لطالما اعتبر الكثيرون حول العالم، خاصة مواطني الدول التي تعيش تحت وطأة نظم حكم سلطوية، أن أوروبا هي جنة الحريات والتعبير عن الرأي، لكن السجال الدائر حاليا حول تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن "الأزمة التي يواجهها الدين الإسلامي" وما تبعها من أحداث، دفع البعض إلى إعادة النظر في هذا التصور. وأصبحت أوروبا، وفي القلب منها فرنسا، بالنسبة للبعض موطنا لحريات مجتزئة، تمنح لفئات على حساب الأخرى. وتنص المادة العاشرة من بند الحريات في الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية على ضمان حرية الفكر والاعتقاد والدين، وعلى حرية إقامة شعائر أي من الديانات أو المعقتدات. كما تنص المادة الحادية عشرة على حرية التعبير عن الرأي وحرية الإعلام في مواجهة كل الجبهات، سواء الحكومية أو الشعبية. لكن نفس هذه المواد فرضت قيودا على التجمعات وإقامة الشعائر التي من شأنها الإضرار بقواعد الأمن أو الاخلاقيات أو الصحة أو المصلحة العامة، وهو ما يراه البعض مدخلا للإجهاز على حريات الفئات التي قد ترغب الحكومات في تحجيمها. "تحرش معنوي" ومن جهة أخرى، يرى البعض أن الأزمة تكمن في فهم بعض المسلمين في أوروبا لقيم الحرية هذه، ومن بينهم غادة – وهو اسم مستعار لسودانية مقيمة في فرنسا – التي ترى أن بعض المسلمين في أوروبا لا يعون معنى قيم العلمانية والمواطنة التي تتبناها هذه الدول، "فنحن هنا نعيش في حرية اعتقاد، لا يسألني أحد عن ديني، ومن حقي أن أمارسه كما يحق لغيري ممارسة دياناتهم والتعبير عن آرائهم. والسخرية والرسوم ذاتها تستهدف كل الديانات، لكن أتباع الديانات الأخرى لا يردون بنفس سلوك الجاليات المسلمة." واختارت غادة تغيير اسمها خوفا من ملاحقة بعض المسلمين المتشددين، "فأنا مشاركة بعدد من مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمسلمين في فرنسا، وأتجنب إبداء رأيي علنا خوفا من الاتهام بمحاربة الدين والتعرض للإيذاء، وربما القتل. وللأسف يكون هؤلاء وقودا للجماعات الإسلامية المتطرفة، واليمين المتطرف الذي يستغل أفعالهم للحشد ضد المهاجرين."