جددت مناورات عسكرية مصرية سودانية التساؤل حول خيارات القاهرة تجاه سد النهضة الإثيوبي، خاصة مع فشل المفاوضات وتصاعد حدة التصريحات بين أطراف الأزمة وإصرار أديس أبابا على الملء الثاني لبحيرة السد دون انتظار نتائج المفاوضات أو الاتفاق بين الدول الثلاث. السبت الماضي، أعلن المتحدث العسكري المصري وصول عناصر من القوات المسلحة المصرية إلى السودان للمشاركة في التدريب المشترك "حماة النيل" والذي تشارك فيه عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين. وأوضح المتحدث باسم الجيش المصري أن الهدف من التدريبات المشتركة هو تأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين، والتي تأتي استمرارا لسلسلة التدريبات السابقة (نسور النيل -1، نسور النيل -2). وتباينت تقديرات المراقبين إزاء التحركات العسكرية، إذ اعتبرها البعض بداية للحسم العسكري، بينما عدّها آخرون مجرد تكتيك للردع ولن يصل حد توجيه ضربة مباشرة، وتمنى متابعون أن تسفر عن ردع إثيوبيا حتى لا تضطر مصر لضرب السد بالفعل. وبمجرد الإعلان عن إرسال القوات المصرية للسودان، سادت حالة من الفرح بين مغردين اعتبروا أن المؤسسة العسكرية تصحح عمليا خطأ الرسائل السياسية المرتبكة خلال الفترة الماضية. وتعليقا على إرسال القوات، أذاع أستاذ العلوم السياسية والإعلامي المقرب من السلطة معتز عبدالفتاح بثا مباشرا على فيسبوك، قال فيه إن طبول الحرب بدأت تدق، مطالبا المصريين بالالتفاف حول العَلم والجيش والمؤسسات الوطنية، لكنه عاد وخفف من حدة لهجته عبر برنامجه التلفزيوني، قائلا إن القوات لم تذهب دون هدف، وإنما اتخذت مواقعها تحسبا لأي طارئ. يأتي ذلك بعد أيام من الجدل أثارتها تصريحات متناقضة من قبل وزراء مصريين حول سد النهضة، حيث تحدث وزير الخارجية سامح شكري بشأن انعدام خطورة الملء الثاني للسد، وهي تصريحات بدت متناقضة مع الخطاب الذي تتحدث به السلطة المصرية على مدى الشهرين الماضيين، والذي يركز على التحذير من أضرار المانع المائي على الحقوق التاريخية للقاهرة في نهر النيل. وبعد ساعات من تصريحات شكري، أعاد وزير الري المصري التأكيد على أن ملء سد النهضة يعتبر صدمة، لأنه سينتقص من كمية المياه التي تأتي إلى مصر، خاصة إذا تزامن ذلك مع حدوث جفاف، موضحا أن إثيوبيا تعتزم تخزين ما يقرب من 13.5 مليار متر مكعب من المياه خلال الملء الثاني. شكري نفسه اضطر للعودة عن تصريحات الثلاثاء بالتأكيد عبر تصريحات أخرى مساء الجمعة، على أن الملء الثاني للسد الإثيوبي دون التوصل إلى اتفاق سيكون مخالفا لاتفاق المبادئ المبرم بين الدول الثلاث عام 2015، وأن مصر دائما أعلنت أنها لن تتهاون في الدفاع عن مصالحها وحصتها المائية. وطالب مغردون بضرب السد، لأنه ليس أمام مصر، اليوم وليس غدا، إلا الدفاع الشرعي عن النفس بتدمير السد الإثيوبي وإلغاء الملء الثاني إلى غير رجعة، وقال المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي "لا حل وسط، إما تدمير السد أو تدمير مصر، ولنتعلم من أبطال فلسطين الفارق بين شرف المقاومة ومهانة الاستسلام". وأكد أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة أن المصريين لم ينسوا أزمة السد الإثيوبي رغم انشغالهم الطبيعي في الأيام الأخيرة بالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، معربا عن اعتقاده بأن الأغلبية الساحقة من الشعب المصري ما تزال تعتقد أن نجاح إثيوبيا في إتمام الملء الثاني دون اتفاق، سيمكنها من التحكم في مياه النيل وبالتالي في حياة المصريين إلى الأبد. تخويف للردع في هذا السياق، أكد الباحث والمحلل العسكري يزيد صايغ أن التحركات العسكرية المصرية بإرسال قوات لإجراء تدريبات مع الجيش السوداني لا يعدو أن يكون مناورة، تتضمّن تلويحا بعمل عسكري تجاه إثيوبيا، واستدرك بالقول "لكن ذلك لا يعني بالضرورة تلويحا بعمل عسكري هجومي". وتابع صايغ، الباحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، ومؤلف كتاب جمهورية الضباط في مصر، بأن التحركات العسكرية يمكن تفسيرها كذلك بأنها إشارة إلى استعداد مصري لمساعدة السودان دفاعيا عند الحاجة، نظرا إلى التوترات الحالية بين السودان وإثيوبيا. وفي حديثه للجزيرة نت، قال صايغ "عدا عن ذلك، لا أعتقد أن لدى مصر خيارات عسكرية مفيدة ضد إثيوبيا فيما يخص سد النهضة". بدوره، فسر المحلل السياسي والأمني أحمد مولانا التحركات العسكرية المصرية الأخيرة، بأن النظام يدرك حجم الكارثة التي ستترتب على السد لذا "يحاول إخافة إثيوبيا ودفعها للتفاوض عبر خطوات مثل تنظيم مناورات مشتركة مع السودان أو عقد اتفاقات عسكرية مع أوغندا". وفي حديثه للجزيرة نت، رأى مولانا أن تصريحات المسؤولين المصريين المطمئنة تجاه المخاوف من السد، "تعكس التخوف المصري من رد فعل المجتمع الدولي على شن أي هجوم على السد". وتابع "لو لم ترتدع إثيوبيا، فإن الأمر حينئذ متروك لتقدير الموقف، فإما أن يخشى النظام فيتو الدول الكبرى أو سيقدم مصلحة مصر على أي مصالح أخرى". في الإطار ذاته، حذر السفير المصري السابق محمد مرسي من مخاطر "تسلل تيار التحذير والتخويف من المخاطر الجسيمة للعمل العسكري ضد إثيوبيا وضرب سد النهضة". وعبر منشور بالفيسبوك، قال مرسي إن الخيار غير السلمي أو العنيف أو العسكري كضرب وتخريب السد، هو خيار مر لكنه ضروري، موجها أسئلة لرافضي الحل العسكري عن طبيعة سيناريوهات البدائل المطروحة حال تعنت إثيوبيا؟ وأكد مرسي أنه من غير المقبول الرضوخ لإرادة إثيوبيا في فرض سيطرتها على النيل الأزرق باعتباره نهرا وثروة إثيوبية، معتبرا أن الخيار العسكري لا بد وأن يكون قائما ومطروحا، لأن إثيوبيا "لن توقع قصاصة ورق واحدة تفرض قيدا حقيقيا من أي نوع وبأية درجة أو طريقة على ما تدعيه حقها في استخدام ثرواتها على النحو الذي تراه"، بحسب وصفه. وشدد على أنه بقدر ضخامة المخاطر بقدر ما تكون صعوبة وتعقيد القرار، الذي سيكون وبحق قرارا تاريخيا سيتحمل الجيل الحالي وحده كل تبِعاته سلبا وإيجابا. المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي