* اذا اعتقدت السلطات ان التعسف مع الاطباء، والاعتقالات والتشريد من العمل هو الحل الناجع الذى سيجعل فرائصهم ترتعد ويرغمهم على الخضوع لرغباتها والتخلى عن المطالبة بتحسين اوضاعهم المعيشية، وتقبل الاعتداء عليهم بواسطة افراد القوات النظامية، وارغامهم على قبول سياسات خاطئة ومعيبة مثل وضع التدريب بيد مركز تدريب متواضع يتبع لوزارة الصحة الولائية بدلا عن هيئة قومية للتدريب تعرف احتياجات البلد وتواءم بينها وبين رغبات الاطباء وتحقق تطلعاتهم الشخصية، فانها تكون ساذجة ولا تعرف شيئا عن خصائص وصفات الأشخاص الذين تتعامل معهم !! * لقد تعاملت مع الأطباء سنوات طويلة كصحفى ونقابى وأستاذ جامعى وزاملتهم فى الكثير من الجامعات ومؤسسات البحث العلمى وذقت الكثير من حلوهم ومرهم، كما ذقت الكثير من مرارة عصبيتهم المهنية، واعرف كيف يفكرون ويتصرفون عندما يخطئ شخص ويمس كرامتهم المهنية!! * الأطباء هم أكثر الناس تعصبا لمهنتهم ولا يرضون فيها كلمة واحدة، ولديهم قدرة هائلة على تجاوز كل خلافاتهم وصراعاتهم الداخلية فى لحظة واحدة ليهجموا هجمة شخص واحد (أو أسد واحد)، ويفترسوا من ينتقص من قدرهم أو يجرح كرامة مهنتهم أو يحشر نفسه بينهم، ويا ويل من يضايقهم فى ساحة عمل خاص بهم يعتقدون خطأ أنه حكر عليهم ولو لم يكن له علاقة بمهنتهم، بل وفى (عقيدة) معظمهم ان الكلمة الاخيرة فى كل شئ يجب ان تكون لهم !! * وليس علينا أن نعيب الأطباء على ذلك، فهم الذين سخرهم الله لحماية صحتنا وتوفير نوعية حياة جيدة لنا خالية من المعاناة والألم، وعندما يفعلون ذلك فانهم يضحون براحتهم ووقتهم وسعادتهم، لذلك فان كل المجتمعات الانسانية على مر العصور، وليس المجتمع السودانى فقط، تضعهم فى مكان خاص بهم وتنظر اليهم بكثير من الاحترام والتقدير، وهم بالفعل يستحقون ذلك بغض النظر عن بعض الاخطاء او الممارسات التى تقع من بعضهم، وهى لا تعنى باى حال من الاحوال التقليل من شأنهم أو قيمة العمل العظيم الذى يقومون به. * وفوق ذلك، فلقد ظل المجتمع السودانى يتعامل معهم على انهم اصحاب الكلمة الاولى والاخيرة فى كل شئ، حتى صار ذلك جزءا من خريطتهم الوراثية مستحيل ان يتخلوا عنه، بل جزءا لا يتجزا من شرفهم المهنى، سرعان ما يظهر فى كل مواقفهم وتصرفاتهم إذا أخطأ شخص ولو من مهنتهم فى التعامل معهم، دعك من الأجانب، وهو سبب الصراع المهنى والشخصى الطاحن المزمن بينهم الذى يمكن ان يتحول فى لحظة الى تماسك كبير وثورة جماعية عارمة ضد غيرهم، وهو ما يحدث الان فى صراعهم مع السلطة لتحقيق مطالبهم!! * من الأفضل ان تتعامل الحكومة مع مطالب الاطباء العادلة بطريقة مختلفة عن الاعتقالات والتهديدات، والا فانها ستخسرلا محالة، خاصة أن الذى يقود هذه المعركة هم نواب الاطباء الذين لا غنى عنهم لأى نظام طبى، والا كان مصيره الانهيار!! الجريدة الالكترونية [email protected]