لا يوجد سياسي نزيه! وإن وُجد فهو قابل لتغيير مساره عند أول مفترق سياسي، ذلك لأن السياسة بطبيعتها لا ثبات فيها، كل شيء فيها يهتز، وباهتزازها تدور الرؤوس ويذهب الوقار، وتصبح المبادئ شعار. كل سياسي يحمل في داخله انحياز، يعتقد جازماً أنه انحيازٌ للحق، وبما أن الحق واحد، وأن كل سياسي يدعي أنه على الحق، فالنتيجة المنطقية أن كل سياسي كاذب ولو بِقَدَر، بالتالي الفرق بين السياسي الناجح والسياسي الفاشل هو القدرة على نسج حبال الكذب لتبدو للناس حقيقة (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ)! فكن فطناً وابحث عن السياسي الاقل سوء، أو السياسي العبقري الذي تقترب طموحاته الشخصية من مصلحة الوطن! المواطن الصالح لا يُجيد التصفيق للسياسي، ولكنه يُبدع في الرقابة على أدائه. الاتحادي، الأمة، الكيزان، الشيوعيين، البعثيين، السلفيين بكل واجهاتهم، الحركات المسلحة بمختلف مسمياتها، وكثير من الشخصيات المستقلة التي ظلت تعيش في فنادق القاهرة وباريس ولندن ودبي الخ.. كلهم يوما ما حملوا السلاح، أو حرضوا على حمل السلاح، أو حرضوا على فرض عقوبات اقتصادية على الشعب السوداني من أجل الوصول إلى الحكم! لا أدعو إلى مدينة فاضلة خالية من السياسيين، ولكن أدعو إلى وطن يعرف فيه المواطن كافة أشكال الكذب والكذابين! وطن يقول فيه المواطن (لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني) والخِبُّ هو المُخادع الغادر. الوعي ثم الوعي ثم الوعي!