ما يحدث في جنوب السودان تمرّداً على القانون والنظام، ويجب التعامل معه بقوة السلاح. بالطبع فقد أثّرت هذه السياسات وتطبيقها على الأرض في الجنوب على أعمال لجنة الاثني عشر، وعلى مواقف القيادات الجنوبية من اللجنة.
كانت اللجنة نفسها تعاني من عدّة مشاكل تمثّلت في الخلافات الداخلية التي أدّت إلى انسحاب الحزب الشيوعي وحزب الشعب الديمقراطي من اللجنة، ومقاطعة جنوبيي الخارج لأعمالها. كما
كانت اللجنة تعاني من هجوم السيد محمد أحمد محجوب، رئيس الوزراء، المتواصل عليها واتهامها بالفشل.
بل إن جنوبيي الداخل أنفسهم كانو يتعرّضون لضغوطٍ سياسية متواصلة، شملت مناقشة الجمعية التأسيسة في بداية شهر نوفمبر عام 1965 لاقتراحٍ بحلِّ حزبي سانو وجبهة الجنوب. غير أن نقاش الجمعية لم يتواصل في هذه المسألة، وطغت عليها مسألة حلِّ الحزب الشيوعي السوداني. عليه فقد أنقذ قرارُ حلِّ الحزب الشيوعي الأحزابَ الجنوبية من الحلِّ بواسطة حكومتي السيد محمد أحمد محجوب والسيد الصادق المهدي.
19
سقطت حكومة السيد محمد أحمد محجوب في 26 يوليو عام 1966، إثر صدور صوت عدم الثقة بها في الجمعية التأسيسية، بعد أن وقف مع الاقتراح عددٌ من نواب الحزبين الذين كانوا أنفسهم قد أتوا بالسيد محمد محجوب رئيساً للوزارة قبل عام. وقد خلفه السيد الصادق المهدي في رئاسة الوزارة. وقد صوّت نفس النواب بعد عشرة أشهر (في شهر مايو عام 1967) على إسقاط حكومة السيد الصادق المهدي وعودة السيد محمد أحمد محجوب لرئاسة الوزارة.
كانت لجنة الاثني عشر قد أكملت تقريرها في 26 يونيو عام 1966، أي قبل أقلِّ من شهرٍ من سقوط حكومة السيد محمد أحمد محجوب. غير أنه بسبب الوضع السياسي غير المستقر فلم ترفع اللجنة تقريرها حتى 26 سبتمبر عام 1966، أي بعد شهرين من وصول السيد الصادق المهدي لرئاسة الوزارة.
20
كانت الخلافات بين الشماليين والجنوبيين داخل لجنة الاثني عشر كبيرةً وجوهرية، وتضمّنها التقريرُ بالتفصيل. شملتْ تلك الخلافات مسألة أعمال العنف في جنوب السودان، وعلى من تقع مسئوليتها: الجيش أم المتمردين. وشملت أيضاً مسألتي إعادة الأحوال إلى طبيعتها في الجنوب، وإعادة الأمن وحكم القانون، وأيهما تأتي أولاً.
وامتدت الخلافات لتشمل أيضاً مسألتين جوهريتين:
أولاً: إن كان الجنوب سيكون إقليماً واحداً كما طالب الجنوبيون، أم سيظل ثلاث مديريات كما أصرّ الشماليون.
ثانياً: طريقة اختيار الشخص الذي سيرأس السلطة التنفيذية في الإقليم الجنوبي أو في كلٍ من هذه المديريات - بالانتخاب كما طالب الأعضاء الجنوبيون، أم بالتعيين بواسطة الخرطوم كما أصرّ الأعضاء الشماليون.
كما شملت الخلافات أيضاً طلب الأعضاء الجنوبيين أن يكون لإقليم الجنوب حق إنشاء حرسٍ محلي لمساعدة قوات الأمن، والتي رفضها الأعضاء الشماليون بشدّة.
21
سوف نناقش في المقال القادم بالتفصيل هذه الخلافات الكبيرة، وانهيار لجنة الاثني عشر، ومؤتمر المائدة المستديرة من أساسه، واستمرار اشتعال الحرب في الجنوب.
[email protected]
www.salmanmasalman.org


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.