إنّ وجود عسكري واحد على رأس مجلس السيادة سيكون سبب كافي لعدم نجاح ثورة 19 ديسمبر 2018م وسيقود لفترة إنتقالية لاتخلو من المشاكسات وسيفضي ذلك في النهاية لنظام ديمقراطي هش يفضي مرة أخرى لإنقلاب عسكري شمولي وبهذه الطريقة لن نستطيع الخروج من دوامة نظام ديمقراطي ضعيف لفترة قصيرة يعقبه إنقلاب عسكري شمولي يستمر لعشرات السنوات؛ وليس من المعقول الرضوخ لرغبة العسكر لنحل مشكلة نقل السلطة وندخل السودان في دوامة قد لايمكنه الخروج منها لسنوات طويلة. طبعا" حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي ماعندهم مشكلة إنه يكون عسكري رئيس مجلس سيادة أو مجلس السيادة بالكامل يكون من العساكر لأن الحزب ينظر للمكاسب في الإنتخابات القادمة بإعتباره حزب أغلبية في السودان وكذلك الحزب الإتحادي الديمقراطي الاصل له نفس الرؤية؛ ويرى السيد الصادق المهدي وقد صرّح بذلك وكما يرى البعض أن لامشكلة في أن يكون رئيس مجلس السيادة شخصية عسكرية بأغلبية مدنية ولذلك فهو أعلن موقف رافض لمشاركة حزب الأمة القومي في الإضراب طالما أن المجلس العسكري سيدعو لإنتخابات يفوز فيها حزبه بأغلبية كما حدث عقب إنتخابات 1964م وعقب إنتخابات أبريل 1986م ؛والمدهش في الأمر قد هلل الكثيرون بالأمس لخبر مفاده ان المجلس العسكري وافق على 5عسكريين مقابل 5 مدنيين لتكوين مجلس السيادة وطي ملف التفاوض المتعثر أصلا" وقد نفى المجلس العسكري ذلك الخبر نفيا" قاطعا"..!! بالطبع المشكلة ليست في البرهان ولا حميدتي هذه ثورة شعبية والصحيح أن يعقبها حكومة مدنية ومجلس سيادة مدني وليست للعسكر حق في منصب واحد فهم يقولون إنحازوا لجانب الشعب في ثورته وحسب كلامهم من المفترض أن يسلموا السلطة لقوى الحرية والتغيير بدون أي شروط والمسألة دي ما كانت إستغرقت إسبوع بعد إقتلاع البشير ؛ لكن هؤلاء العساكر باتوا الان مُصرين على إنتزاع مجلس سيادة كامل ويريدون الإنفراد بالقرار السياسي ليشكلوا الفترة الإنتقالية حسب مزاجهم وهم يبررون وجودهم في سُدة الحُكم في الفترة الإنتقالية بصفتهم الضامن لأمن وإستقرار البلاد فإذا كانوا خارج السلطة الإنتقالية ألا يستطيعون حفظ الأمن.؟ طبعاً قوى الحرية والتغيير لم يأتوا بطلب مدنية كاملة من فراغ فبعد إكتوبر 1964م كانت الحكومة مدنية بالكامل وكذلك عقب الإستقلال ؛ أما عقب أبريل 1985م فسوار الذهب سرق الثورة ونصب نفسه كرئيس لمجلس عسكري وكان الجزولي دفع الله رئيس وزراء وهما إسلاميين بإمتياز وكان هذا سرقة لمكتسبات ثورة أبريل من حزب الجبهة الإسلامية القومية وإستفاد حزب الجبهة الإسلامية من وجودهما في السلطة في الفترة الإنتقالية بمساندة من السعودية ودول الخليج في التمكين الإقتصادي وخوض إنتخابات عام 1986م بنجاح ووجود سوار الذهب والجزولي كان لصالح التيار الإسلاموي الذي كان يبث الرعب وسط الشعب بأن العلمانية والشيوعية ستكون هي البديل في حال رفض الشعب للأحزاب الإسلامية. يرى البعض أن الحل يكمن في خلع البرهان لبدلته العسكرية وبعد ذلك يمكن القبول به كرئيس لمجلس السيادة طالما ارتدى الزي المدني …في وجهة نظري هذه نظرة ساذجة وغير مقبولة فالمشكلة هي أنه في حال وجود عسكري واحد ضمن مجلس السيادة (( ولو كان بزي مدني )) سيفقد السودان الكثير اولها هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قررت عدم رفع العقوبات الأمريكية وعدم تقديم دعم للسودان في ظل وجود العساكر على رأس الدولة ودا لو حصل بكون خسارة كبيرة للسودان لانه في وجهة نظري ثورة 19 ديسمبر 2019 م من أهم اسباب قيامها كانت تهدف لإيجاد حلول إقتصادية بعد ما وصل المخلوع عمر البشير وزمرته الفاسدة بالسودان إلى طريق مسدود بسبب سياساتهم غير الرشيدة في حكم السودان مع إعتبار أن الدعم الامريكي المفترض سيكون مفيد للسودان وسيكون في الغالب في شكل مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي ناهيك عن الإستثمارات الأجنبية الضخمة التي ستتدفق على السودان حال إستقرار حكومة مدنية فيه وطبعا" هذا سيكون أفضل إذا ما قارناه بعدد الريالات والدراهم التي ستدفعها السعودية والأمارات في حال وجود العساكر في السلطة وهي لن تعدو غير كونها مسكنات في ظل وجود العقوبات الأمريكية والمشكلات الإقتصادية الضخمة التي تعاني منها بلادنا. الشيء الثاني والاهم هو أنه و في ظل وجود حكومة مدنية بالكامل سيضمن ذلك محاسبة رموز النظام السابق وإسترداد الأموال الضخمة التي نهبوها من المال العامة وجزء من هذه الأموال قال عنها الإسلاموي حسن مكي وهو من منسوبي النظام : ( لو تم إسترداد ربع الاموال التي أودعها منتسبي المؤتمر الوطني في دبي لوحدها ستكفي لحل مشكلة السيولة وستعادل العجز في الميزان التجاري.)). في نهاية المطاف تشبُث العساكر بالسلطة لم يكن إلا للإملاءات التي يتلقونها من دول مجاورة وإقليمية مثل مصر- الأمارات – السعودية ؛إضافة لأنهم يستمعون لمنسوبي النظام السابق الذين مازالوا يسيطرون على كل المرافق الحيوية وينصحونهم بعدم تسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير بإعتبارها قوى يسارية وعلمانية وستلغي الشريعة الإسلامية بمجرد تسلمها للسلطة المدنية وهذه مقولة حق أريد بها باطل؛واول أمس صرح نائب رئيس المجلس انهم لن يسلموا السلطة إلا إلى أيدي امينه فماذا يقصد بالأيدي الأمينة إن لم يكن مثل هذا الكلام وصاية من بقايا النظام البائد وهمس في أذن العسكر وهذا كلام عجيب..!!! هؤلاء العساكر ومن يقفون خلفهم في الداخل والخارج لم يفهموا بعد أن الذي حدث في السودان هو ثورة شعبية ضخمة قدم الشعب السوداني لإنجازها عشرات الشهداء وقوى الحرية والتغيير هي الجهة الرئيسية التي وقفت خلف هذه الثورة ونظمتها ودعمتها حتى أسقطت المخلوع عمر البشير؛ وأن ودور العساكر في الثورة على أهميته في الوقت الراهن كحافظين لأمن البلاد إن كانوا فعلا" إنحازوا لثورة الشعب كما يدعون هو تحصيل حاصل في النهاية ؛ وإلا فاليفصحوا عن طموحاتهم الحقيقية في البقاء في الحكم لباقي الفترة الإنتقالية وعندها فاليكونوا واضحين وليقولوا انهم قاموا بإنقلاب على البشير ليقطعوا به الطريق على قوى الحرية والتغيير في أن تستلم السُلطة وتُدير الفترة الإنتقالية بكفاءة عالية تضمن تثبيت الديمقراطية في السودان وتقطع الطريق مستقبلا" على الإنقلابات العسكرية التي اجهضت تجربتين ديمقراطيتين في السودان ماكان لهاذا التقويض ليحدث لو لا فوضى الاحزاب الطائفية وإهتمامهم بالمكاسب الحزبية الضيقة على حساب إستقرار النظام الديمقراطي بالإضافة لعدم قيام الديمقراطية عقب ثورتي إكتوبر وأبريل على أساس هش وغير متين السبب الذي أدى لوئد التجربتين في سنوات قليلة…!!!. نضيف إلى كل ذلك أن العقبة الرئيسية الان في تسليم السلطة ليس هو الفريق البرهان ولكن العقبة تتمثل في الجنجويدي حميدتي الذي يملك مليشيات ضخمة اسسها المخلوع البشير بإيعاذ من دولة الخميني لتحميه من أي إنقلاب في الجيش ومن أي محاولة إنتفاضة شعبية عليه وطبعا" كان لإيران قصب السبق في إنشاء مليشيات الجنجويد وهم أرادوها مثل االحرس الثوري في إيران تكرس لنظام شمولي أبدي في السودان للإسلامويين وتضمن بقاءه وبالتالي إستمرار مصالح إيران في السودان ولكن تم قطع العلاقات مع إيران في زمن المخلوع عمر البشير وذهب الجمل بما حمل وأصبحت مليشيات الدعم السريع تمثل طموحات قائدها في سبيل الوصول لسُدة الحُكم في السودان وهذا الشيئ لن يقبل به الثوار المرابطين أمام القيادة العامة ومواصلين في إعتصامهم مدة زمنية بلغت حتى اليوم 53 يوما" ولن يرضوا بأنصاف الحلول ولن يبرحوا أماكنهم حتى تتحقق مطالب الثورة في الإنتقال السلمي لحكومة مدنية ..!!. [email protected]