ما زالت تداعيات بيانات تيارات قوى إعلان الحرية والتغيير تلقي بآثارها على الشارع السياسي السوداني، وانقسمت الآراء، وتباينت المواقف، فثمة من يقفون مع المنهج الذي من شأنه أن يؤدي إلى وحدة قوى الثورة، وضرورة كشف خفايا الانتقال السياسي عبر المواجهة والشفافية، وآخرون يدمغون الوضع الحالي بحالة الانقسامات الحزبية منذ الاستقلال، ويشيرون بأصابع الاتهام نحو الأحزاب، بأنها تؤخر عجلة التغيير بمحاصصاتها ونهمها لكيكة السلطة، دون مراعاة للحالة الحرجة التي يمر بها السودان، بعد قبضة شمولية استمرت لثلاثة عقود متواصلة. وفي خضم حرب البيانات التي تناثرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛ أصبح كل تيار يتهم الآخر باتهامات وصلت حد التلويح بكروت الخيانة الوطنية، والأمر الأكثر إثارة هو المواقف المتأرجحة التي تبنتها القوى السياسية، ففي بيانات ما عرفت باسم (اللجنة الفنية لمبادرة حزب الأمة)، ظهرت أسماء كيانات وأشخاص يمثلون كل الطيف السياسي السوداني، وقعوا في بداية الأمر على خطوات مبادرة حزب الأمة، ثم انسحب بعضهم لاحقاً بعد مرور (24) ساعة فقط من التوقيع، الأمر الذي أربك خطاب المبادرة في بيانها الثاني، ومن الجهة الأخرى حاول بيان المجلس المركزي الضغط على كوادر حزب الأمة القومي من وزراء وولاة في حكومة حمدوك. وصف مراقبون سياسيون ما يجري بأنه وضع كارثي، واتهموا أيادي خارجية ربما تكون ضالعة في تحريك خيوط اللعبة، معتبرين أن ما وصفوه بالارتزاق والتكتلات ذات الطابع الخارجي باتت سمة بارزة تحكم الممارسة السياسية منذ بداية الفترة الانتقالية، وأن بعض الأحزاب السياسية ليست بعيدة عن لعبة المحاور، باعتبار أن مارثون السباق نحو الإمارات بعد سقوط البشير كان مضماراً للتنافس بين أحزاب كبيرة داخل تحالف الحرية والتغيير. وفي تصريحات صحفية تلقاها عدد من المنصات الإعلامية، قال الأمين العام لحزب الأمة القومي، الواثق البرير "إن من يؤخرون تكوين المجلس التشريعي هم من يستأثرون وينفردون بالقرار داخل الحكومة، وإن من لهم علاقات مع دول المحاور هم من ينظرون إلى الواقع السياسي بعين القهر وتوجيه القرار"، وهذه التصريحات أكدت ما ذهب إليه المراقبون السياسيون. ويرى محللون سياسيون آخرون أن لعبة البيانات الأخيرة ليست مخيفة، وإنما طريق جيد لعودة الجميع إلى منصة التأسيس، فالانقسامات وتبادل الاتهامات ربما قادت في نهاية المطاف نحو توحيد قوى الثورة، واستكمال مهام الانتقال نحو الديمقراطية. يرى مسؤول الإعلام بتجمع الأجسام المطلبية (تام) خالد طه -من وجهة نظره- أن عنوان ما يجري ليس حرب البيانات، بقدر ما هو تقدير موقف متحرك باتجاه المزيد من الشفافية، ويقول: "معلوم أن أحد أهداف البيانات توضيح رؤية وموقف الجهة المعينة، وهي في مصلحة تمليك الحقائق للجماهير، لذا أعتقد أنها ظاهرة حميدة لأنها تعين على كشف الوقائع الحقيقية في إطار الممارسة الديمقراطية المفتوحة، إن كانت متاحة لكل الأطراف، ومن ذات المنابر والمنصات الإعلامية". وحول ما يترتب على ذلك من أثر على المرحلة الانتقالية؛ يضيف طه أن الأثر على الفترة الانتقالية سيكون إيجابياً، ويعزز درجة الشفافية، ويمنع محاولات إخفاء الحقائق، باعتبار أن الهواء يكون أكثر نقاء في المساحات المفتوحة. وأوضح طه في حديثه ل (مداميك)، أن ما صدر حتى الآن من "اللجنة الفنية لمكونات قوى الحرية والتغيير" و"المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير"؛ يأتي في اتجاه تبصير المواطن والمتلقي بتفاصيل تهم مسيرة الانتقال الديمقراطي، وتخص مسألة استكمال الثورة وتعزيز السلطة المدنية، وترقية وتصحيح الأداء والسلوك السياسي، وعليه يصبح "الصراع" في موضوعات أساسية تخص وتهم قوى الثورة كلها، ولا يستقيم أن تعتبر أنها محض حرب بيانات، مشيراً إلى أهمية أن تستمر البيانات حتى توضح كل الحقائق. أكد القيادي بحزب البعث الاشتراكي، معتصم الأمين، في تصريحات صحفية "أن الخلاف الدائر بين مكونات قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة يعد سلوك ابتزاز سياسي، خاصة أن حزب الأمة يطمح لتوظيف مجموعات تضغط على المجلس المركزي للحرية والتغيير لتحقيق مكاسب سياسية". وأوضح الأمين أنه أسلوب ابتزاز سياسي أيضاً، خاصة أنه يطالب بأن يحصل على نسبة (65%) في المجلس التشريعي، مبيناً أن هذا لا يخدم مصالح الثورة ووحدتها، بل يخلق حالة تشظي الخلافات. ونوه الأمين في معرض حديث له لإحدى الصحف إلى أنه قد يكون أداء الحرية ببطء بيد أنهم يطمحون لتطوير ورفع قدراتها، إلى جانب تحقيق الوحدة الوطنية التي تعد خياراً مطلبياً. مداميك