القرار الذي اتخذه مجلس الامن الدولي مساء الخميس الماضي باعادة ملف (سد النهضة) الي الاتحاد الافريقي كان بمثابة الضربة الموجعة للأوهام الفرعونية وأولى الخيبات التي حصدتها الدبلوماسية المصرية والسودانية معا وهما تحاولان تدويل القضية، وقد اعتبر الكثيرين من المتابعين ايضا ان ذلك اول انتصار تاريخي لدولة اثيوبيا بخصوص سدها النهضوي. خروج الدولتين (مصر والسودان) من جلسات المجلس خاويتي الوفاض له دلالات واضحة نأمل ان يحسن السودان وحليفته مصر قراءة الواقع قراءة صحيحة، فمن غير المعقول ان تعتقد مصر بان اعضاء مجلس الأمن الدولي يجهلون طبيعة الخلاف الدائر حول سد النهضة الاثيوبي وانها تستطيع ان خداعهم باثارة قشور القضية وليس جوهرها حسب وجهة نظرها الآحادية. في الواقع الجميع على علم بما أدلى به خبراء السدود حول العالم عن سد النهضة بما في ذلك خبراء مصريين وسودانيين بان تصميم سد النهضة لا يصلح لشيء اخر غير توليد الكهرباء مما يعني ان مخاوف الدولتين (مصر والسودان) لا تستند الي شيء موضوعي. الكل سمع بالحق الأزلي الذي تدعيه مصر في مياه نهرالنيل وتتمسك به وهو زعم لا يتماشى مع ابسط ابجديات المنطق السليم، اذ يعطي دولة المنبع (حصة صفرية) من النيل الذي يتكون داخل اراضيها، بينما تريد هي الحيازة على نصيب الأسد، وهذا منطق مصري صِرف لايمكن أن يُنتج إلا في مصر وبالتالي لايصلح للبيع أو الشراء إلا فيها. الكل يعرف ادق التفاصل عن الصراع الدائر في اقليم التغراي بقدر معرفتهم لبواطن الخلاف القائم حول منطقة الفشقة.. كلهم يعرفون ان الذي يدعم التغراي بالعتاد والمال هو ذاته من فتح جبهة الفشقة لذات الغرض. الكل مدرك بان السودان اخذته هاشمية العروبة المزعومة جعلته يتبني قضية لا تخصه بالدرجة الاولى.. وكان بامكانه التفاوض مع جارته حول مخاوفه عن السد منفردا وبعيدا عن الموقف المصري ومزاعمها المجافية للمنطق. الحقيقة التي يجب على دولتي المصب والممر (مصر والسودان) الوقوف عندها بتمعن هي ان اثيوبيا بعد حرب التغراي وقضية الفشقة .. تغيرت نظرتها عن مصر والسودان وبالتالي انحرف موقفها التفاوضي "180" درجة واصبحت تطالب باقرار حصتها صراحة في مياه النيل في اي اتفاق ملزم بينها مع السودان ومصر حتى وان كانت لا حاجة لها بهذه الحصة في الوقت الراهن، وهو مطلب يطيش صواب مصر التي تسارع بالقول بانها لا ولن تسمح لاي كائن كان باخذ ولو (قطرة ماء) من حقها المكتسب في مياه النيل وقدره 60 مليار متر مكعب سنوياً بالتقريب، والسؤال هو: اذا كان التفاوض قائم على اعطاء اثيوبيا (حصة صفرية) في مياه النيل فما الجدوى منه؟ من هذا المنطلق يسهل فهم الاسباب التي ادت الي فشل جهود الاتحاد الافريقي المبذولة في هذه القضية.. وفي الحقيقة لا توجد جهة يمكنها حل معضلة بهذا الشكل .. ومصر دائما تعتمد نهج (خلط الكيمان) عندما يحين الحديث عن حق اثيوبيا في مياه النيل وهو نهج لم يؤتي اكله حتى هذه اللحظة .. فكيف سيقتنع العالم مثلا بالزعم المصري القائل بان إثيوبيا تمتلك أكثر من 100 مليون رأس من الماشية تستهلك 84 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، وهو ما يتعدى حصة مصر والسودان مجتمعين حسب ما اورده صحيفة اليوم السابع على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري. لا ادري من هو ذلك الوسيط الافريقي الذي ستهضم مخيلته فكرة ادراج (الامطار) التي تهطل في جميع انهاء اثيوبيا ضمن مفاوضات تقاسم مياه النيل بين مصر والسودان واثيوبا؟ يتبع..