يزدحم قلب سوق أمدرمان بالمواطنين، فتجده في ضجيج مستمر، مع حركة الباعة هنا وهناك يروجون لبضائع مختلفة، وتتعالى الأصوات منادية الزبائن، فتلتفت لترى المصنوعات اليدوية تارة وتارة أخرى مصنوعات الجلد والأحذية، وفي جانب آخر ترى الزخارف والأناتيك والعطور تملأ الجو برائحتها الفواحة، وهناك من يحمل السبح على ساعدية والمصالي على كتفيه هناك الكثير من البضائع المختلفة الأشكال والألوان. أما أبكر حسن يوسف الذي ذهبت أحلامه من باحث وخبير اقتصادي إلى تاجر يعمل بجهد لتكبر تجارته ويصبح رجل أعمال كبير، يمتلك أبكر مصنعاً للعطور والتجميل ويتاجر أيضاً في الأحجار الكريمة والسكسك بسوق أمدرمان، يسعى لتطوير تجارته حتى ينافس السودان السوق العالمية، وهي إحدى أمنياته وطموحاته التي يكد ويتعب لتحقيقه، ماذا عن تجربته وكيف صمد وتحدى المستحيل ليضع اسمه بين تجار سوق أمدرمان؟ بدايات ومسؤوليات منذ صغره يحب أن توكل له مهام ويتحمل المسؤولية، هو يحب ذلك، وبعد أن كبر ووعي على الدينا مالت نفسه للعمل وكسب لقمة العيش، أظن أن ذلك ما دفعه لدراسة الاقتصاد وعلومه، ثم ما لبث وأن وضع القلم جانباً عقب تخرجه ونزل إلى السوق باحثاً عن زرقه هنا وهناك، في ذلك يقول أبكر: "أطمح في العمل والبحث عن الرزق منذ صغري، وعندما اشتد عودي توجهت نحو السفر وكنت كثير الترحال واستفدت من تجربتي كثيراً، فللسفر سبع فوائد كما يقولون، بدأت بمدينة القضارف وتجارت في (كور الألمنيوم) التي تستخدم للمدائد، بعدها توجهت إلى مدينة الحواتة والمفازة سيراً بالأقدام ومنها إلى كسلا". وتابع: "لم أشعر بالفشل ولا التعب بل ازددت حماساً لمعرفة العديد من المدن لأعيش متعة السفر وتذوقت حلاوة كسب المال من عرق جبيني". مهارات ولغات وبيع حُر بعد أن أنهى العم أبكر جولته المكوكية من مدينة إلى أخرى يجمع رزقه، انتهى به المطاف في سوق أمدرمان ذاك السوق العتيق، الذي يجمع سحنات من كل بقاع الأرض، ويقصده القاصي والداني، يؤكد أبكر أن البيع بسوق أم درمان كان ممتعاً. وقال: "بدأت بائعاً متجولاً أحمل الساعات اليدوية والسبح وأتجول بها في كل مكان بالسوق". وأضاف: هذه الطريقة من أنجح طرق التسويق، فقربك من المارة يلفت انتباههم ويسهل عملية التفاهم مع الزبون، فضلاً على أن التعامل المباشر يكسبك مهارات التحاور والتعرف على ثقافات ولغات مختلفة، فأنت حر تتجول هنا وهناك وتقابل الكثيرين حتى الأجانب الذين يتسوقون هنا. أسماء وأماكن مكث العم أبكر سنوات في سوق أمدرمان، فصار المكان الراسخ سيما وأنه منحه الفرصة وأعطاه الكثير ولا يزال، يؤكد أنه حتى ينافس في ذلك السوق الكبير لابد أن يثقف نفسه ويتابع الجديد في مجال المال والأعمال، لذلك هو يهوى القراءة والاطلاع، ويتابع أخبار الصحف، ولاسيما تلك المتعلقة بالاقتصاد وأخبار البورصة. وأضاف أن كتاب إبراهيم الفقي جعله يرى أن لا وجود للفشل وأن كل الأحلام محققة بالاجتهاد والمثابرة والعمل الشريف، لابد من حتمية الوصول إلى الغايات وبلوغ الثريا. أحجار كريمة وعطور لم يكتف بما رأه وخبره في سوق أمدرمان والأسواق المشابهة، ومن أجل تطوير تجارته وتجويد بضاعته انفتح على السوق العالمية يستكشف ويطور. قال العم أبكر: "كبرت تجارتي وفكرت في تطويرها وتجويدها، وتطعيمها بالجديد سافرت إلى الهند والصين واستكشفت الجديد في عالم الأحجار الكريمة والعطور، وبالفعل أضافت لي الكثير من المعارف وأصبحت بالنسبة لي دورات تدريبية". ولفت أبكر إلى أنه ظل يتاجر في الأحجار الكريمة، قبل تصنيع العطور، لذلك لم يتركها وربط بينهما، حتى صار اختصاصياً فيهما ووصف بذلك، لخبرته الكبيرة بخامات العطور وأنواع الأحجار الكريمة. الطائر الابيض بعد أن ظل العم أبكر يتجول بساعاته وسبحه ومصالية، وبرع في تشكيل الأحجار الكريمة وتصنيع أجود العطور لسنوات من الجهد والكد والبحث حقق حلمه الكبير وأسس مصنعاً للعطور، وهو خلاصة سفره وترحاله وتحمله لحياة قاسية تحملها حتى يحقق مبتغاه، ويصبح رجعل أعمال يشار إليه بالبنان، وقد خطى أولى خطواته نحو الحلم المنشود. اليوم التالي