عماد ابوشامة * قرية كرمكول أو (ود حامد) كما أسماها أديبنا العالمي الطيب صالح في كل رواياته التي غزت العالم.. يكون العيد فيها له طعم خاص لأن تلك القرية الوادعة القابعة عند منحنى النيل عندما يغيِّر مجراه فجأة من الشمال ليتجه إلى الجنوب الغربي في زواية حادة حتى يظن الناس أنه قرر أن يعود إلى الجنوب ليتجه فجأة أيضاً إلى الشمال مباشرة.. عند تلك الانحناءة العجيبة تجلس كرمكول متوجّةَ في عليائها. * في العيد تكون كرمكول قبلة كل من قذفت بهم إلى أركان الدنيا فهم لا يحسون بطعم العيد إلا في أجوائها مثل مصطفى سعيد وغيره من أبطال روايات الطيب.. تكون تلك القرية هي المستقر الأخير الآمن. * من أزمان عديدة ودعت تلك البقعة الزين ومحجوب وود الريس وأحمد إسماعيل كان آخر المودعين.. سيف الدين الذي كان هدفاً لأجهزة الإعلام والفضائيات وكان هو قد سئم من كثرة تلك الزيارات وكثرة الإعلاميين بكاميراتهم.. ليسألوه عن ضربه للزين أو ضرب الزين له.. سيف الدين هو الوحيد من أبطال روايات الطيب صالح وتحديداً (عرس الزين) لم تكن تسره سيرته.. فقد كانت كلها مصائب ومصائب حقيقية تاب عنها ولكنها بقيت محفورة في تلك الروايات ولحكمة غريبة أوردها الطيب صالح بدقة ولم يشأ أن يغيِّر اسم بطلها بل أتى باسمه الحقيقي كاملاً ولم يغضب ذلك سيف الدين فقد كان تاريخاً ليس إلا. * أقول إن كرمكول وصعيد (ود بوبة) حيث يتجمع أهل البلدة لصلاة العيد والمعايدة دائماً ما يكون مثل صعيد عرفات ازدحاماً.. فقد قذف العيد بالجميع إلى هذا المكان وهم جميعاً مثل ما وصفهم الطيب شديدون في الأفراح.. غاضبون وليسوا حزينين في الأحزان.. لا يغضبون للقدر وإنما من الظرف والحال.. * هذه البقعة التي لم يزرها الطيب صالح منذ منتصف السبيعينيات تتدفق نماذج حيايتية روائية ومع كل جيل تجد الزين ومحجوب والعمدة وأحمد إسماعيل والحنين ولكن الطيب هرب منها.. هرب لأنه رأى أنه لا يستطيع أن يفعل فيها أكثر مما فعل.. فالطيب رجل مبدع ولكنه قنوع بالقليل من الإبداع. * عدنا بعد أن قضينا عيد الأضحى هناك ووجدنا أهل القرية يجتمعون بكثافة ليقرروا في أمر المهرجانات التي تسعى جهات ثقافية محلية وخارجية لإقامتها في كرمكول على أساس أنها موطن كاتب عظيم وبيئتها مطلوب استكشافها من المهتمين.. حيث إن هناك مهرجاناً في أكتوبر برعاية مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي وأسرة الطيب صالح ومهرجان آخر في ديسمبر برعاية دولية يهدف للتعريف بالمنطقة وبالتالي تحويلها لقرية سياحية.. أهل كرمكول رحبوا بهذه المهرجانات ولكنهم حريصون على أن تظل كرمكول بموروثها الثقافي الذي عكسه الطيب صالح وأكد فيه أن هذه البقعة منبعٌ للإبداع والحكمة والكرم * وكل سنة وأنتم طيبون.. المواكب