مَا أن انتهت إجازة عيد الأضحى المُبارك، إلا وعَادت ساقية قضية تجاوزات الأراضي للدوران مُجدّداً، لتجري على إثر ذلك الكثير من المياه تحت جِسر مجالس الولاية التي اتّخذت هذه القضية مادة دسمة وشهية تناولتها الألسن مثلها والشواء الذي لم تحجب أدخنته الرؤية عن حقيقة أنّ هذا الملف يمثل نقطة تحول تاريخية في مسار القضارف، التي كانت ذات مجالسها تتحدّث سراً عن مُمارسات سالبة أزكمت الأنوف قد طالت الأراضي التي بسببها عانق البعض ثريا الثراء وتحوّلوا من الصُّفوف الخلفية التي يَقبع فيها عامّة الناس إلى طبقة عَليّة القوم.. وتقف القضارف بحسب مُعطيات الواقع وقرائن الأحوال على أمشاطها وهي تترقّب أنباءً جديدة في هذا الملف الذي لم يعد يختلف كثيراً عن كرة الثلج التي كلما تدحرجت تضاعف حجمها. وكانت أنباء قد راجت قبيل عيد الأضحى المبارك عن وجود مَساعٍ يبذلها قياديٌّ بارزٌ لإقْنَاع الجِهَات التي تتولّى هذا المَلف لإطلاق أحد اقربائه المَوقوف على ذِمّة قضية تجاوزات الأراضي، غير أنّ جُهوده ذَهبت أدراج رياح تمسك الجهات الأمنية والقانونية بعدم إطلاق سراح أيِّ مُتّهم مهما كانت مكانته، وَلَعَلّ موقف المباحث والنيابة القوي الذي حاز على إعجاب قطاع واسع من المُواطنين لم يأتِ من فراغٍ بحسب مُراقبين، بل يعتبرونه نتاجا طبيعياً لعددٍ من الأسباب أبرزها مهنية هاتين الجهتين أي الشرطة والنيابة ودفعهما بأصلب العناصر التي اشتهرت بالنزاهة والقوة، أمّا السّبب الثاني الذي قطع الطريق أمام أية مُحاولات لإجراء تسوية للقضية أو إطلاق سراح بعض المُتّهمين بالضمان وكان له دَورٌ مُؤثِّرٌ في تمسُّك المَبَاحث المَركزيّة والنِّيابَة بقرارهما يَتمثّل في الدّعم الكَبير الذي وجده رجال الشرطة والنيابة من قِبل حكومة الولاية التي بدأت مُتمسِّكةً بأن تَتّخذ العَدَالَة مَجَراها، وفي هذا الصدد يتداول الشارع على نطاقٍ واسعٍ حديثاً منسوباً إلى الوالي المهندس ميرغني صالح، وجّه من خلاله تعليمات مشددة إلى وزير المالية والمُمسك بالملف عمر محمد نور بعدم المُجاملة في هذا الملف وأن يطال القانون أيِّ مسؤول تثبت التحريات والمُستندات ضلوعه في تجاوزات الأراضي حتى لو كان شخصه، وتنوه مصادر إلى أنّ وزير المالية عمر محمد نور رفض الاستجابة لمُحاولات بذلها نافذون في الحزب الحاكم والحركة الإسلامية لإثنائه عن المُضي قُدُمَاً بهذا المَلف وُصُولاً إلى المحكمة، وأكّد لهم بحسب المصدر أنّ الحاكمية في هذه القضية ليست بيده ولا يد الوالي، بل بيد الشُّرطة والنِّيابة وصولاً إلى القضاء، وكَانَت قيادات قد طَالبت بإجراء تسوية للملف تفضي بتسديد المُتّهمين لقيمة الأراضي لإطلاق سراحهم. على صعيد تطورات ذات القضية، فإنّ المَصَادر أشَارَت إلى أنّ المَبَاحِث قَد خَاطَبت وَزارة التّخطيط العُمراني بالولاية، وطالبت بمَدِّها بصُورٍ لتوقيعات الوزراء الذين تَعَاقَبُوا على الوزارة منذ العام 2010، وتُشير مَصادر إلى أنّ المُتّهمين الموقوفين على ذمة التحقيق يتوقّع أن يكونوا قد وصلوا الخرطوم لإجراء مُطابقة البصمات بالمَعمل الجنائي، وفي ذات القضية كَشَفت مصادر عن أنّ المرحلة القادمة من التحريات ربما شهدت فتح ملف أراضي الخارطة المُوجّهة لمدينة القضارف التي يُشير إلى أنها شَهِدَت تجاوزات كبيرة، فيما أشَارَ مَصدرٌ آخر إلى أنّه يتوقّع أن يتم أيضاً فتح ملف التّمويل المصرفي لكبار المُزارعين. عَلى صَعيد الشّارع بالقضارف، فإنّ الآراء حَول هذه القضية تَذهب في اتجاهاتٍ مُختلفةٍ، فالكثيرون ورغم استحسانهم لمَسلك حُكومة الولاية الرامي إلى كشف كل أوجه الفساد وتقديم المُتورِّطين في اختلاس المال العام إلى المُحاكمة، إلا أنّهم يتخوّفُون من حُدُوث تَدَخُّلات من الحكومة المركزية ومُمارستها لضُغوطات على حكومة ميرغني صالح للحيلولة دُون وُصُول ملف الأراضي إلى القضاء، فيما يَرَى تيارٌ آخرٌ أنّ هذه القضية يجب أن تستمر إلى آخر مَدَىً وذلك حتى تكون محاكمات الذين تثبت التحريات ضلوعهم في تجاوزات في ملف الأراضي عظةً وعبرةً لغيرهم، مُؤكِّدين أنّ القضارف تُعد من أغنى الولايات، ولكن الفساد وسُوء الإدارة من الأسباب المُباشرة التي أقعدتها وجعلت مُواطنها فقيراً ومحروماً في مُعظم أنحاء الولاية من أبسط حقوقه في الخدمات والتنمية، ورغم وجود أصوات تُؤكِّد أنّ ميرغني صالح يسعى إلى تصفية حساباته مع مجموعة كرم الله عباس الذي أعلن انسلاخه من المؤتمر الوطني نهائياً، إلا أنّ هذه الفرضية لدى البعض تبدو غير منطقية، حيث يشير إلى أن الموقوفين في هذه القضية لا علاقة لهم بالشيخ الذي عَابَ عليه البعض عدم فتحه مثل هذه الملفات حينما كان والياً مما أسهم في تفاقهما، وبصفة عامة فإنّ ملف الأراضي بالقضارف إذا ما ظَلّت حكومة الولاية مُتمسِّكةً بقرارها القاضي بترك القانون يأخذ مجراها، فإنّه يتوقّع أن يحمل الكثير من المُفاجآت ويتسبّب في الزّج بقادة كبار وراء القضبان. التيار