بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أهنيء المرأة السودانية وسائر النساء في العالم بمناسبتهن العظيمة، إن إعتماد يوم 8 مارس من كل عام يوماً للمرأة يجيء كإعتراف من العالم بالدور الحيوي للمرأة في الحياة الإنسانية، وهو دورٌ غير منكور قامت عليه الحياة إبتداءً ولكن لم يجد الإهتمام والتقدير اللازمين على مر الدهور إلى أن هبت المرأة وصدعت مطالبةً بحقوقها والإعتراف بها علانيةً في مقابل هيمنة ذكورية ظلت تُسيطر على حياة البشر وتغمط حق المرأة وتُحجم دورها وتحبس جهودها في أُطرٍ تقليدية تمنع الحياة من الإستفادة من إبداعها وقدرتها الفطرية علي إضفاء المزيد من الإستقرار والتقدم والنماء في الحياة على ظهر هذا الكون. إلا أن هذا العام حمل شرفاً بازخاً غيرُ مسبوقٍ للمرأة عموماً، تسيدت فيه المرأة السودانية المشهد وتسنمت ذراه، لأول مرة أقف أمام الكلمات عاجزاً كي أصف جسارتها وإقدامها الذي تُبديه اليوم في وجه أشر دكتاتور عرفه هذا العصر ولطالما طاوعتني الحروف في نسج ما أرغب في خطه من جملٍ وكلمات، إنها الفرحة التي تعقد اللسان دهشةً… إنها المرأة السودانية، فبأي الكلمات والعبارات يمكن أن أصف جسارة المرأة السودانية وفهمها المتقدم لقضية بلادها ووقوفها المهيب أمام بطش آليات ومليشيات دكتاتور لا يتورع أبداً في إرتكاب أبشع الجرائم وأكثرها إيزاءً للنفس الإنسانية، دكتاتور يتمع بمكابرةٍ لا تلين وتحدي غبيٍ وسُعارٍ للسلطة وشبق للسيطرة بلا حدود. تاريخ السودان يحفل بالكثير من المواقف التي سطرت فيه المرأة السودانية مواقف مشرفة، إذ لم تكن حواءُ السودان يوماً من الأيام أقل مثابرةً وتضحيةً من صنوها الرجل، وقد ذكر التاريخ الملكة أماني التي هزمت فراعنة مصر ومهيرة بت عبود وميارم سلطنات دافور، فهن لسن مجرد شخصيات عابرة مرت بحياة الناس والتاريخ، بل سجلن مواقف خلدها التاريخ وسار بها الركبان، ولم ينقطع عطاؤهن حتى يوم الناس هذا، فلازالت جيناتهن ترفد حياتنا بجيلٍ من السودانيات زانهن العلم فجمعن كرم وأصالة تاريخنا المجيد وعصر الحداثة بكل تعقيداته ومطلوباته التي تبدو بلا نهاية. فتاةُ السودان اليوم قررت أن تضطلع بعبء صعُب على رجالٍ قادرين القيام به، رغم مغريات الحياة اليوم وإيقاعها السريع وإتجاه النظام الرأسمالي نحو الإنغلاق على الذات مصلحياً وحرصه على حصر دور المرأة في الإعلان ولعب دور الإغراء والترويج للسلع وإنشغال فتيات اليوم في كل أنحاء الدنيا بمطاردة الموضة، صرخاتها وإكسسواراتها، أظهرت الفتاة السودانية رشداً كبيراً لدور المرأة في الحياة وضربت مثلاً فذاً ونموذجاً متفرداً سيظل نبراساً يُهتدى به في هذه الحياة، لقد إطلعتُ على العديد من تسجيلات وفيديوهات وكتابات بثتها مواقع التواصل الإجتماعي لقد ذهلت من مستوى هذا الوعي غير المسبوق للمرأة السودانية وفهمها لقضية بلادها، لقد بزت صنوها الرجل السوداني خاصةً ذلك الذي وقف يتفرج والبلاد تسعى إلى حتفها بسبب تسلط وسوء إدارة نظام الإنقاذ وفساده، أما إصرارها وإقدامها على التظاهر وإسقاط النظام وتقدمها للصفوف وهي تواجه مليشيات متفلته سيئة السمعة والتربية مدججة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وقد تعرضت لكل صنوف التعذيب والقمع من ضرب مُبرحٍ وإعتقال ومحاكمات وتحرش وهي لازالت صامدة، فهو عملٌ متسامٍ يندر وجوده، فهذا الإصرار والصمود والشجاعة والسمو المتفرد تعجز الكلمات عن وصفه، تجعل المرء يقف إجلالاً وإحتراماً لها والدهشة تعقد لسانه. لأول مرة أقف على جمالٍ جديدٍ للمرأة السودانية تفر من أمامه الصورة النمطية لجمال الأنثى المعروف والذي تعهد الشعراء بإبرازه، جمالٌ يحمل كل ما يميز المرأة أصلاً ويجعلها جميلة، ولكن المرأة السودانية تجاوزت كل هذه المواصفات التقليدية للجمال، فهي قد تمعت بالجمال كله وأبعد من ذلك الجمال كله لتصبح أيقونة، وهنا يستحضرني بيتُ شعرٍ للأديب المصري محمود العقاد، في قصيدته كاد يمضي العام والذي تغني بها الراحل المقيم زيدان إبراهيم، وهو يقول: كان في الدنيا جمالٌ لا يُعد ثم لحت ….فعددنا الحسن فرعاً … فهو فردٌ فهو أنت… أتمنى أن ينجلي هذا الظلام الدامس الذي فرضه نظام الإنقاذ البغيض على بلادنا ونعود إلى حضن الوطن (ونشوف ظبياتنا الكُحال) اللايء أتين بما لم يستطعه الأوائل، وطنٌ هذه هي حواؤه بلا شك ينتظره مستقبلٌ زاه وعظيم، ووطنٌ هذه هي حواؤه يُشرفني الإنتماء إليه، فطوبى لهن في سفر الخالدين وهنيئاً لشعبٍ هذه هي حواؤه.