كتبت أمس- هنا– من وحي حواري الصحفي مع السفير ستيفن كوسس القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم.. أنني أشتم في ما وراء السطور ملامح قرار بتثبيت رفع العقوبات والمقاطعة الاقتصادية الأمريكية عن السودان. لكني أشرت إلى أن الحكومة قادرة وراغبة- دائماً- في إساءة فهم الأمور، وبدلاً من أن تدرس وتستعد من الآن لمترتبات هذا القرار فالأغلب أنها ستغرق في التفكير الاحتفالي المتباهي.. فتكون النتيجة لا فرق بين عقوبات مرفوعة أو موضوعة. السفير الأمريكي أشار بذكاء إلى قضية الاستثمار في السودان، وقال: إن الشركات الأمريكية التي اتصلت بالسفارة لم تركّز كثيراً على موضوع المقاطعة ومصيرها بقدر ما كانت تسأل عن النظام القضائي في السودان، وهل يحقق لها الحماية الكافية، تذبذبات سعر العملة وغيرها من القضايا المرتبطة ببيئة الاستثمار. وفي تقديري أننا سنكتشف– بعد فوات الأوان- أن الاستثمار في السودان هو ضحية المقاطعة السودانية وليست الأمريكية.. فالقصص التي نسمعها من المستثمرين الأجانب الذين يلقي بهم حظهم في الخرطوم يشيب من هولها الولدان.. القاسم المشترك الأعظم فيها هو (الفساد). حيثما ولى المستثمر وجهه هناك من يتربص بجيبه، وبكل أسف ليسوا صغار الموظفين- وحدهم- بل الكبار، والكبار جداً.. هم أول من ينصب الفخاخ للمستثمر.. ولو استمع وزير الاستثمار إلى أي عينة عشوائية من المستثمرين العاملين الآن في السودان أو الهاربين الذين نجوا بجلدهم فسيكتشف أن الحكومة السودانية هي التي تفرض (المقاطعة) على الاقتصاد السوداني، وليس الحكومة الأمريكية. بصراحة– ومن الآخر- أنا أتوقع أن ترفع أمريكا مقاطعتها لكني لا أتعشم- مطلقاً- أن ترفع الحكومة السودانية مقاطعتها للاستثمار في السودان.. فالفساد المحيط ببيئة الاستثمار مدجج بالحصانات.. وغير قابل للاختراق.. فهو فوق القانون.. فما العمل؟. نحو 29 سنة من الحكم الحصري المتواصل أفضت إلى هذا الحال الموبوء بكوليرا الفساد في كل موقع مرتبط بالاستثمار، فكيف ينصلح الحال في الشهر المتبقي قبل القرار المنتظر برفع العقوبات والمقاطعة الأمريكية بصفة دائمة؟. لم تعد الحكومة في حاجة حتى إلى النصائح، بل في حاجة ماسة إلى طبيب معالج من حالة إدمان الفشل. التيار