مدير مكتب قناة الجزيرة بالسودان المسلمي الكباشي خطابي لرئيس الوزراء ليس من "بنات أفكاري" الجزيرة حالها مثل فلاسفة التنوير ولن نختلق الأحداث لانتقاد أمير قطر وسط أجواء الاستقطاب الحاد، وعلى خلفية الجَدل المُتطاول الذي فجّره الخطاب المعنون إلى النائب الأول، رئيس الوزراء الفريق أول ركن بكري حسن صالح، جلسنا إلى مدير مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم الأستاذ المسلمي الكباشي والذي واجهناه بِسيلٍ من الأسئلة الواضحة، ونعتقد أن قناة الجزيرة لها أهمية كبيرة على الجيل السياسي والصحفي بالسودان وقامت بتأثير واضح في عدة مناحٍ، وقادتنا الأسئلة لمحطات متنوعة، من رؤية القناة إلى هويتها الإخوانية، مطالب إغلاقها، زَجِّها في أتون المعارك السياسية الإقليمية الكُبرى.. طرحنا كل الأسئلة الحاضرة، وأجاب المسلمي على كل شئ، تدرّجنا بالأسئلة حتى دخلنا مساحة الأمراء والحُريات هناك، فأفاد ولم يكن فمه مليئاً بالمياه ولا الجراد ولا الدهشة.. وتالياً التفاصيل: أجراه: صديق دلاي مَوجَة غضب سادت بعد تداول خطابك إلى بكري حسن صالح تطلب توضيحات عن موقف الحكومة بعد تصريحات أحمد بلال، لِمَ فعلت ذلك؟ ولِمَ الغضب، ما فعلته ليس من "بنات أفكاري" إنما بتوجيهات مباشرة من إدارة قناة الجزيرة. *البعض اعتبر أنّ الرسالة استفزازية وأظهرت قناة الجزيرة كأنّها دولة لديها سفارات تُخاطب الحكومات لتوضيح مواقفها؟ الأزمة التي أثارتها تصريحات وزير الإعلام ليست دبلوماسية بين قطر والسودان، وإنما هي تعبير عن موقف السودان الذي اختطفه الوزير وخاض به معركة سياسية لمصلحة دولة أخرى وبالتالي دول الحصار ما يُثير أسئلة سياسية جزء منها مُتعلِّقٌ بقطر. *كيف؟ لن تتساءل قطر عن تغطية الجزيرة أو موقف أي وزير في الدنيا منها لولا إقحام دول الحصار للجزيرة في معركتها مع قطر. *وعمّا تستفسرون ؟ هل موقف الوزير الذي يعتبر التغطية الإعلامية لشؤون دولة، تحريضاً وإثارة للفوضى ومرفوضة، هو موقف الحكومة السودانية التي ينطق باسمها، وهل يُعبِّر موقف الوزير عن رؤية سُودانية رسمية مُساندة لموقف دول الحصار من الجزيرة وبالتالي هو موقف السودان من حرية الرأي والتعبير وأسئلة كثيرة والسبب أن المتحدث هو وزير إعلام السودان والناطق الرسمي باسمه ونائب رئيس الوزراء، وهكذا أدخل الوزير بلاده في مأزق التساؤلات الصعبة عن حقيقة حيادها. *يعني المسألة لا صلة لها بقطر؟ بالطبع لا.. لا علاقة لها بقطر أو سفارتها أو العلاقات القطرية السودانية.. هي شكوى من القناة لظلم وقع عليها من وزير الإعلام، وحتى لا تقوم العلاقات بين الجزيرة والسودان على الهواجس وسُوء الظن، هي استفسار ما اذا كان الوزير يُعبِّر عن الموقف الرسمي للحكومة وهو المُختص في الموضوع محل الجدل. ولماذا تجاوزتَ وزير الإعلام ورفعت الشكوى لرئيس الوزراء مُباشرةً.. أليس في الأمر عجب؟ أنا تجاوزت وزير الإعلام لأنه مثار الشكوى ولا يُمكن شكايته لمن هم دُونه، فالرجل نائب رئيس الوزراء، ولو أنّ الشكوى ضد وزير آخر كان يُمكن مُخاطبته هو بحكم الاختصاص ولكن لا معنى إن كان المطلوب فهم الموقف الحكومي أن تشكو لذات من تشكو منه. * من أين أتت قناة الجزيرة؟ جاءت القناة من عناصر سياسية ويومية وأخرى استراتيجية وتحديداً عقب الغزو العراقي وما سمي بتحرير الكويت، (عندها) تكوّنت الرؤية القطرية لدور إصلاحي داخلي وآخر في المنطقة لإحداث اشتباك إيجابي في المنطقة وفي أقل من عام تمّ التغيير في الدوحة، ولعل الأمير الوالد حمد بن خليفة، هو صاحب رؤية متكاملة وجزءٌ من عناصرها، قناة الجزيرة للمنطقة والعالم. *ومن حَدّدَ الرؤية؟ اختصاصيون وتحمّلت قطر مسؤولية سياسيّة كبيرة ودفعت فاتورة بجرأة طرح لم يعتده العالم العربي، وكانت عنصر ضغط هائل من الدول العربية على الحكومة القطرية. * قامت قطر بكل عملية التمويل؟ طبعاً وصار الغرب يُؤرِّخ بتاريخ إعلام ما قبل الجزيرة وإعلام ما بعد الجزيرة. *واضح أنّها مشغل أكبر من كونه إعلام فقط؟ عملت على صناعة شئ مختلف (خلق فضاء عربي مُشترك) يتبعه وعي عربي مشترك والوعي هو مصدر القناة، وقد خلق ميلاد الأسئلة الكبرى لدى المواطن العربي. *تلك هي المعركة (الوعي)؟ نعم، ويريدون توقيف جهد القناة وهي تكشف صناعة الاستبداد من قرون وقرون، ومُهمّة القناة هي بعث الناس من تلك الحالة ليقظة يعود بها من تلك الغيبوبة. * ولكن الضغوط على قناة الجزيرة ربما أجبروها على التراجع؟ لن تتراجع وربما تَتَعثّر وسَتواجه كُل شَئ بأمانة والفضاء لم يَعد قَابلاً للسَّيطرة. * الجزيرة صنعت الفرق؟ بل سأبالغ وأقول ما فعلته وتفعله الجزيرة أشبه بحالة فلاسفة التنوير لميلاد النهضة الأوروبية ستكون قناة الجزيرة المُمهد الأساسي لنهضة عربية قادمة. * القناة مُتّهمة بالتوجُّه الإخواني؟ جميعها مجرّد اتهامات لا تجد ذرة من الشواهد وجاءت لإدارة التنوع وان تمكّن الشعوب من اختياراتها الحرة. *البعض يصف قطر وكأنها (دولة دور)؟ أنا لست قطرياً وأتحدّث بكوني مُوظّفاً في قناة الجزيرة. * تركيز القناة بخبرة عالية يعدم اتهام التوجه أحياناً نحو حدث مُعيّن؟ الجزيرة قناة إخبارية لم تؤلف أحداثاً ولم تختلق وقائع، تصف الخبر كما وقع وتضيف الأبعاد والمعاني. * تلك هي اللعبة؟ ولكننا نوفر كل الأطراف. *وممكن برضو تكون هناك صناعة (بشكل ما)؟ (مافيش أي صناعة) ولو خلت غرفة الأخبار سوف تسقط تلك التهمة تلقائياً وبسُرعة. * اختيار الخبراء نفسه يُمكن أن يتم برسم مُعيّن يكشف حجم الانحياز؟ نحن لا نقول للناس اعتنقوا تلك الحقائق، بل نقدم وقائع وأحداثاً. * التأثير أحياناً يأتي من مُستوى الإخراج القوي والأداء المُمتاز؟ أن تكون بارعاً في تجويد عملك، ليست تلك جريرة. * من أين رَسَمَت قناة الجزيرة المهنية الموضوعيّة لو فرضنا لمهنيته وموضوعيته؟ من المَعايير الصّحفية.. هذه إجابة مُتحرِّكة، من تراكمات الدنيا والعالم. * يُمكن للصحفي أن يطلي الحَدَث من إحساسه مثلاً؟ ولكن في قناة الجزيرة كل شئ محروس بإدارة حصيفة وليس من حق أيِّ صحفي أن يفعل ما يشاء. * إذاً لقناة الجزيرة أيديولوجيا مُعيّنة وطريق؟ نعم الإيديولوجيا هي انشغال الإنسان العربي بقضاياه الحقيقية. *وتلك أيديولوجيا سياسية؟ نعم، هي أيديولوجيا سياسية (أن يكون الإنسان واعياً بقضاياه). *وتلك أُمنيات قطر لقيادة ذلك العالم العربي حينما يستوي وينضج في مطبخ القناة؟ طبعاً من حَق أيّة دولة أن تحلم بقيادة الأمة وبالنسبة للقناة وقطر فتلك هي أوهامٌ وذرائع. * المُهم قطر مُستفيدة وتقصد من القناة تلك الفائدة؟ مُستفيدة من تداعيات قوة ناعمة. * ودولة قطر هي مالك القناة؟ ولكنها لا تُملئ عليها أيِّ سياسات أو محتوى ولا مواقف ولا طريقة تغطية. * هل حصل نشرت القناة خبراً مُزعجاً عن دولة قطر؟ بالعكس كل شيء ينشر بحجمه. * قطر ليس فردوساً حتى تغيب الأخطاء فيها؟ أنا لم أقل أنّها فردوس ولست معنياً أن تكون فردوساً أو جهنم، أنا أتحدّث عن معايير عمل بقناة أنا مدير مكتبها في بلدي. * هل حصل أشرتم لحجم الفساد في العَمَالة وقطر تبني في إستادات المونديال عام 2022 وحقوق الإنسان قالت كلمتها في التجاوزات؟ هذا طبعاً غير صحيح وتمّت تغطية الخبر وهي ليست بقضية كبيرة وتأتي أخبار قطر في سياقها الطَبيعي في تغطية ذلك اليوم. *مثلاً القناة مُركّزة على الأحداث في مصر بشكل لافت؟ لأنّ أحداث مصر ليست بحجم الأحداث في قطر. *هل حصل وجّهتم أيِّ انتقاد لأمير قطر مثلاً؟ نحن لا نبحث عن اتهامات لتغطيتها حتى نكون شجعاناً وموضوعيين ولا نقسم التغطيات بالكيلو. *حرستم أحداث رابعة بالكاميرا طوال أربعة أيام بدوام كامل؟ وكان هناك الآلاف من الناس مُحاصرين في ميدان واحد لمدة شهر وتم الهجوم عليهم وقُتلوا. * وبالمثل لم تقم قناة الجزيرة بتغطية أحداث سبتمبر 2013 في السُّودان كما ينبغي؟ أحداث سبتمبر كانت عبارة عن مظاهرات وقتل عددٍ من الناس وذهبت بنفسي للمشرحة وأحصيت القتلى من (100 - 120). * هل العدد بسيط؟ ماشي بسيط. *هل حملت معك الكاميرا؟ نعم، وعلى مدى ثلاثة أيام. * ولكن بدون تلك الحماسة كما ظهرت في رابعة في مصر كحدث مهم؟ نحن نغطي بدون حماسة ولا تهوين، لا نهول ولا نهون وربما أراد البعض أن نحقق لهم أمنياتهم وهذه ليست مُهمّتنا. * بالعودة لاتهام قناة الجزيرة بكونها ذات ميول إخوانية، أنت نفسك إخواني بامتياز وهذا ربطٌ مُهمٌ؟ كنت مع الإخوان وخرجت منهم العام 2000 وصرت مُستقلاً وهذا ليس من باب أن الانتماء للإخوان تهمة وشبهة وأنا احترم خياراتهم وهم أحرارٌ. * أنت مدير المكتب وتستطيع توجيه البوصلة؟ لماذا لا تراعي وتحترم 15 صحفياً، مُميّزين جداً وعلاقتي بهم شراكة وليست سيطرة وما يمنع أكثر من التحكُّم والسيطرة هي العقيدة الإعلامية للقناة. *هل قدمت استقالتك من الإخوان بصورة واضحة؟ لم أدخل بورقة لأخرج بورقة. *مؤكد أنّ إدارة الجزيرة درست كل شئ عنك؟ فقط تاريخي المهني وليست الخيارات الأخرى كما ترسم في سؤالك. *من الطبيعي أنّ تسألك مخابرات البلد (بلدك)؟ (مَا حَصَل). *كيف تبدو الأزمة الحالية في الخليج؟ نتعامل مع أزمة الخليج كأيِّ حدث يومي يحدث في الخرطوم أو غير الخرطوم. *من ضمن مطالب دول الخليج إغلاق قناة الجزيرة القطرية؟ تعليق وزير الخارجية القطري يكفي أن المطالب قُدِّمت لترفض. * لو وافقت أخيراً؟ مستحيل. *باسم لو؟ ستكون قد وافقت على إنهاء اسمها ورسمها كدولة مُستقلة. *الإرهاب مُشكلة مُعقّدة؟ ولكن المقصود إغلاق القناة وهي الومضة الوحيدة في بحر الظلمات العربي. * مَن الذي يفكِّر للقناة؟ تفكيرٌ جماعيٌّ. الجزيرة تصل الرأي الآخر، ولكن تحت (اختيارها)؟ هُناك من يَخاف الظُهور على القناة خَوْفاً على قناعاته بسبب خَوْفه من المشاهد. *(افتراضاً) لو تمّ إغلاق القناة؟ (فقط لمُناقشة الافتراض) ستكون فتنة في الأرض وفساداً كبيراً، لأنّها الرئة التي تتنفّس بها المنطقة العربية وصَارت تمثل صَوت الجنوب بالمَعنى الواسع للجُغرافية (جنوب العالم). * ترسم خُطورة (غياب قناة) وَكَأنّها ليست قناة فقط؟ لك أن تتخيّل مُستوى التّعمية لو قناة الجزيرة غائبة عن ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وسوريا واليمن وتونس والعراق وأفغانستان. هَل يُمكن انتقاد القناة من حَضرتك؟ هي فعل بشري والفعل البشري لا يكتمل والجزيرة 96 ليست الجزيرة في 2017م. * حَدِّد الانتقاد؟ لا أستطيع. *ليه؟ لأنّ ما أراه أنا نقصاً من وجهة نظري يراه زميل آخر ميزة إيجابية. * مُجرّد مُلاحظة؟ الجزيرة في الظروف العادية يَقلُ أداؤها منها عن ظروف التحديات. * صَارَت إمبراطورية إعلامّية؟ هذه طبيعة السلاسل الإعلامية في بقية الدنيا. *عودة لبداية، العلاقة بين الراحل الترابي وقطر فيها حبٌ واضحٌ؟ والجزيرة تحب الترابي، لأنّه يوفر لها بضاعتها، إثارة الجَدل والطَرح المُتجدِّد. *هو شيخ الإخوان؟ لا يهمنا كثيراً، بل بضاعته. * بصراحة أكثر؟ لو أن الجزيرة صناعة الإخوان فما الذي يأتي بتلك الثقافات والأزياء وكل هذه التنوعات حتى في المشارب لا يُمكن تصنعه مدرسة واحدة. *ربما تعرف كل الحكاية في نشر حلقات الراحل الترابي وما أُثير من ضجّة حَولها؟ أنا لا أعرف كل الحكاية. *اتصلت بك الأسرة مثلاً؟ لا والله. * ولا عمنا السنوسي؟ لا والله، لأنّه ببساطة ليس في يدي شئٌ وهم يعرفون أحمد منصور جيداً وربما يعرفون غيره. *هل صحيحٌ أنّ الراحل طلب عدم بثّه إلاّ بعد وفاته؟ هذا الحديث غير صحيح، بل تقدير القناة. *هل كُنت تدري سابقاً بالحوار المذكور؟ لا أدري، ولكني سمعت بحلقات سجّلها في الدوحة وهي معلومة مُتاحة. *(بأثر رجعي) كيف تقدِّر أداء الأستاذ علي عثمان في حواره مع أحمد منصور؟ (دا أصعب سؤال). * كيف؟ ربما لم يَأتِ موعد هذا السؤال أو فات زمنه. *إجابة مرتبكة؟ والله الناس اختلفوا في التقييم. * هَل حَصل تمّ منع بَث أيّة مَادة صَحفيّة لتَقديرات وطنية مثلاً؟ هذا لن يحصل في قناة الجزيرة. *لماذا تركت الإخوان في عام 2000؟ أحكي لك حكاية وهي (مثلٌ) يضرب، يقال من لم يكن شيوعياً قبل الثلاثين فلا قلب له ومن استمر شيوعياً بعد الأربعين فلا عقل له. * لماذا تركت الإخوان؟ تركتهم لشعوري الصحفي بالاستقلال الكامل.
