قبل عقدين من الزمان انتقلنا لمنزل في حي لا يقطنه الاجانب . وكان ظهور اسرة افريقية يبدو غريبا ، وعند البعض غير مقبول . لقد تعب البعض وشقي ووفروا كل كرونة وحرموا انفسهم من الكثير الى ان تمكنوا من دفع العربون ورسوم التسجيل والضرائب واتعاب الدلال والبنك والمحامي . ولن يملوا دفع الثمن بقية حياتهم . وما كان يحير الجميع هي كمية السود الضخمة التي تتواجد باستمرار ، لدرجة ان احدي الجارات بعد تردد سألت ام الاولاد التي لم تكن تتكلم السويدية وقتها عن عدد الاسر التي تسكن المنزل . واندهشات عندما عرفت اننا اسرة صغيرة ولكن البقية ضيوف . وبعد فترة صرنا مقبولين لدرجة ان الجيران صاروا يقولون ان رحيلنا سيكون من الاشياء السيئة . وكان يحدث ان يترك البعض اطفاله معنا لايام . مايكل كان في دار الحضانة مع الابناء ولانه في عمر فقوق نقور فلقد تصادقا وترافقا في فريق الحي لكرة القدم ونشاطات المدرسة بالرغم من وجود مجموعة كبيرة من زملاء الدراسة . وكعادة السودانيين كنت اشجع اطفالي علي تقديس الصداقة ، والارتباط بالاصدقاء وكنت اوصي فقوق نقور خيرا بمايكل لان والديه بشر معقولون . ولم يكن فقوق يفهم في البداية . واخيرا اضطر لسؤالي لماذا والدي مايكل يستحقون الاحترام قبل الآخريبن ؟فقلت له انهم بسيطون صادقون وهم الوحيدون الذين يأتون لزيارتنا . والوالدة ماريا طباخة يميزها حجمها الضخم والزوج عامل في شركة اسكانسكا العالمية للبناء والتعمير . وهم ودودون بسطاء . ماريا تمر علي دراجتها امام دارنا كل الوقت ولا تنسي ان ترفع يدها بالتحية او ترفع صوتها بالسلام عندما نكون في الحديقة والآخرون يطحنهم الشعور بالاهمية والتطلع للتميز عن الآخرين . في مواجهة منزلنا سكن اولا اشميتس احد اقطاب الحزب اللبرالي واليوم ممثل حكومة السويد في البرلمان الاوربي في بروكسل . ابنه كان في عمر فقوق . كان مهذبا ولكن فكرة التزاور كانت جد بعيدة . في احد معسكرات الطلاب الصيفية ، قالت لي ماريا بصوت عالي امام الجميع.. تعال الى هنا ... ما الذي تقدمونه في منزلكم من طعام .؟ مايكل يرفض طعامي وانا طباخة محترفة ، انه يركض للأكل عندكم ، اعرف انكم لا تمانعون ، اي طعام تقدمون ؟ ماذا اكل مايكل عندكم اخيرا ؟ فتذكرن اننا قدمنا ما عرف في السويد بسرج الحمل . وهذا هو ما يقدم في شرائح في السودان ويعرف بكستليتا . او ,,كتلت ,,بالانجليزية . ولكن يمكن تقديمة كاملا بعد وضعه في بعض الخل والزيت والتوم والكسبرة والفلفل لمدة يوم ، ثم ادخاله الفرن . ولا يحتاج الامر لمجهود كبير . وحاولت ان اطمئن ماريا لأنها من المؤكد طباخة رائعة ولكنها بسبب عملها قد لا يتوفر لها الوقت . وتكتفي بالطعام السريع كعادة الجميع . والاطفال يجدون بوفية في المدرسة لكي ياكلوا القدر الذي يريدونه . والاكل والتعليم مجاني . بعد فترة اتت ماريا لتخطرنا بأنها ترتاح الينا كثرا وتحب ابني فقوق ولكنها ستطلب من ابنها مايكل ان ينقطع عن منزلنا ،لانه قد تغير كثرا وصار مختلفا . وهو يريد ان يعيش مثل اولادنا . يريد ان يأتي باصدقاءه بدون اخطارهم ويقوم بلعب الكرة في الحديقة مع الاصدقاء و يريد ان يقضي الاصدقاءعطلة نهاية الاسبوع معهم مثل العائلة الافريقية . ولكن منزلهم صغير ولهم فتاتين يحتجن للاهتمام . ومن المواظبين كان ما عرف بشاي بلبن. وكان يحضر بين الخامسة والسادسة ويقول بصوت عاي شاي بي لبن . وكان قد حفظها من جدة الاولاد عندما تدعوهم لشاي العصر . الاخر شاب لطيف والده سائق تاكسي مهذب يعمل كل الوقت . ولا يزال اسمه لحمة حتى بعد ان صار شابا لطيفا . كان وقتها قد انتشرت في الانترنت اغنية انا بحب اللحمة . وكان يغنيها عند اشعال نار الشواء . ولكن لم يكن من يعوض مايكل بضحكته السعيدة . في احد الايام اراد فقوق ان يثبت انه شجاع فاخذ صديقه مايكل ومرا من النفق للحي الذي يسكنه الاجانب والعرب اغلبية . وبعد ان فرغا من الاكل في محلات بيرقر كينق . ارادا اخذ الدراجات وكان احد اطارات فقوق خال من الهواء , واقدم نحوه بعض ابناء العرب وقاموا بالاعتذا لانهم حسبوا ان الدراجة الجميلة تخص الصبي الاشقر . وعندما اردت اصلاح الانبوب كالعادة وجدت ان به اكثر من 20 ثقبا . مايكل اختفي من حياتنا وافتقده كثيرا . والبقية لا يزالوا في اتصال . صداقة الطفولة لا تعوض . جارنا يانا متقاعد يقضي كل يومه في العناية بحديقته . يلومني لأن حديقتنا قد كادت ان تفقد الغطاء النباتي بسبب لعب الكرة وتحطم مصباح المدخل والاضاءة في وسط الحديقة الخ . كنت اقول له ان عندي اجمل حديقة في الحي استمتع بها كل اليوم . انها الحديقة التي يعتني بها هو كل اليوم وهي لوحة. ويمكنني ان اصلح الحديقة يوما عندما يكبر الاولاد ولكن لا استطيع اصلاح جروح الحرمان من روح الابناء . وعندما نذهب سيكون لهم الكثير من الاصدقاء كما كان لنا في الوطن . كنت افكر في عدد غير محدود من الاخوه الاصدقاء ويحمل ابنائي اسماء بعضهم منهم فقوق نقور الذي يرقد في الناصر علي نهر السوباط طيب الله ثراه وفي مساء الخميس العاشر من سبتمبر 1964 اقام لنا الاحباب حفلة شاي في منزل التجاني حسين في فريق عتالة . من المشاركين عبد الرحمن ابراهيم شوقي توأم الروح احمد عبد الله احمد ,, بلة , عبد المنعم عبد الله حسن عقباوي ،محمود قسم السيد .. ودالكبتن . ابراهيم عبد الوهاب ملك الايقاع في السودان المعروف بابراهيم كتبا ، عبد الله ناصر بلال وعثمان ناصر بلال وكنت انتمي لاسرتهم ، وآخرين . بعدها بثمانية ايام تركنا ما نحب ومن نحب الى اوربا وانا في رفقة العبسجي المحبوب شقيقي الشنقيطي الرحمة للجميع . الصديق الذي لا تزال ذكرى بعدي عنه تؤلمني هو ابن العباسية فريق تحت كما كان يقول الاخ التجاني حسين من فريق عتالة . انه الاخ حسين الطريفي المشهور بطليق . والاسم طليق اطلق عليه بسبب فلم علاء الدين والمصباح السحري . فمن المصباح السحري يخرج عملاق ويصرخ طليق . وشبه اولاد العباسية الجني بحسين الطريفي بسبب طول قامته وامتلاء جسمه . وطغى اسم طليق على الاسم الحقيقي . والكثير من اولاد العباسية لهم القاب . خور شركة النور حيث ينام الترام ، الادارة المركزية فيما بعد يأتي مارا بصراية السيد عبد الرحمن وقبة الشيخ البدوي مارا بحي السروجية ام سويقو والطاحون عابرا شارع السيد الفيل مخترقا سوق الموردة معانقا النيل جنوب منتزة الريفيرا او جنينة برمبل الامدرماني الكبير . وعلي الجانب الشرقي من الخور الذي يخلف ما يشبه الوادي كان فريق تحت كما يقول التجاني حسين . وهنالك سكن اخي طليق . الذي كنت اقابله عرضا في البداية . وكانت هنالك شبه مقاطعة بين حلة طليق وابناء الهاشماب وحلتنا السردارية المجاورة للمجلس البلدي . ويبدوا نه كانت هنالك معارك سابقة او عدم استلطاف ، او بسبب اختلاف المنشأ . في نوفمبر 1959 تغير الامر فبينما انا اتقدم نحو النيل بعد تراجع مياه الفيضان من منتزه الريفيرا والطابية شاهدت شخصا في داخل النهر ومجموعة من الصبية يصرخون ومنهم عوض ويزين خده الايمن تحت عينه حرف تي صغير وهويصرح بالانجليزية متأثرا بافلام الكاوبوي كومون ... كومون . والشخص في الماء يغطس ثم يظهر راسه وعيونه واسعة بهلع حقيقي . ورجل اسمه خير السيد يقوم بلف خيط الرماي لاطلاقه لجوف النيل . ثم يلقي بنفسه في الماء ولم تكن المسافة ببعيدة وقام بجر طليق الذي لم يكن واعيا بما يحدث . والي الآن اتذكر طليق بجسمه القوي وهو يرتدي سروالا ازرقا من قماش صوف العسكري . وطرح طليق على بطنه . ولان الارض كانت مبتله بماء الفيضان الذي تراجع فلقد اندفع الماء الذي تقيأه طليق الي النيل مرة اخري . ورجع خير السيد للرماي ، وكان عملية انقاذ حياة الاخرين من الممارسات اليومية . وبعد فترة فتح طليق عينيه وهلل محجون بارودي بجسمه النحيل ومحي الدين دينق وميرغني راس خروف . واجال طليق نظره فينا ورأيت شبح ابتسامة . لقد كان ذلك اليوم يوم سعادة وفرح . وعندما صعد ابناء فريق تحت المرتفع وعبروا شارع الظلط شعرت بالفرح . وفي المساء كان طليق يقف امام منزلهم . والكثير من النساء يأتين للتهنئة بسلامة طليق . اذكر احد الخالات تقول لطليق بحنان ... بنات الحور كانوا عاوزات يسوقوك الله ستر . وبعدها كان البعاتي الذي لم يكن حاضرا الغرق يقول مناكفا طليق ... بنات الحور ديل عاوزين بيك شنو ؟ تلك الحادثة جعلتني من اولاد فريق تحت . وكنت اذهب معهم في المساء لنجوب السوق الكبير قبل الحضور للتسامر تحت اللمبة . من ابناء الحي الاخ عيسى موسى الذي شارك اشقائى ايمان وخليل الفصل في المدرسة ومعهم الطيار خليل مدني الناجي الموجود اليوم في اسطوكهولم وهو من فريق عتالة وه فردة شقيقي خليل بدري . محمد سيد المعروف بكدمبس . ولم اعرف معني كلمة كدمبس الا فيما بعد وهي من رطانة الرباطاب .وتشمل لهجتنا كلمات كثيرة من اللغة النوبية يصعب فهمها علي الآخرين . فعادة ما تقول الامهات لاطفالهن .. ما تمشي الكدمبس تضربك ساسوية . والساسوية هي قطعة الزجاج والكدمبس هي الكوشة او مكان النفايات . واظن ان محمد سيد قد اكتسب اسمة من ابناءالرباطاب وكمبس كان قويبا وشرسا .وكنا كثر في الموردة والعباسية . ولنا حي كامل يحمل اسم فريق الرباطاب . وفي العباسية تحت سكن آل شكاك وآل الصوفي وعبد الله الشيخ . وآل الشيخ منهم ظرفاء امدرمان ابراهيم الشيخ ومحمد الشيخ وعز الدين الشيخ وان كانوا معروفين بوالدتهم الرباطابية القوية العمة النخيل ،وهم خيلان كباتن الكرة واولاد النقر وأل الشيخ وآل شبيكة وآل ابوسنينة عبد القادر عمر الصادق وفي الموردة آل بدر منهم احمد و يوسف بدر وآل الحنان وآل المامون وآخرين . في مواجهة منزل العم الطريفي سكنت الفنانة حنان بلوبلو فخالها احمد عبد الفراج ,, قدوم زعلان ,, فردة كبس الجبة وشقيقة خدر كرموش . ولا يمكن نسيان الاخ الزبير البشير الذي كان يكبرنا قليلا وله حديقة صغيرة في المنزل لها رشاشة ماء في شكل دش مثبت في الارض . كان يحضر لزيارته اشهر فكاهي في السودان الفنان الحلفاوي البديع عبد الكريم بلبل طيب الله ثراه الذي نشر ثقافة المنلوج في كل السودان .وكانت منلوجاته يحفظها الكثيرون في يلقيها التلاميذ في ليالي السمر . وفي احدي رحلات الفنانين الف منلوج .. لاتمحنا ولا تبلينا وشر السك حديد تكفينا ... درجة رابعة تقول ترماج موية زيرا تحل الشاهي . وله كميه من النكات لا تنضب . وبالرغم من سرطان البطن والالم الذي اخذه في 1964 كان يتوقف ليحكي آخر نكته يتلقفها الناس . فتح له باب المنزل اخي عبد الله البشير وذهب واستلقي علي السرير المفروش في الحديقة . ونظر الي عبد الله الذي بسرعة قد صار طوله مترين . فضحك وقال لعبد الله ....انت يا عبد الله بيأكلوك عنكوليب . والعنكوليب هو نوع من القصب حلو الطعم . بلبل كان فردة وجار ابن الحي الشاعر علي شبيكة . كان من الشباب الذي يجيد السباحة ويتواجد كثيرا في منطقة النمر المجاورة للطابية . في بداية الستينات الف الشاعر الفحل الاستاذ عبد الله البشير اوبريت . بايدينا نبنيك يا بلدنا . وقام الاستاذ احمد عبد الرازق الموسيقار بتلحين الاوبريت . والاستاذ احمد عبد الرازق هو مؤلف وملحن اول دويت في السودان مع الفنانه عشا موسى احمد .. الفلاتية ,, الريدة الريدة .. يا حبيب قلبي ,,. الاستاذ الطيب ميرغني شكاك اشرف علي التنظيم . وكان محاضرا للتاريخ في جامعة الاحفاد . ولكن له حضور مسرحي ، هو مؤلف مسرحية حصار الخرطوم التي طاف بها طلبة الاحفاد الثانوية السودان ، في الاجازات في الستينات . بمساعدة الفنان الاستاذ عبد الرحمن غاندي ابن توتي وزميل العميد يوسف بدري وعرف بالبرنجي لانه كان الاول كل فترة الدراسة . والاستاذ عبد الله البشير كان متواضعا حلوا يشدنا في مدرسة الاحفاد لم يحدث ان عاقب طالبا ولم يحدث ان تجرأ طالب على عدم الانتباه في حصته كان يشد الجميع . شارك في مهرجان للشعر في القاهرة . وبعد تقديم الشعراء وبعض امثال الشعراء بعبارات التفخيم ومسح الجوخ . قدم فقط بعبد الله البشير . وعندما اكمل القاء قصيدته . وقف الجميع مصفقين واندفع الوزير المصري لتحيه في المنصة . على حدِّ السَنَا أمهيتُ سيفي فرفّتْ شَفْرتَاه كما ابتغيتُ وودّعتُ القُرى الأولى وَشِيكاً وما اسْتَصْحَبْتُ إلا ما انتَويتُ فهآنَذَا يُعادي بي مِراحاً بِشطِّ الغيبِ مِرِّيحٌ كُميتُ رَصَائِعُه مصابيحٌ سَهَارَى لَهُنَّ خَوَاطِرُ الحُذَّاقِ زيتُ فطافَ بعَبقرٍ ليلاً فهرَّتْ كلابُ الجِنِّ عِِرفيطٌ وشَيْتُ فطارَ فصاهلَ الشِّعْرَى فماجتْ عَرَائشُ من بَشَائِرِها جَنَيتُ هذا جزء من القصيدة . وله ملحمة تحت عنوان .. مسافرون بلا زاذ استلهمها من مذكرات بابكر بدري في غزوة ود النجومي والموت بالجوع . في ايام البروفات في المسرح القومي كنا نهرع الي البوفيه في الجزء الشمالي الغربي في حوش الاذاعة ونستمع لنكات وقفشات بلبل طيب الله ثراه . ولم يكن الاستاذ الطيب ميرغني يغضب من صديقه بلبل . وبعد نهاية البروفة كنا نسرع للبوفيه ولا يبخل علينا بلبل بوقته , حتى قبل موته بفترة كنت اقابله في مقهي مكي المجاور لمقهي جورج مشرقي في سوق الموية . وبالرغم من المرض وصعوبة المشي كان لا يتوقف من اسعاد الآخرين بنكاته . النهر كان يسحرني كما يسحر الكثيرين . وبالرغم من ان طليق قد كاد ان يفقد حياته الا انه كان يحب النيل وصيد السمك . كان رفيقا لي في التواجد في النيل . كان مثل والده العم الطريفي قليل الكلام له صبر ايوب لا يشتكي ابدا من جوع ؟ كنا نقضي كل اليوم في صيد السمك ونعود الى منازلنا في المساء بدون ان نتبادل الكثير من الكلمات . ومنه تعلمت كيف استخرج الصارقيل لصيد اليمك . فمن تحت الكوبري كان طليق بيديه ينتزع كتلة ضخمة من الطمي ويكفي ما بها من الصارقيل ملئ كوز . وتعلمت منه ان لا اكون شحيحا مثل الكثيرين في التكرم بالصارقيل لمن يطلبه . وكنا نمشي الي الخرطوم عبر الكبري وهذه ممارسة غير معهودة وقتها . او ننزل الي جزيرة ود دكين تحت اقدام كوبري امدرمان الحديدي مستعينين بالعلب والصليب الحديدي الذي يربط العلب . لم يحدث ابدا ان تعرض طليق لشخص بكلمة غير لطيفة ولم اشاهده في اي مشادة مع اي شخص . والبعض كان يمازحة بسماجة ولا يرد عليهم . وكانت له روح قيادية فكان اولاد فريق تحت يتبعونه لصيد السمك او التواجد تحت اللمبة ونادرا ما يغادر الحي سوي للنيل . او للعمل في البناء . ولانني كنت احب رفقته واحس به قريبا من قلبي فكنت اقصده للذهاب الي النيل حتي بعد ان انتقلنا للعباسية فوق وميدان الربيع . ولسوء الحظ هو انني لم اكن افكر في انه عندما نذهب سويا للبحر في الاجازات المدرسية كنت احرم طليق من فرصة العمل . وفي بعض المرات ما ان شاهدني في الصباح حاملا معدات الصيد والسبت البلاستيكي حتي نزل من السقالة ورافقني . كان مثلي مصابا بمرض صيد السمك . شاهد طليق السنارات في شكل الهلب التي كنت اشتريها من هاوس اوف اسبورت في الخرطوم مع العصب والبكرة وسعرها عالي حتى صنع مثلها بعد تثبيت تلاثة من السنارات في اسطوانة رفيعة من الرصاص الذي كنا نجمعه من دروة الجيش خارج امدرمان ومن الحاجز الترابي العالي . طليق كان ظاهرة غير طبيعية . بالرغم من قوته كان وديعا يحس الانسان معه بالثقة والصداقة الحقيقية . بارودي كان يخاشنه كثيرا ولا بتوقف من المزاح . وفي احد المرات قال لي ... انت عارف طليق كتل الغنماية ؟واحسست بخجل طليق . والقصة ان طليق حضر في المساء جائعا من البحر وذهب لاحضار الماء بعد ان وضعت والدته طعامه في الصينية وعندما رجع طليق كانت الغنماية قد عزمت نفسها على الكسرة ولا تزال تواصل الاكل . وكما يقولون بقعر ايده .. ضرب طليق الغنماية فقضت نحبها . ومن الممكن انها كانت سخلة . وطليق كان يحس بالخجل من القصة . لانه كان بعيدا عن العنف . عثمان المعروف بكرك حضر لزيارتي في مكتبي امام الريفيرا والطابية . وهو شقيق طليق وهو شاب جاد لم اشاهده ابدا في البحر او في صيد السمك . وفرحت واستغربت لحضوره . وبعد بعض الدردشة اشار كرك لقطعة مكسورة من الطوب الحراري بقوة الفولاذ ، واخبرني بانها تستخدم في افران الصهر في الاشغال حيث يعمل . وان في الاشغال كثير من المهن التي يستطيع الانسان ان يتعلمها . ويمكن ان يتوسط لي حتي التحق بمهنة كتعلمجي ويمكن ان اتحصل علي 6 جنيهات اذا ساعدني الحظ ثم يتم استيعابي بع التدريب بمرتب 12 جنيها . فقلت له انني قد اكملت الدراسة الثانوية . فنظر الي غير مصدق وقال لي اذا لماذا لم تلتحق بالكلية الحربية؟ وكان هذا حلم الكثير من الشباب . فقلت له انني اكملت الثانوية ولم اكمل الثامنة عشر بعد والجيش لا يناسبني لانني احب الحرية ولا اتقبل الاوامر . والمطلوب من هم في التاسعة عشر . وانا في انتظار الذهاب الي اوربا للدراسة . وانتهي الامر بكرك ان طلب مني ترك طليق لكي يمارس عمله في البناء . لأن والدهم لم يعد يعمل وهو وشقيقه محمد يعملان . ولكن طليق لا يستطيع مقاومة الذهاب لصيد السمك خاصة وانني كنت ارافقه كل يوم . وطلب مني ان اترك طليق في حاله وان لا اخبره بمحادثتنا . وابتعدت عن طليق بقلب مثقل . وانا اعرف ان لهم شقيقات في عمر الزواج والمنزل يحتاج لدخل طليق . وكنت اشاهد في عيني طليق لوما وعتابا صامتا . في ديسمبر 1982 دخلت صالة المسافرين في مطار الدوحة وسمعت صوتا ينادي ... شوقي ... شوقي الكرسي ده فاضي . وبدون ان اصافح عبد الله البشير جلست بجانبه . وببساطة وكاننا قد تقابلنا البارحة تحت ىاللمبة واصلنا الدردشة . وسالته عن الحلة ...طليق ، بارودي ، راس خروف الذي قتل تحت التعذين لاعتداءه علي ضابط البوليس ابو رفاس والبعاني وكرك و مدربنا في نادي المريخ الاملاكم ادريس جبارة الخ . فالتفت الينا مسافر سوداني وسألنا انتو آخر مرة اتقابلتوا متين فقلت له .. قبل 18 سنة . فاستغرب الرجل ،وضحكنا . وترافقنا بعدها يوميا في امدرمان وتواصلنا بعدها . وبعدها بسنوات كنت اسكن عند عبد الله البشير في مسكنه الجميل في برايتون وكان متزوجا من اوربية لانه درس في كرواتيا ويعمل في بنك قطر. وكانت ابنة اخيه السيدة كلتوم العبيد تسكن بالقرب منه . وهي قد عملت في القصر الجمهوري في ايام نميري . وسألته عن طليق فقال لى انه بخير ولكنه عندما يضحك يضع يده ليخفي اسنانه . وخفت ان يكون قد اصابه مكروه فقال لي ... لا .. لكن مشى عرس في الجنوب وقلعوا ليه سنونه . فمن عادة النيليين نزع الاسنان في مقدمة الفك الاسفل . اخي عبد الله البشير كان مصابا بحب البحر والسمك . وزعرفت انه كان له طراد في الدوحة ويخرج الى البحر لصيد السمك ولكنه صار محبا لقياده السيارات القوية . حضر بسيارة من الدوحة مارا بيوغوسلافيا الى برلين واخذ الفاتح عبد الماجد احد مشاهير برلين وحضرا مع زوجة عبدالله السودانية الى السويد قبل سنوات . وكان هذا في رمضان . اخي الحبيب طليق او حسين الطريفي ، لا ادري اين انت فاذا كنت لا تزال في عالمنا فاقول لك ... لقد ابتعدت وانا اكن لك الحب كصديق واخ عزيز ولا يزال لك في القلب نفس الاحساس او اكثر . لقد ارغمتنا الظروف لمغادرة امدرمان الحبيبة . والظروف قد ترغم الانسان لترك ما ... او من يحب . كركاسة ان السودان مليئ بالمحن . مبروك تاجر ثروة حيوانية ومهرب مثل الكثير من الرشايدة . ولقد قبض عليه من قبل وهو يهرب النعاج الي اريتريا . ولكن بسبب رفعهم للسلاح في وجه النظام الجبان ، يجعلون منه وزيرا للثروة الحيوانية . وفي الديمقراطية الاخيرة كان السيد حضرة اكبر دلال اراضي وزيرا للاسكان . ومامون حميدة صاحب جامعة للطب ومستشفي خاص وزيرا للصحة . ولا ادري لماذا لم يجعلوا اب دربين والضل اكبر النشالين وزراءا للداخلية فهم اعرف بالجريمة . ولكنهما كانا من صغار اللصوص والكيزان قد وصلوا درجة ليس بعدها درجة من اللصوصية . المستشفيات الخاصة ترفض تقبل مرضى الكوليرا , وابو قردة يقول ان القانون لا يلزم المستشفيات بتقبل حالات الكوليرا . كل الوكت ده الكلام هي لله لا للسلطة لا للجاه . الاسلام ده مش طالب بالتضحية وتفضيل الآخرين علي النفس والتضحية بالمال والجهد . اخيرا بقا القانون والحقوق . الانيانية دي ما سمعوا بيها ؟ وابوقردة من الكدمول للوزارة ... ووزارة الصحة تصور . وكمان بيغلط الامريكان ومنظمة الصحة العالميبة ويصر انه ده ما كوليرا . وزير مالية فريق في الجيش . وتمرجي فريق ومسئول كبيرفي الدولة . وحميدتي الراعي يحل ويربط في البلد ووصل لرتبة الفريق . بعد انقلاب مايو قال الرجل الساخر المقبول الامين الحاج البلد دي بقت هملة بعد كدة اي زول يقوم بدري حيستلمها . سياد اللبن ديل لو شدو حيلهم شوية حيستلموها . .. [email protected]