كأنِّي – وفي مثل هذه الساعة، من مثل هذا اليوم، من العام 2018م – أنظُرُ إلى الصغيرات جواهر وريم وتوَسُّل وفطومة وقد آوَيْنَ إلى فُرُشِهِنَّّ في ذلك البيت الريفي البسيط يلُفُّهُن الهدوء والسعادة، ورُحْنَ في سُباتٍ قريرات العين بصبحٍ سيأتي، يذهبنَ فيه إلى مدرستهن في الضفة الأُخْرَى. بينما جلست رهام تستذكر دروسها على ضوء مصباحٍ مشتعلٍ بالزيت. وهناك في ناحِيةٍ من البيت الفسيح سريران، رقدَ في واحد منهما عمر سليمان بعد أن ضبطَ موجة الراديو على هنا لندن، بينما جلست على السرير الآخر حليمة البصير تثرثر تحكي لزوجها تفاصيل نهارات البلد. — [ والبَحْرُ لو ]- فَاضَ الأنِينُ بقلْبِهِ أتُراهُ يبكي للشواطِئِ مِثْلَنا = أشْعُرُ بفزَعٍ مجنون . بجُنُونٍ مُفْجِع كأنّ كارثة وشيكة ستُحِلُّ بنا جميعاً ., عندما أنظر إلى الصورة التي تظهر فيها حليمة البصير مكلومةً تذرفُ الدمع على ضفاف النيل أثناء انتشال جثامين صغيراتها .ويظهر والد الطفلات جالساً مُطْرِقاً برأسِه إلى الأرض ، وقد كسا الأسى والشيب ملامحه. أهبُّ مذعوراً من النوم ، عندما تتراءى لي تلك الشجرة اليابسة التي تتوسط البحيرة التي غرق فيها هؤلاء التلاميذ والتلميذات والتي تشبَّثت بها أياديهم الْغَضّة وهم يحاولون النجاة قبل أنْ تنهار قواهم ليسقطوا في قاع البحر .هذه تجربة عِشْتُها بنفسي .كُنتُ طفلاً .في 21 سبتمبر 1985م. غرقنا أنا وتوأمُ روحي ; عبد الحميد .سَوِيَّاً .ومُتْنا سَوِيَّاً . . نقطة وسطر جديد .. ثُمَّ لا أعلم كيف عُدْتُ إلى الحياة مَرَّة أُخْرَى . كيف تَشَبَّثْتُ بفروع تلك الشجرة ., حتى انتشلني منها عمر أبو بكر .لقد فَهِمْتُ المَوْتَ جَيِّداً لكن لا استطيع شَرْحَه ., ولم أفهم لماذا لم يتعلَّق عبد الحميد بفروع الشجرة أيضاً , واختار بدلاً من ذلك الانتقال إلى عوالم أكثر رحابة .. كم هُوَ سعيدٌ عبد الحميد , ولكم كم تعيسٌ أنا. . طالبة الثانوي , الشقيقة الكُبرى للفقيدات الأربع , كانت قد نَجَت ., وعندما سَمِعَت مناداتَهُنَّ لها بأصواتِهِنَّ المخنوقة عادت لانقاذِهن ، فلحقت بهن . لتفقد حليمة البصير جميع أطفالها .. قالت حليمة : { سنَظَلُّ نتدَثَّر بالصبر . ما نشْعُر به لا يعلمُه إلا الله .. أُحاوِل أنْ أكون راضِية ومُتَيَقِّنة أنَّ اللهَ لهُ في كُلِّ قَدَر سِرٌّ لا نعلَمُه .. إنَّ والد بناتي مكلومٌ بالفقد ., مكلوم .. إلا أنَّهُ يرجو من اللهِ تعالى أنْ يُعَظِّم لهُ الأجر . } — ,, أنا هُنا لأقول ;- – لو أنَّ بَغْلةً بالعراقِ عَثَرَت لكُنْتَ مسؤولاً عنها لِمَ لَمْ تُسَوِّ لها الطريق .. أيُّها الدَجَّال الأعْرَج – — — "شُكْرِي" [email protected]