يَبدو الخبر من الوهلة الأولى، غريباً، توقيف صحفي سوداني بمطار القاهرة.. ثُمّ إبعاده بعد احتجاز دام لساعاتٍ وإرجاعه إلى حيث أتى.. الحادثة، تأتي بعد أيام من منع الصحفي هيثم عثمان بصحيفة (الانتباهة) من الحُصُول على تأشيرة لدخول مصر، ليعلم هيثم لاحقاً أن خمسة من صحفيي (الانتباهة) تمّ حظرهم من دخول مصر. الذي حدث، لا يقبل التأويل، ولا يُنتظر حتى نجد المُبرِّر للطرف الآخر.. الأمر بلغ منع صحفيين، وهذه آخر المراحل التي يُمكن أن تصلها علاقات بين بلدين، والصحفي الممنوع لم يسافر لحُضُور منشط تتحفّظ على تغطيته السلطات، بل سافر لأغراض إنسانية بحتة.. ما يُؤكِّد موقف مصر الرسمي*أن توقيف الطاهر ساتي بمطار القاهرة يأتي عقب مُباحثات بين البلدين، انتهت بصورة حميمية بين وزير خارجية البلدين، وكأن كل شيء على ما يُرام.. وهذه رسالة بأن ميثاق الشرف الإعلامي لم يمسسه شَرفٌ. وعلى ذكر ميثاق الشرف الإعلامي، الذي دَعت له الخارجية المصرية، هناك سؤالٌ مُباشرٌ، من هم أطراف هذا الميثاق.. إعلاميو السودان وإعلاميو مصر، ميثاق الشرف المطلوب ينبغي أن يلتزم به الإعلام المصري فيما بينه، لأنّ الإعلام السوداني لم يخض في معركة إلاّ دفاعاً، ولا يحدث ذلك إلاّ ردة فعل من هُجوم الإعلام المصري، الذي لا يملك سقفاً في السب والشتيمة والعُنصرية والازدراء.. ميثاق الشرف، ينبغي أن يتواثق عليه إعلاميو مصر، وليس إعلاميي البلدين. طيلة الفترات التي تتوتّر فيها علاقات البلدين، لم يسقط الإعلام السوداني في مُستنقع السب والشتائم المجانية، التي تتجاوز الحكومات وتشمل الشعوب وتضرب في حضارتها. ظلت الآلة الإعلامية الضخمة في مصر، تُوجِّه الأحداث السياسية في مسار الاستفزاز والاحتقار، وفوق ذلك، مطلوبٌ من الطرف الذي يتعرّض لهذا الكم من الاستفزاز والشتائم أن يتحلّى بضبط النفس، وأن يقود ميثاق شرف إعلامي. قبل ميثاق الشرف الإعلامي، نحتاج أن نُقر أولاً، بأنّ الأزمة بين البلدين لا يُؤجِّجها إلاّ الإعلام.. ظلّت العلاقات الشعبية بين السودانيين والمصريين غير معنية بما يجري في مسارات السياسة، ولا مهمومة بما ستكون عليه العلاقات بين الحكومات.. وكل ما يمس أمن البلدين تتحمّله هذه الشعوب. لكن الإعلام في مصر، بدلاً عن قيادة الأزمة في اتجاهاتها السياسية، يقودها باتجاه استفزاز الشعوب.. الدولة في مصر تحتاج أن تنظر إلى إعلامها بشيءٍ من الشفافية والشجاعة، لتدرك أين الخلل..! التيار