السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسوأ ثمانية أيام في تاريخ السودان: – (22 إلى 29 يوليو1971م)
نشر في الراكوبة يوم 24 - 07 - 2019


1-
في غمرة الاحداث الكثيرة الهامة والبالغة الخطورة التي حفلت بها البلاد خلال الايام القليلة الماضية في هذا الشهر يوليو 2019، والتي بلغت ذروتها بخبرنشر في صحيفة "الراكوبة" اليوم الاربعاء 24/ يوليو، وجاء تحت عنوان (حملة اعتقالات وسط ضباط القوات المسحلة وأنباء عن محاولة انقلابية)، مرت الذكري الثامنة والاربعين علي الاعدامات التي تمت في معسكر "الشجرة " وبسجن كوبر عام 1971، مرت الذكري بهدوء تام بلا اجترار ذكريات قديمة عن الحدث الجلل، او مقالات من الصحفيين، بل ولا حتي كلمات من أهل الضحايا!!
2-
هذا المقال اليوم مقصود به احياء ذكري الضباط والمدنيين الذين اعدموا بعد فشل محاولة الانقلاب في شهر يوليو، وايضآ تعريف ابناء وبنات الجيل الجديد -(الذي لم يعاصر هذة الاحداث، ولم يدرسها في المدارس والجامعات) بهذه الاحداث التي وقعت في الفترة من يوم الاثنين19/يوليو، وانتهت باخر الاعدامات في سجن كوبر يوم الاربعاء 28 منه.
3-
بداية الاحداث:
(أ)-
وقعت محاولة انقلاب الرائد/ هاشم العطا، في تمام الساعة الثانية ظهرا يوم الاثنين الموافق 19 / يوليو عام 1971، وكان واضحاً منذ البداية أن الانقلاب استهدف بصورة واضحة الرئيس جعفر النميري ، ففي بيان الانقلاب قال الرائد هاشم العطا أن الانقلاب يمثل العودة إلى مبادئ ثورة مايو 1969 التي أوصلت نميري إلى السلطة، وأن نميري قد تخلى عن تلك المبادئ وقام بتأسيس جمهوريةٍ رئاسيةٍ دكتاتوريةٍ، وذكر أن مجلس قيادة الثورة الجديد سيكون ممثلاً للإرادة الشعبية وأنه سيتم إعطاء الحكم الذاتي للجنوب، تم اعتقال البكباشي/ جعفر النميري في بيت الضيافة الملحق بقصر الجمهوري.
(ب)-
وحسبما ورد في الوثائق البريطانية فقد تم استخدام وصف ودي للإشارة إلى "الاتحاد السوفييتي العظيم"، وبعد البيان تم علي الفور تشكيل (مجلس قيادة الثورة )على النحو التالي:
المقدم/ بابكر النور رئيساً، والرائد/ هاشم العطا نائباً للرئيس، وعضوية المقدم/ محمد احمد الشيخ الريّح، والرائد/ فاروق عثمان حمدالله، والرائد/ محمد محجوب عثمان، والرائد/ محمد أحمد الزين، والنقيب معاوية عبدالحي.
3-
علي الفورأصدر المجلس العسكري الجديد أوامر بإلغاء الآتي:
أولا: الأوامر العسكرية الجمهورية.
ثانيا: جهاز الامن القومي.
ثالثا: الاتحاد الاشتراكي السوداني.
رابعا: الحرس الوطني.
وأسس الآتي:
أولا: الجبهة الديمقراطية الوطنية (مكان الاتحاد الاشتراكي).
ثانيا: منظمات التحالف الديمقراطي (فيها نقابات العمال الموالية للشيوعيين).
4-
جاء يوم الخميس 22/ يوليو والحياة تسير سيرها الطبيعي، وانهمرت البرقيات من كل مكان تؤيد وتبارك وتدعم النظام الجديد, وكانت الاذاعة منذ الصباح الباكر تطلب من الجماهير الخروج في موكب العاشرة لمساندة الوضع الجديد.
5-
وفجأة.. تدافعت الاحداث بسرعة وتلاحقت بصورة لا يكاد يصدقها العقل.. ففي الوقت الذي كان يتهيأ فيه قادة الثورة لمقابلة المسيرة ومخاطبتها ومقابلة رئيس مجلس قيادة الثورة الجديد ورفيقه القادمين من لندن.. إذا بالانباء تحمل خبراً كان له وقع الصاعقة على اعضاء المجلس الجديد.. فقد قامت طائرات ليبية باعتراض الطائرة البريطانية (Vc10) في رحلتها رقم (45) المتجهة الى الخرطوم واجبرتها على الهبوط في مطار طرابلس واعتقال قائد الثورة الجديد ورفيقه....أمر الرئيس معمر القذافي اختطاف، طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل كل من المقدم بابكر النور سوار الدهب، والرائد فاروق عثمان حمدالله ، عند سفرهما من لندن في طريقهما إلى الخرطوم، كقيادات جديدة، للنظام الذي أطاح بحكومة النميري، في إنقلاب 19 يوليو عام 1971، ذلك الاختطاف ، الذي أدى إلى تسليم القذافي، كل من بابكر وفاروق إلى النميري، العائد إلى السلطة كالمسعور، بعد إجهاض الانقلاب، ليبعث بهما إلى دروة الاعدام!!
6-
في يوم 20 يوليو من نفس وقع الحدث الاتي:
(ارسلت القيادة العراقية برقية تأييد أيدت فيها رغبتها في دعم الحركة الإنقلابية في الخرطوم، وبناءاً على ذلك أقلعت طائرتان تحملان اسلحة واطقم دبابات بالإضافة إلى ان احدى الطائرات كانت تحمل عضو القيادة القومية لحزب البعث محمد سليمان عبدالله التعايشي وطلبت السلطات العراقية السماح للطائرات بالهبوط في مطار الخرطوم الذي كان مغلقاً أمام الملاحة الجوية .. ووافقت الخرطوم على هبوط الطائرتين .. أقلعت الطائرات من بغداد في طريقها إلى الخرطوم، غير أن احدى الطائرات قد سقطت بالقرب من مدينة جدة .. بالمملكة العربية السعودية مما أرغم الطائرة الثاينة إلى العودة إلى بغداد .. وعزا التقرير الذي أصدرته لجنة
التحقيق العراقية سقوط الطائرة إلى سوء تقدير من كابتن الطائرة وليس
لأسباب فنية!!.).
7-
بداية الايام السوداء –
الخميس 22/يوليو/ 1971:
(أ)-
نسبة لغموض الاحداث وقتها انطلقت الشائعات في كل مكان.. واصبح الموقف في الخرطوم غامضاً ويسوده خوف وقلق وارتباك.. وبدأت تتحرك بعض العناصر العسكرية الموالية لنميري المعتقل داخل الغرف الارضية للقصر الجمهوري.. وصلت بعض الدبابات ماركة (T55) من منطقة (الشجرة) حيث رئاسة سلاح المدرعات ، واحاطت بالقصر من ناحية الجنوب وناحية الغرب ، في هذا الاثناء حدثت مجزرة وهو ما عرف فيما بعد باسم (مجزرة بيت الضيافة) والتي راح ضحيتها عدد كبير من الضباط (اختلفت الروايات بين 25 و39) ضابطاً وضابط صف.. ذلك بان هناك بعض الاشخاص قتلوا في سلاح المدرعات وجئ بجثثهم للمشرحة فاختلطت بجثث بيت الضيافة.
(ب)-
بعد حصار المدرعات التابعة لنميري ومن بعدها مجزرة (بيت الضيافة) حدثت اشياء اقرب الى الخيال.. فقد استطاع نميري بمساعدة احد الضباط الموالين له ان يخرج من معتقله ويقفز حائط القصر ويخرج الى الشارع ويتحول الموقف 360 درجة في الاتجاه المعاكس.. وخلال ساعات قليلة استطاع نميري ان يستعيد السلطة مرة اخرى وبصورة اقوى واشرس واعنف. وفي اليوم التالي الجمعة 23 يوليو تم دفن شهداء (بيت الضيافة).
8-
وفي ذات اليوم بعد فشل الانقلاب بدأت (محاكمات الشجرة)...وكان يشرف علىها العقيد/ احمد محمد الحسن بحضور نميري وابو القاسم وخالد حسن عباس (الذي توفي شقيقه ضمن ضباط بيت الضيافة).. كانت المحاكمات ايجازية وسريعة وتتسم بالانفعال الزائد.. وبسرعة شديدة تقرر اعدام القادة العسكريين الثلاثة (بابكر النور، وهاشم العطا، وفاروق حمد الله).
9-
يقول العميد (م) عبد الرحمن حسن عبد الحفيظ في احدى افاداته:
(ان المحاكمات التي تمت في يوليو 1971م كانت تتصف بالتسرع الذي ما كان له ان يحدث.. فكثير من الاتهامات لم تكن ترتقي للاعدام كالمغفور له المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله.. فقد ارتبطت اسماؤهما بقيادة الانقلاب وهما خارج الوطن.. ولا يمكن ان تحاكمهما مثل من دبّر الانقلاب ونفذه.).
10-
الاعدامات
اولآ/ اعدام الرائد/ هاشم العطا:
(أ)-
في غرفة قرقول سلاح المدرعات قضى هاشم العطا الساعات الاولى من اعتقاله موثوق اليدين ، مستلقيا على ظهره ، كان رغم الارهاق هادئآ في كل تصرفاته، ثابت الاعصاب، باسم كعادته، وعندما حنت منه التفاته الى بعض الضباط المعتقلين ، بعد لحظات دخل الي الغرفة الملازم كمال سعيد صبرة، الذي بدأ يستفز هاشم العطا بصورة وقحة غير لائقة، نظر اليه هاشم في سخرية واستخفا، اغتاظ الملازم كمال من تجاهل هاشم له فبادر بسحق نظارة هاشم التي كانت ملقاة على الارض الي جانبه وحطمها بحذاءه.
(ب)-
– حاول النميري في مكتبه بمعسكر "الشجرة" ان يبدأ التحقيق مع هاشم العطا وجهآ لوجه، رفض هاشم رفضآ باتآ اجراء اي لقاء مع النميري، واعلن في اصرار شديد انه لن يدلي باي اقوال الا في محاكمة علنية، قال هاشم العطا بكل وضوح انه يرفض مقابلة مع اي مسؤول في المعسكر (لانكم ستشوهون اقوالي وتحرفوها) . واضاف:( انا اتحمل كل المسؤولية وليست لديكم حجة في محاكمة الضباط والجنود والصف).
(ج)-
اقتيد هاشم قسرآ وهو مقيد الي مكتب النميري الذي كان في حالة هياج أثناء اللقاء بينهما وكان يتكلم بصوت عالي اشبه بالصراخ، قال احد كبار الضباط الذي حضر اللقاء، أن النميري ما ترك كلمة بذيئة في قاموس الشتائم الا وجهها الي هاشم العطا، كانت مفاجأة شديدة لم يتوقعها النميري عندما قاطعه هاشم العطا بحدة وقال له: (لست نادما على ما قمت به، وان كان لي ان اندم فلانني اعتقلتك ثلاثة ايام وعاملتك معاملة كريمة).. هنا بلغت حالة الهياج حدآ جعلت النميري يقفز من مقعده في محاولة للاعتداء بالضرب، لكن في عجالة سريعة تم سحب هاشم العطا من المكتب الي غرفة اخري.
(د)-
كان هاشم خلال الساعات الطويلة التي قضاها قبل اعدمه يردد مقطعا من نشيد صلاح بشرى ويضيف الى المقطع: (جاءكم هاشم فاعدوا المقصلة)، الضباط والجنود المعتقليين معه رددوا المقطع من خلفه، زجر هاشم بصوت عالي كل الضباط والجنود الذين حاولوا الاعتداء عليه، وكان مهاباً شجاعاً وهو في قبضتهم.
(ه)-
– بدرت من هاشم العطا ضحكة تلقائية وهو في طريقه الى ساحة الاعدام، اغتاظ احد الجنود من الضحكة وعلق: (وتضحك كمان؟!!)، فضحك هاشم ضحكة عالية وقال له :(يا ابني الميت مايبكي)، اتجهوا بهاشم نحو (دروة المورس) لتنفيذ حكم الاعدام رميآ بالرصاص، كانوا الجنود في حالة من الفزع والاضطراب، لم ينتظروا وصوله للدروة ، بل عاجلوه من الخلف باطلاق 800 طلقة على ظهره حتى انفصل نصفه الاعلى قبل ان يسقط على الارض، وظلوا يطلقون الرصاص علي جثمانه حتى بعد استشهاده ، واصلوا اطلاق الرصاص على جثته حتى افرغوا الاربعة صناديق من (الجبخانة).
ثانياً:
إعدام الرائد/ بابكر النور:
(أ)-
في البداية تمت محاكمة بابكر النور برئاسة العميد تاج السر المقبول، اصدرت المحكمة العسكرية قرارها بالسجن اثني عشر عاما، ورفض النميري قرار المحكمة العسكرية، ارجع الاوراق الي المحكمة العسكرية ، اعيدت مرة اخري المحاكمة وصدر قرار الحكم بالسجن 30 عاما، رفض النميري قبول قرار المحكمة للمرة الثانية، وعندما وجه النميري اعادة المحاكمة للمرة الثالثة، رفض العميد تاج السر ان يتراس المحكمة، – وكنوع من الاحتجاج ايضآ- رفضوا كل الضباط الكبار الذين كلفوا برئاسة المحكمة العسكريةالاستمرار في عملهم كقضاة على اعتبار ان نميري يريد قسرآ فرض حكم الاعدام، علق احد الضباط بغضب عن حالة بابكر النور:(دا كان عضو في مجلس "الضباط الاحرار" تحاكموه كدة؟!!)، اتصل النميري بالمقدم صلاح عبد العال تلفونيا وكلفه برئاسة المحكمة العسكرية، حضر صلاح وتسلم اوراق المحكمة، وفي نفس اليوم صدر قرار حكم الاعدام بابكر النور رميآ بالرصاص.
(ب)-
عندما اقتيد بابكر النور لتنفيذ حكم الاعدام ، كادت كلمات خطبته القوية في الجنود ان تعطل حكم الاعدام، حتى تدخل النميري وتوجه شخصيآ ومعه مجموعة من الضباط الي ساحة الاعدام كنوع من الارهاب الي الجنود المكلفين تنفيذ الحكم ، تراجع بابكر النور بخطواته قليلة الي الوراء كي لا يتم اطلاق الرصاص على ظهره، كان الشهيد قد ارسل قبل يوم واحد من اعدامه خطاب صغير في ورقة علبة سجائر الي اسرته يؤكد فيه ان نميري سيعدمه. كانت اخر كلماته انه هتف عاليآ باسم السودان.
ثالثاً:
اعدام الرائد/ فاروق حمد نا الله:
(أ)-
هناك رواية اخري موثقة في كثير من المواقع عن اعدام فاروق حمدنا الله:
( عندما نزل فاروق حمدنا الله من الطائرة وهو معتقل في مطار الخرطوم قادمآ من ليبيا بحراسة مدججة من الحرس الليبي،قال للضباط والجنود السودانيين الذين حضروا لاستلامه:(ازيكم يا شباب ، الغريبة انو الليبيين حاقدين علينا اكثر منكم)!!.. ثم ضحك، نقلوه الى معسكر "الشجرة" هناك خلال حديث نميري معه قال للنميري : (يا نميري انت في 25 مايو دورك كان صفر ، ما كان عندك دور نحن النظمنا 25 مايو وجبناك عشان رتبتك وكان ممكن نجيب غيرك ، كنا حنجيب محمد الشريف الحبيب او مزمل غندور، لكن وزير دفاعك خالد حسن عباس الجالس جنبك دة قال يا جماعة مزمل غندور طموح وحيسيطر علينا افضل نجيب نميري لانه بليد ونقدر نمشيه زي ما عايزين)..
(ب)-
حاول النميري ان يساومه ليتبرأ من صلته بجماعة 19 يوليو فرفض ، وطلب منه النميري ان يدلي بما لديه من معلومات فرفض، وعندما اقتادوه الى منطقة الحزام الاخضر لاعدامه استفزه النقيب محمد ابراهيم وقال له " يا(...) ،فرد عليه فاروق: (انت كمان تقول لي يا "..." ؟!!شوف الرجال يموتوا كيف الليلة ، لما يجيبوك محل الموت اثبت زيهم) ، ثم التفت الى الجنود وقال لهم : (الراجل ما بضربوه في ضهره وانا ما بديكم ضهري)..ظل يتراجع في خطوات ثابتة للخلف فاتحا ازرار القميص كاشفا صدره للرصاص وهو يهتف بحياة الشعب السوداني وسلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية.
(ج)-
– تنفيذ حكم الإعدام في فاروق حمد الله وبابكر النور رمياً بالرصاص كان في الساعة السادسة والنصف من مساء الاثنين 26 يوليو لعام 1971م.
رابعآ-
اعدام الشفيع احمد الشيخ:
(أ)-
مساء الاحد 25 يوليو ، خرج الشفيع احمد الشيخ من المكتبة في معسكر "الشجرة" حيث كانت تجري محاكمته ، فوجد جوزيف قرنق ودكتور مصطفى خوجلي جالسين على التربيزة المخصصة للتحقيق في البرندة، وقف بضع دقائق مع دكتور مصطفى وقال له: (تصور ان شاهد الاتهام ضدي هو معاوية ابراهيم سورج ، وسمعت انه سيحضر شاهد اتهام ضدك)!!!...كانت شهادة معاوية كما ارادها نميري وزمرته تنصب على اثبات ان الشفيع عضو سكرتارية الحزب الشيوعي وبالتالي فانه يعرف التنظيم العسكري للحزب ومكان اخفاء اسلحة الحزب .
(ب)-
بعد قليل تم استدعاء الشفيع مرة اخرى للمحكمة داخل المكتبة وحوالي الساعة العاشرة الا ربعا خرج من المحكمة وجلس على كرسي امام البرندة ، حضر ابو القاسم محمد ابراهيم وهو في حالة هياج وقف امام دكتور مصطفى وساله (اين مكان عبد الخالق، لاننا علمنا انه شوهد معك مساء الثلاثاء الماضي؟!!)... نفى الدكتور مصطفى علمه بمكان عبد الخالق، هدده ابوالقاسم بقوله: (امامك عشرة دقائق لتخبرنا بمكانه)... ثم اتجه نحو جوزيف قرنق وكرر عليه نفس السؤال ، نفى جوزيف علمه بمكان عبد الخالق ، هدده ابو القاسم بقوله امامك خمسة دقايق لتخبرنا بمكانه . " تفاصيل ما حدث بعد ذلك بمقال الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم " طيلة احاديثه مع الضباط كان يكرر ، نحن لم نرتكب أي خيانة ضد الوطن وشعبه ، ووقفنا مع التقدم ومصالح الناس ، واذا رحنا فالمهم ان يحافظ الناس من بعدنا على التنظيمات الجماهيرية التي اشتركنا في بنائها مع الاف الناس.
(ج)-
انتهت محاكمة الشهيد يوم الاثنين 26 يوليو، وساقوه الى سجن كوبر مساء ذلك اليوم وهناك اعدم شنقا، تلقت المناضلة فاطمة إبراهيم، رفيقة الشفيع أحمد الشيخ وزوجته، خبر إعدامه بشجاعة ورباطة جأش، وهي في الإقامة القسرية.
خامسآ-
اعدام المحامي/ جوزيف قرنق المحامي:
(أ)-
كان المحامي الشيوعي جوزيف قرنق معروف وقتها بانه المحامي الذي لا يتقاضي اي مبالغ مالية جزاء الاستشارات القانونية او دفاعه امام المحاكم عن المظلومين . كان معروف عنه انه لا يخفي انتماءه للحزب الشيوعي وانه عضو عامل فعال فيه . ولا يخفي ايضآ عداءه الشديد لكل صور القهر والظلم اللتين كانتا طابع حكم الاحزاب الدينية، عند اعتقاله بعد فشل انقلاب هاشم العطا كان كل الناس علي يقين تام ان جوزيف سيخرج من زنزانات معسكر " الشجرة " بريئآ معافي لانه لم يكن وقت الانقلاب مشارك كما صورتها عنه وسائل اعلام النميري، وان جوزيف-حسب تصريحات النميري عنه – سفاح استغل اموال الحزب الشيوعي تجنيد مجموعة من الجنوبيين بهدف اثارة الاضطرابات والقلاقل في الخرطوم حال فشل انقلاب هاشم العطا.
(ب)-
عندما تم اعتقاله قال لافراد أسرته واصدقاءه انه لن يبقي طويلآ في الحبس، هناك في المعتقل الذي كان به هاله ما شاهده من صنوف التعذيب والضرب المبرح علي المعتقلين الذين شاركوا في الانقلاب، ابدي قرنق وجهة نظره القانونية في الممارسات الخالية من آبسط انواع المعاملات الانسانية، وتجاوزات الضباط علانية في خرق القوانين، فنال هو الاخر صنوف من الضرب المبرح ب(قاشات) الجنود.
(ج)-
ماهي الا ايآم قليلة من إعتقاله التي وجد فيها العذاب المؤلم،حتي وجد نفسه فجأة في قاعة محكمة عسكرية، اعتقد جوزيف في بداية الامر انها حجرة لراحة الضباط ، فلم يكن فيها ما يوحي علي الاطلاق وانها محكمة ، فقد خلت القاعة من المقاعد الا اربعة فقط لاعضاء رئاسة المحكمة العسكرية، ما كانت في القاعة حتي مقعد صغير يجلس عليها المتهم !!...اكثر ماضايق القضاة العسكريين، ان قرنق راح يقارعهم الحجه بالحجج القانونية.. يفند بالأدلة القاطعة عدم قانونية المحكمة وبطلان الادعاءات ضده.
(د)-
***- استمرت محاكمة جوزيف نحو (45) دقيقة صدر بعدها الحكم بالاعدام شنقآ في سجن كوبر، تم ارسال قرار المحكمة الي النميري فصادق عليها سريعآ بالموافقة ، وعندما علم جوزيف بالخبر، علا صوته متسائلآ في استغراب:( نميري ده جن ولا شنو؟!!)...
(ه)-
تم ارسال جوزيف قرنق بعدهاالي سجن كوبر، في فجر يوم الاربعاء 28 يوليو، تم إيقاظه بواسطة ضابط كبير واخبره ان تنفيذ الحكم سيكون بعد لحظات، بكل براءه قال جوزيف لزملاءه في الزنزانة انه سيعود اليهم قريبآ فقد كان واثقآ ان الحكم سيلغي ، لكنه علم انها النهاية عندما اقتادوه الي غرفة المشنقة. كتب لاسرته رسالة صغيرة قال فيها: (ارجو ان تعتبروني احد الركاب في طائرة تحطمت) ، تم دفنه في مكان مجهول وقتها، واكتشف فيما بعد بمقابر بالخرطوم بحري.
سادسآ-
اعدام عبدالخالق محجوب:
(أ)-
انتهت حياة عبد الخالق محجوب على حبل مشنقة سجن كوبر في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 28 يوليو 1971 م، رثاه عدد كبير من الشعراء العرب والسودانيين كما شكل اعدامه صدمة كبيرة للحركة الماركسية العربية والسودانية لم يعد الحزب الشيوعي السوداني لسابق نفوذه أبدا بعد إعدامه مع أغلب قيادات الحزب. وبموتة انتهي فصل من الفكر في الحياة السياسية والاجتماعية السودانية، ورثاه الشاعر المنفي، مظفر النواب، في قصيدة، يقول في مقطع منها: «ولله جنود من عسل.. وعلى رأسك يا محجوب.. رأينا سلة خبز تأكل منه الطير.. وفي ساعات الصبح سيمثل اسمك فيك.. وضج الكون دما وعصافير خرساء.. مفقأة الأعين.. وارتفعت أدخنة الكيف الدولي».
(ب)-
تم تنفيذ حكم الإعدام فجر الأربعاء 28 يوليو بسجن كوبر اي بعد يوم واحد من اعتقاله، ذهب عبد الخالق إلى المشنقة مرفوع الرأس شامخا يهتف بحياة السودان وحياة الحزب الشيوعي ، أهدى ساعة يده إلى أحد العساكر كهدية منه وطلب من مدير السجن الذي اشرف علي عملية تنفيذ الحكم تسليم دبلته الفضية إلى أسرته ومعها وصية مكتوبة بخط يده ، ولكن لم يتم توصل (الدبلة) أو الوصية المكتوبة !! ، فقد صادرها احد ضباط جهاز الأمن -حسب شهادة إدارة سجن كوبر بعد ذلك- وقد أفاد مأمور السجن وقتها عثمان عوض الله بأن عبد الخالق ذهب إلى المشنقة بخطى ثابتة وكان أنيق الثياب، لامع الحذاء ، متعطرا ، باسما كعريس – هكذا علق الضابط عثمان عوض الله مأمور سجن كوبر حينها-. حيا عبدالخالق محجوب الشناق الخير مرسال وهو يعتلي سلم المشنقة باسما.
(ج)-
انتهت حياة عبد الخالق محجوب على حبل مشنقة سجن كوبر في الساعات الأولى من صباح الأربعاء (28 يوليو 1971) ، وقالت نعمات ارملة الراحل عبدالخالق وقتها : لم يسلمونا جثمانه، ولم يبلغونا حتى، ولو أن نميري يتحدث عن الدين فهذا ليس بدين، ولو أنه يتحدث عن الأخلاق فهذه بعيدة جداً عن الأخلاق ، ولو أنه يتحدث عن السياسة ، فإن ما حدث لا يمت للسياسة بصلة ، الموضوع برمته خطأ فليس هناك مدني يحاكم محكمة عسكرية ، فضلاً عن أن الشخص المحاكم يعطى فرصة للدفاع عن نفسه ويحق له مقابلة أسرته، لكننا لم نعلم وسمعنا الحكم من خلال الراديو، وما حدث تم بين يوم وليلة.
(د)-
ومضت في حديثها قائلة: صمدت ولم أنزل دمعة من عيني لدى سماعي الخبر خرجت الشارع أهتف، ثم بعد ذلك تفرغت لتربية أبنائي، فهذه هي المسؤولية التي تركها عبدالخالق وقبلتها، اجتهدت في تربيتهم في ظل الاعتقالات المنزلية التي تعرضت لها ورفدي من عملي، رغم ذلك اجتهدت في أن أنشئ أبناءً خالين من العقد ولا يتذوقون طعم المرارة بعد رحيل أبيهم، يختاروا طريقهم بأنفسهم وأن يتحملوا نتيجة اختياراتهم مهما كانت، والحمد لله أظن أنني نجحت في ذلك. وفعلاً هكذا كان رحمه الله.
(ه)
في تحقيق صحفي قيم اجراه الصحفي عادل سيداحمد بجريدة (الوطن) مع السيدة نعمات مالك زوجة الراحل عبدالخالق مجوب، دار الحوار بينهما حول: (من قتل عبدالخالق محجوب, وكيف اعتقل ?) ... قالت السيدة نعمات بالحرف الواحد:(نحتفظ بإسم الشخص الذي بلغ عليه للتاريخ !)..
(و)-
انتهت اخر الاعدامات باعدام عبدالخالق، تفرغ نميري بعدها ملاحقة الشيوعيين والمعارضين لحكمه، طالت الاعتقالات في كل انحاء البلاد- في الفترة من يوم 29 يوليو وحتي 3 سبتمبر 1971- نحو (30) الف شخص، اغلب هذة الاعتقالات كانت كيدية وطالت ابرياء لا دخل لهم بالسياسة، وقعت احداث دامية اثناء الاعتقالات نتجت عنها وفيات بسبب الضرب والتعذيب.
11-
لا يختلف اثنان، ان واحدة من اسؤأ احداث دخلت تاريخ السودان قد وقعت في الفترة من يوم الخميس 22 وحتي يوم 30 يوليو1971م، وجاءت بعدها محاولة انقلاب الريل – رمضان 1990، وما بعدها من مجازر اخري كثيرة طالت (350) الف شخص حسب احصائية قديمة صدرت من منظمة الامم المتحدة عام 2005، ولا يدخل في هذا الرقم اعداد الضحايا الذين قتلوا بعد عام 2005 ويقدر عددهم باكثر من (100) الف شخص….علمآ بان الاغتيالات من طرف المؤسسات العسكرية مازالت مستمرة حتي اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.