منذ أن أصدر رئيس النظام البائد، قراراً جمهورياً بإنشاء سد كجبار سنة 1995 وتهجير سُكّان المنطقة، كانت الشرارة التي أوقدت نار الثورة بالمنطقة، ليس رفضاً للتعمير، ولكن رفضاً للتهجير، كان رأي أهل المنطقة واضحاً وقالوا بالحرف الواحد (من حقنا أن نبقى في مناطقنا، نُحافظ على هويتنا ونُحافظ على حضارة السودان)، ولكن في المُقابل، كانت الأذن لا تسمع والعين لا تبصر والعقل لا يعي، لتكون مَعركة الحَق والكَرامة والبَاطل، وفي نهايتها انتصر الحق لكن بعد كثير من الصبر والتّضحية، فتنزل قرار رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك برداً وسلاماً على أهل المنطقة وأُسر شهداء سدّي كجبار ودال وهو يتلو قرار إلغاء إنشاء السَّدَّين من أمام النصب التذكاري لشهداء المنطقة في رمزية عظيمة لانتصار إرادة الشهداء التي لم تضع هدراً رغم تعاقُب السنوات. أحداث مأساوية في السادس عشر من يونيو2007، شهدت منطقة كبجار، أحداثاً مأساوية بين سكان ساعين للبقاء، وحكومة تسعى إلى التهجير، حيث سقط في معركة غير متكافئة أربعة شهداء غير الجَرحى، استخدمت فيها السلطة وقتها القوة المُفرطة, وخلال تلك الحقبة لم تتحقّق العدالة، وانتظر أولياء الدم كثيراً وصبروا لتحقيق العدالة، إلى أن تحقّقت في عهد الثورة بقرار النائب العام بتشكيل لجنة تحقيق في الأحداث، التي ظلّت تعمل في صَمتٍ طوال الأشهر الماضية، وكانت خطوتها الأخيرة نبش جثامين الشهداء، رغم أن بعض أولياء الدم رفضوا الخطوة، إلا أنّ اثنين منهم تمّ نبش جثمانيهما على أمل أن تثبت ذلك الحقيقة وتقديم المتهمين للعدالة. انتصار الإرادة كانت زيارة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك إلى الولاية الشمالية أمس علامة فَارقة في قضية شهداء كجبار، وذلك بإعلانه إلغاء مشاريع سدّي دال وكجبار، وذلك خلال مُخاطبته جماهير المنطقة أمام النصب التذكاري لشهداء كجبار بمنطقة كدنتكار، في الفعالية التي نَظّمتها اللجنة العليا لمُناهضة سد كجبار بالقطاع الجنوبي بِمناسبة الذكرى الثانية لثورة ديسمبر المجيدة، وإحياءً لذكرى شهداء الثورة السودانية المجيدة. وأعرب د. حمدوك، عن سعادته بزيارة المنطقة، وتأكيده بأنّ انتصار ثورة ديسمبر المجيدة لن يتحقّق دُون تكاتُف واصطفاف جميع أبناء وبنات الشعب السوداني، وأن حكومة الثورة أتت لتستمع إلى رغبات مُواطنيها. تهميش الشمال شدّد رئيس الوزراء على أن كل المشاريع الكبرى على النيل يجب أن تُخضع لدراسات اقتصادية واجتماعية وبيئية، وأن تُشرك فيها المُجتمعات المحلية بحيث تكون شريكاً أصيلاً في القرار وفي الاستفادة من عوائد المشروع. وقال رئيس الوزراء، إن مناطق شمال السودان عانت من التهميش مثلها مثل بقية مناطق السودان، وآن الأوان لتأخذ نصيبها من التنمية، وأشار إلى أنّ ملف التحقيق في أحداث شهداء كجبار قد اكتمل وأخذ طريقه للعدالة. وأكدت والي الولاية البروفيسور آمال محمد عز الدين، حرص حكومة الولاية على التواصل مع المواطنين والاستماع إلى قضاياهم، حيث حيّت صمود أهل المنطقة وتمسُّكهم بمطالبهم المَشرُوعة. وتحدّث في بداية الاحتفال، ممثلون عن أهل المنطقة ولجان مناهضة السدود، مُطالبين الدولة بإنصاف المُواطنين والاستجابة لمَطالبهم المَشرُوعة، ومن بينها إجراءات العدالة لشهداء المنطقة. وعدد ممثل لجان مناهضة السدود ما عانته المنطقة في ظل ممارسات النظام السابق، وجزمهم لنيل العدالة لجميع شهداء سد كجبار، ومطالبتهم بعودة حقوقهم المنهوبة من المعادن المُهرّبة التي تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات، وقال إن ما لاقته منطقتا دال وكجبار فوق حدود التصور، وأضاف (لكننا استطعنا بصلابة الصمود أمام جبروت الطاغية)، وأكد مراعاتهم لكافة الظروف التي تمر بها البلاد. اكتمال التحقيق خلال مخاطبته الجماهير من أمام النصب التذكاري للشهداء، أعلن رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، اكتمال ملف التحقيق في القضية التي أرّقت وأرهقت أهل المنطقة في سبيل بحثهم عن العدالة، وقال حمدوك (إنّ ملف التحقيق في أحداث شهداء كجبار قد اكتمل وأخذ طريقه للعدالة). وكان قد أوضح وكيل أعلى النيابة رئيس لجنة التحري في شهداء سد كجبار مولانا قطبي حيدر أن التحقيق بدأ منذ (6) أشهر، وأن نبش المقبرة هو جزء من التحري ولتحديد سبب الوفاة بواسطة الطب العدلي، ونفى أن تكون القضية تأخّرت كثيراً، وقال: صحيح تأخّرت لأسباب يعلمها الجميع، وإن اللجنة شُكِّلت بعد تعيين النائب العام الأخير للتحقيق والتحري في كل الأحداث المُصاحبة لسد كجبار، واعتبر عملية النبش جُزءاً من إجراءات التحري، والمقصود الوصول إلى الحقيقة والوصول إلى الجُناة الحقيقيين وتقديمهم للمحاكمة، وأكد أنهم يعملون بسلطات النائب العام في التحقيق والتحري والاتهام والقبض والإفراج والإحالة للمُحاكمة، ورأى أن أي تحرٍّ في جريمة مثل هذه القضية التي أخذت وقتاً طويلاً من فترة وقوعها شيء طبيعي تواجههم بعض الصعوبات، وأضاف (لكن كل الذي استطيع أن أقوله نحن ماشين في الطريق الصحيح وبإذن الله سنصل للجُناة). دموع وفرح ما بين الدموع والفرح، قال والد الشهيد شيخ الدين العم أحمد عبد الله، إنه شجّع نبش مقبرة الشهيد ودعم القرار، واعتبره عملاً جيداً، وقال: (من كان يتحدّث في زمن البشير ويطالب بالقصاص؟ ولذلك نطالب بالقصاص من المتهمين)، وأضاف: في عهد النظام السابق طلبوا مني أن أقبل الدية، واتصلوا بي من دنقلا، حيث آتي إليهم مندوبٌ كي أقبل الدية من (35) إلى (50) ألفاً، قلت لهم (أنا لا أريد لا خمسين ولا حاجة)، وتابع: الذي أعطى الأوامر بقتل الشهداء سوف نُحاكمهم حتى ولو يوم القيامة، وذكر أنه عندما وصل الحديث إلى رئيس الجمهورية في زمن النظام السابق عمر البشير (قلت ليهم أنا عسكري وما في عسكري يطلق رصاص إلا بأوامر وسوف نطالب بمُحاكمتهم). وعندما وصل الكلام إلى الخرطوم قالوا (العسكري ده خطر)، وكنت خائفاً أن تتم تصفيتي، وكنت أتحدث ولا أخاف، وجاء ضابط إلى منطقة (الفارين) للتحقيق معي، قلت لهم (إذا كان مقتل القرشي نهاية حكم عبود إن شاء الله حيكون نهاية حكم البشير)، وأضاف (لذلك أطالب بالقصاص الآن). بصمات الثورة وقال عضو لجنة التحقيق عماد محمد، إنّهم منذ 2007 كانوا في انتظار خطوات تحقيق العدالة، ولكن لظروف عدم وجود العدالة لم تتحقّق، غير أنّه قال: بفضل ثورة ديسمبر تحقّقت العدالة، ومن خلال عملنا السلمي المنظم تجاه مناهضة السدود لا سيما اللجنة العليا لمُناهضة سد كجبار، استطعنا وضع بصمات واضحة تجاه الثورة السودانية حتى إسقاط النظام المخلوع، وأضاف (هدفنا الاستراتيجي القصاص للشهداء وحتى نصل للعدالة ومعاييرها المعروفة وحتى تصبح تلك العدالة مدخلاً لتحقيقها فكان نبش جثامين الشهداء هو طريقها، وهي واحدة من الأشياء التي نعتبرها مُهمّة لتحقيق العدالة)، وتابع: (اليوم تاريخيٌّ بالنسبة لنا، لأنّ الشهداء الذين رووا الأرض الطاهرة بدمائهم، وعزّزوا مسؤولية البقاء، ومهروا بدمائهم الطاهرة الأرض التاريخية الآن تتحقق العدالة).