مُقدِّمة: في 29 اكتوبر 2009 عقد مجلس وزراء الحكومة البائدة جلسته في مدينة الدمازين. في تلك الجلسة طلب الرئيس المخلوع من وزير زراعته عبد الحليم إسماعيل المتعافي؛ تقديم تجربته الشخصية في الاستثمار الزراعي، فطفق يُحدِّثْ المجلس ورئيسه؛ قائلاً" إنّ لديه (10) ألف فدان و(12) ألف نعجة و(50) بقرة، وإنِّه استطاع أن يُحقّقْ في الموسم الماضي – أي عام 2008 ، أرباحاً بلغت (400 ) مليون جنيهاً. كانت تلك هي اللحظة التي كرّس فيها المعزول رسميّاً لفسادٍ مؤسسي عضوضٍ، إذ كيف يستثمر وزير الزراعة في الزراعة؟ وكل إمكانيات الوزارة بين يديه ورهن إشارته، فهو فقط من يتوفر على كافة المعلومات التي تخصها، وهو من يملك سلطة اتخاذ القرارات فيها!، فما الذي يمنعه ألاّ يُصدر قرارات تتلاءم مع مصالحه الخاصة، وقد حدث، فانتهى الوزير والوزارة؛ إلى حيثُ انتهى هذا التقرير الاستقصائي، إلى مكبين للفساد عميق وقذر! حساب بنكي للفساد باسم الوزير المُتعافي: حساب بنكي للفساد باسم الوزير المتعافي في مايو 2009 فتح وزير الزراعة بحكومة الفساد البائدة وفي تجاوز لكل الإجراءات المالية والمحاسبية ودون تصديق من وزارة المالية، حساباً بنكيِّاَ بالرقم (3390) بالبنك الزراعي السوداني؛ ومن ميزانية وزارة الزراعة وباسم (وزير الزراعة)، وبلغت جملة التغذيِّات لهذا الحساب (308) مليار و(80) مليون و378 ألف جنيهاً، بما يعادل حوالي (134) مليون دولار أمريكي، بحسب سعر الصرف آنذاك، وقد بلغت جُملة الصرف من هذا الحساب حتى يونيو 2011 – أي في عامين فقط – مبلغ (306) مليار و(185) مليون و(154) ألف جنيه حوالي (133) مليون دولار أمريكي.
أوجه الصرف: اوجه الصرف من الحساب 1 لا يحتاج المرء لمجهودٍ كبير حتى يعرف إنّ هذا الحساب مُخصص للفساد، وكان يتم التصديق بالصرف منه بواسطة شخصين لا ثالث لهما، هما الوزير ومدير مكتبه عدلي حسين الأفندي؛ الذي سيتردد اسمه لاحقاً بين المستندات التي اطلعنا عليه، حد الملل، إذ إنّه غالباً ما كان يقوم بدوريّ المصدق والمستفيد في آن! ظلّت عملية تغذية الحساب تتم بطريقة أشبه بطرق المافيا، دون معرفة الجهات التي تغذيه، ويتم ذلك عبر عدة بنوك كبنك السودان، بنك فيصل، بنك المزارع، البنك السعودي، بنك أبوظبي، وبنك أم درمان الوطني. وكان الصرف يتم بفوضويّة وعبثيّة شديدتين، وتتلخص في سلفيِّات وسفريِّات وحوافز ووجبات وفنادق ودعم مالي لأفراد ومؤسسات وخلاوي وكيانات الحزب البائد ولافتاته دون وجود ما يثبت استلام أي شخص أو جهة ممن ذكرنا، لهذه الأموال، ولم نجد سوى قصاصات ورقية بالية كتبت بخط اليد! اوجه الصرف من الحساب 2 تقول بعض المستندات التي بحوزتنا إنّه (المتعافي) اشترى بموجب هذا الحساب آليات وتراكتورات وحفارات ومعدات زراعية بمبالغ مهولة؛ ولكن المفاجأة الكبرى إن كل هذه الآليات وتلك المبالغ المهولة؛ لا توجد إلا على الورق، إذ لم نعثر عليها في الواقع. المتعافي الوزير؛ يصرف على المتعافي الشركة: المتعافي الوزير يصرف ع المتعافي الشركة بلغ عدم الحياء واستسهال مال الشعب بالوزير المتعافي وبطانته مبلغاً بئيساً، إذ صار يصرف بلا أدنى خجل على شركته الخاصة (المتعافي التجاريِّة) وكان لها نصيباً كبيراً من مال الشعب المنهوب. ويبدو أنّ الوزير أو الحرامي المتعافي – ويوجد لدي ما يجعلني أطلق عليه أكثر من ذلك – يبدو إنِّه لم يسمع بمصطلح تضارب المصلحة Conflict of interestإذ ظلّت شركته الخاصة مُلازمة له في مُجملِ عمل الوزارة، تشتري وتبيع وتُستخرج فواتير الصرف باسمها الذي يحمل اسمه بلا حشمة، وظل الوزير والغاً في المال العام وكأنه مال أبيه، يتصرف فيه كيفما شاء وأينما شاء! وكان حساب وزارة الزراعة الذي هو مال الشعب الفقير يذهب إلى حساب شركته الخاصة التي جعلها أكبر مورِّد ومُتعهد مشتروات لوزارته! وقد ظهر ذلك كثيراً في المستندات التي تحصلنا عليها، ومنها على سبيل المثال الشيك رقم (102) بتاريخ 5 يناير 2010 بمبلغ (53) مليون و(108) الف جنيه الصادر من الحساب بتصديق من مدير مكتبه عدلي حسين؛ لصالح شركة المتعافي التجارية. وتكتمل المأساة عندما نكتشف أن هذا المبلغ الضخم كان نظير مطالبات تجاريِّة، ولا نجد ما يثبت هذه المطالبات!، أنما الأنكى والأمرّ أن المبلغ تم صرفه بفاتورة مبدئية فقط. آل كابوني والكابيتانو: ال كابوني والكابيتانو 1 إذا جاز لنا أن نُطلق على الوزير السابق المتعافي لقب آل كابوني هول ما أطلعنا عليه من فساد؛ فإنّنا بلا شك سنُطلق لقب الكابتن (كابيتانو) الرجل الثاني في المافيا على مدير مكتبه المدعو عدلي حسين الأفندي، الذي كان كما يبدو في الأوراق؛ يُمثِّل يد الوزير القذرة وساعده الإجرامي في عصابة الفساد التي أسسها. وأصدقكم القول إنني، فرط تردُدّ اسمه آلاف المرات في المستندات التي بحوزتي حتى تراءى لي في المنام، وكان كما ينبغي مُتسخ اللحيِّة والشرف. الكابوني والكابيتانو 2 وإليكم الآن، مثالٌ آخر بسيط على فساد هذا الأفندي، إنّه الشيك رقم (391) بتاريخ 23 نوفمبر 2010 حيثُ قام على ما يبدو بتصديقِه – دون أن نجد على الأوراق اسم المُصدِّق لإخفاء الجريمة، وكان الشيك بمبلغ (10) مليون جنيه قيل إنه (دعم اجتماعي) للمكتب ثم قام هو؛ ولا أحد غيره بصرف الشيك، وما يُحزن ويُبكي إنّ المبلغ تم خصمه من الأموال المصدقة من ميزانية وزارة الزراعة لصالح هيئة حلفا الزراعية، ويا ألطاف الله! اختفاء وديعة استثمارية: اختفاء وديعة إستثمارية في ظروف غامضة في 30 اكتوبر 2009 قام الوزير المتعافي بفتحِ وديعة استثمارية بالرقم (114079) ببنك أم درمان الوطني بموجب شيك من بنك السودان، ولا يعرف أحد حتى الآن شيئاً عنها، هل هي لا تزال وديعة أم ذهبت خديعة وفجيعة كأخواتها. من جانبنا، تتبعنا أثر هذه الوديعة المفقودة بين كومة المستندات فوجدنا إنّ آخر ظهور لها كان في 26 ديسمبر 2010 في تحويل صادر بأمر (المتعافي) بمبلغ (6) مليار و (670) مليون و(242) ألف جنيهاً، من الحساب رقم (3390) بالبنك الزراعي إلى حساب الوديعة ببنك أم درمان الوطني. سألنا مصدر بديوان المراجعة عن هذه الوديعة الغائبة، فأجابنا بأنهم فعلاً وجدوها على الأوراق، ولا يزالون في طور تقصّي أثرها ومراجعتها! تقرير المراجعة القومي: تقرير المراجعة القومي أطلعنا على تقرير المراجعة القومي الصادر في يونيو 2011 فإذا بنا نجد إن المُستندات التي بحوزتنا التي كُنّا نظُنّها جبلاً إنما هي محض فأر صغير، فالتقرير مُحتشدٌ بفساد ومخازٍ ومعايبٍ؛ مما يأنفُ عن ارتكابه اللصوص وقطاع الطرق، فدعوني أقطف لكم من تقرير المراجعة الممهور بتوقيع ليلي حسين أحمد عبد الله؛ قطفاً، ولن آتيكم بما فيه من أرقام مهولة وفساد عظيم بل سأجلب لكم أبسط الأرقام وأصغرها؛ حتى تعرفوا كيف تمكنت الخسِّة والرِخصْ من عناصر النظام البائد حتى إنِّهم كانوا يأكلون أطايب المائدة وفتاتها. يقول التقرير إنه ومن خلال الشيك رقم (405) بتاريخ 8 ديسمبر 2010 صدّق الوزير مبلغ (40) ألف جنيهاً نفقات سفر إلى مدينة كنانة، فصدّق مدير مكتبه (43) ألفا أي بزيادة 3 ألف جنيه، صُرفت لصالح الإدارة العامة لطيران الشرطة!. وفي شيك آخر بتصديق من المتعافي بلغت قيمته (180) ألف جنيه مخصصة كمنحة للعاملين بهيئة السوكي، حدث ذات الأمر حيث تم استلام (190) ألفاً؛ بزيادة (10) آلاف جنيه. الخُلاصة: ما وجدته في رحلة البحث يجعلني أُطالب بتطبيق عقوبة البصق قبل السجن والغرامة على الفاسدين والمفسدين من عناصر نظام الفساد البائد. المصدر: صحيفة الديمقراطي