اختفت او كادت تختفى وجوه الاسلامييون التقليدية من الحكومة، بكامل رضاهم وبتسيق مسبق معهم ، وكم هائل من الاشاعات عمل على ترسيخها الاسلاميين انفسهم ،تلخصت فى ان الاسلاميين لم يعودوا هم الحكام وان المؤتمر لم يعد فرعا للحركة الاسلامية ، كما ان المؤتمر الشعبى اصبح حزبا راعيا للحريات ومناضلا شرسا من اجلها ، حتى جاء تشكيل هذه الحكومة وفيه تم ملئ الفراغات التى تركتها الحركة الاسلامية بافراد من الطائفتين الكبيرتين ، بما فيهم بعض افراد البيتين الكبيرين وبضعة تكنوقراط ..اضافة لشخوص من المتصالحين و احزاب التوالي. .. لعل هذه الحكومة هى اكثر حكومات الانقاذ تعرضا للسخرية والنقد،لضخامة عدد وزارئها ووزرا الدولة، ولأنها ايضا لم تحمل شيئاً واحداً مما تم التبشير به قبل تكوينها. على مستوى الشكل يمكن القول ان الحكومة الضخمة اتت لمكافأة واستيعاب الذين خاضوا الحوار مع النظام .وستزيد كثيرا من اعباء الميزانية المتعسرة اصلا. وهى ايضا اول حكومة فى تاريخ السودان يتواجد فها هذا العدد من آل المهدى والميرغنى ، فحتى فى الفترات الديمقراطية التى حكم فيها حزبى الامة والاتحادى مؤتلفين لم يتم اختيار هذا العدد الكبير منهم، وهو مؤشر بقدر ما يعكس تطلعات الاجيال الجديدة فى البيتين الطائفئيين، إلا انه يعكس ايضا انهم لم يعودوا يحرصون على مواراة انتهازيتهم أو ممارستها خلف ستار. إلا أن اهم ما اراده الاسلامييون وراسمى مخطط الهبوط الناعم – الاسم الذى خُدِع بتسميته الموحية الكثيرون- بتشكيل هذه الحكومة وما يليها من خطوات وسياسات على المدى القريب هو مسح بصمات الاسلاميين من كل التجربة ،والتسليم التدريجى لجهاز الدولة التنفيذى العاجز ،لأيدى اخرى جشعة الاطماع ،متعددة ومتضاربة المصالح والرؤى ،لتقوم صحبة بعض العسكر المنتقين بعناية ، بادراة دولة مفككة الاوصال ومنزوعة مصادر القوى والارادة الوطنية ومنهارة اقتصاديا ، فى حين يمتلك الاسلاميون فيها مراكز القوى ممثلة فى القوات النظامية (الجيش والشرطة، والأمن) اضافة لشبكات المصالح المتحالفة معهم ومراكز النفوذ المتعددة التى انشؤوها (البنوك – السوق- الصناعات وشركات الطاقة والوقود) اضافة للدولة االعميقة التى امتلك التنظيم كل مفاصلها ،فانه لم يتخلى ابدا عن اجهزته السرية الخاصة به والتى تمتلك مليشياتها واجهزتها الامنية وبنوكها واقتصادها الخاص السرى الذى يعمل ويسيطر على معظم الاقتصاد المباح فى الدولة ،اضافة الى عمله فى مجالات غسيل الاموال وتجارة السلاح والمخدرات والبشر. مسح البصمات هو فقط مجرد خطوة اولى فى سبيل مخطط طويل عريض لايمكن قراءته بمعزل عن كل ما جرى ويجرى منذ قدوم الانقلاب المشئوم على كافة الاصعدة المحلية والاقليمية والعالمية.