1 منذ تأسيسه دخل الحزب الشيوعي السوداني في تحالفات تكتيكية واسعة وتحالفات استراتيجية ثابتة: التحالفات التكتيكية لتحقيق أهداف مشتركة، والتي تنفض بعد تحقيق أهدافها، وقد ينشأ تحالف آخر يعبر عن أهداف جديدة مثل: الجبهة الوطنية ضد الاستعمار عام 1947، جبهة الكفاح ضد الجمعية التشريعية عام 1948م، الجبهة المتحدة من اجل استقلال السودان عام 1952م، وجبهة أحزاب المعارضة ضد ديكتاتورية نظام عبود، وجبهة الهيئات التي قادت الإضراب السياسي في أكتوبر 1964م، وجبهة الدفاع عن الديمقراطية عام 1965م (بعد مؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان)، والتجمع الوطني لإنقاذ الوطن الذي قاد انتفاضة مارس- أبريل 1985م، والتجمع الوطني الديمقراطي ضد نظام الانقاذ، وتحالف قوي الاجماع الوطني، وتحالف قوي الحرية والتغيير ، قبل أن ينسحب الحزب الشيوعي من "قوى الاجماع الوطني" و"الحرية والتغيير" في نوفمبر 2020 ، علمًا بأن الانسحاب لم يكن الأول في تاريخه، فقد انسحب الحزب الشيوعي من جبهة أحزاب المعارضة في الحكم العسكري الأول بحيثيات ، كما سنوضح في هذا المقال، علمًا بأن الانسحاب لا يعني الانعزال عن الجماهير، فالانعزال في جوهره يعني الابتعاد عن الموقف الصحيح المرتبط بآمال وتطلعات الجماهير في الحرية والعدالة والسلام.. التحالفات أعلاه كانت ضد أنظمة استعمارية وديكتاتورية كانت تطالب بالاستقلال واستعادة الديمقراطية التي صادرتها الأنظمة الديكتاتورية العسكرية والمدنية وحل مشكلة الجنوب. هذا إضافة للتحالفات الأفقية الواسعة من أجل تحقيق أهداف فئوية محددة مثل: تحالف مزارعي الجزيرة ضد خصخصة المشروع، وتحالف النقابيين من أجل ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وتحالف المعسكرات السياسية الطلابية من أجل استعادة ديمقراطية الاتحادات والحريات السياسية والفكرية والأكاديمية في الجامعات، وتحسين أوضاع الطلاب في السكن والمعيشية وتوفير مقومات التعليم، والتحالف من أجل الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان وحرية النشر والتعبير، والدفاع عن السيادة الوطنية والسلم العالمي، والتحالف الديمقراطي للمحامين من أجل الحقوق الديمقراطية وسيادة حكم القانون، وتحالف ابناء كجبار والشمالية ضد السدود التي تدمر تراثها الثقافي، ومنبر ابناء دارفور والمعسكرات من أجل الحل الشامل والعادل للقضية، وتحالف المفصولين سياسيًا وتعسفيًا من أجل ارجاعهم للعمل وتسوية حقوقهم، والتجمع النسوي من أجل حقوق المرأة، وتحالف الأجسام المطلبية… الخ. أما التحالفات الاستراتيجية فترتبط بإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية وسط طبقات وفئات محددة، وهي تحالفات ثابتة في مجالات السكن والعمل والدراسة، وواسعة ومرنة ومتنوعة في أشكال عملها السياسي والاجتماعي والثقافي، لا تأخذ الشكل الهرمي العمودي كالحزب السياسي، وتمتد علي طول المرحلة الوطنية الديمقراطية، وتعبر عن تفاصيل أهداف الفئات والطبقات المحددة المنضوية تحت لواء الجبهة الوطنية الديمقراطية، وتحقيق أهداف وتطلعات الشباب والمرأة مثل: الجبهة الديمقراطية وسط الطلاب التي تعبر عن تحالف الشيوعيين والديمقراطيين وسط الطلاب، الجبهة النقابية وسط العمال التي تعبر عن تحالف العمال الشيوعيين والديمقراطيين، والتنظيم الديمقراطي وسط المزارعين الذي يعبر عن التحالف الشيوعي الديمقراطي وسط المزارعين، ورابطة الأطباء الاشتراكيين، ورابطة المعلمين الاشتراكيين، واتحاد الشباب السوداني، والاتحاد النسائي السوداني، وتحالف ابناء المناطق المهمشة أو الأقل تخلفا من أجل تطوير مناطقهم والتنمية المتوازنة… الخ. وخلاصة القول أنها تحالفات ثابتة بين الديمقراطيين والشيوعيين وسط فئات وطبقات محددة تنتقل من العام إلى الخاص في البرنامج الوطني الديمقراطي. 2 جبهة المعارضة للحكم العسكري الأول بعد الانقلاب العسكري في 17 نوفمبر 1958 الذي صادر الحريات وحل البرلمان والأحزاب والنقابات والاتحادات، وصادر الحقوق والحريات الديمقراطية، وقبول المعونة الأمريكية التي تفرط في سيادة البلاد، والتفريط في جزء عزيز من الوطن بإغراق مدينة حلفا وآثارها التاريخية… الخ، تكونت جبهة المعارضة بعد مذكرة أحزاب المعارضة في 29 نوفمبر 1960 التي طالبت بإنهاء الحكم العسكري، وإلغاء حالة الطوارئ، وعودة الديمقراطية والحياة النيابية… الخ، والمذكرة الثانية التي كانت في مطلع عام 1961 للمجلس الأعلى للقوات المسلحة التي احتجت فيها على تجاهل ومسلك الحكومة تجاه المذكرة الأولى، واشترك الحزب في جبهة أحزاب المعارضة حتى نهاية عام 1962، ثم انسحب منها. كان ذلك بعد تصاعد الحركة الجماهيرية ضد الديكتاتورية بعد إضراب عمال السكة الحديد الذي بعث الحركة في صفوف أحزاب المعارضة، وجاء الاستنكار الواسع لحادث تعذيب المناضل حسنين حسن على يد الزين حسن الطيب وبطانته ليزيد شدة المعارضة، مما أدى لاعتقال زعماء المعارضة في 12/7/1961 وهم: (إسماعيل الأزهري، عبد الخالق محجوب، أحمد سليمان، مبارك زروق، محمد أحمد محجوب، عبد الله خليل، أمين التوم، عبد الله عبد الرحمن نقد الله، المرحوم عبد الله ميرغني، عبد الرحمن شاخور… الخ)، وصدر بيان من الحزب الشيوعي طالب بإطلاق سراح زعماء المعارضة بتاريخ 16/7/1961، وجاءت مجزرة المولد يوم 21/8/1961 التي راح ضحيتها 12 من الأنصار وهم يؤدون شعائرهم الدينية التي وجدت استنكارًا واسعًا، وأصدر الحزب الشيوعي بيانًا استنكر فيه المجزرة بتاريخ: 22/8/1961.، كما أرسلت جبهة المعارضة مذكرة إلى ضباط البوليس في 24/8/1961، وأدى هذه الحراك الجماهيري الواسع إلى تراجع الحكومة بعد إضراب زعماء المعارضة في المعتقل، وتم إطلاق سراحهم. (للمزيد من التفاصيل: راجع ثورة شعب، إصدار الحزب الشيوعي 1965). 3 تراجع جبهة أحزاب المعارضة: لكن بدلًا من مواصلة تصعيد العمل الجماهيري لمحاصرة الديكتاتورية وتحقيق المزيد من الانتصارات حتى إسقاطها، تراجعت جبهة المعارضة، ولم ترتق إلى مستوى ذلك الموقف مع الأسف كما في الوقائع الآتية: – وافقت جبهة الأحزاب على قرار الحكومة القاضي بإلغاء الاحتفال بعيد الاستقلال الذي قررت الأحزاب إقامته في أول يناير في عام 1962 بجامع الخليفة. – وافقت الأحزاب على قرار الحكومة بإلغاء الاحتفال الذي قررت أقامته بمناسبة الإفراج عن زعماء المعارضة وبعد أن وزعت رقاع الدعوة على الجماهير. – رفضت الأحزاب الدعوة التي تقدم بها الحزب الشيوعي السوداني مرتين لتبني شعار الإضراب السياسي العام بوصفه طريق الخلاص من الحكم العسكري، ومر النصف الأول من عام 1962 وجبهة الأحزاب لا تحرك ساكنًا رغم كل المحاولات التي بذلها الشيوعيون لكي تتجاوب الجبهة مع الأحداث. وفي هذه الأثناء كانت الحركة الثورية الديمقراطية بقيادة الشيوعيين وتحت تأثير نضالهم تزداد عمقًا وأتساعًا يومًا بعد يوم، واستمرت تحركات العمال والطلاب والمزارعين وبدأ شعار الإضراب السياسي العام الذي وضعه الحزب الشيوعي في صيف عام 1961 يجد فهمًا وتقبلًا من الأوساط الشعبية المتقدمة. وفي هذه الظروف ناقش المكتب السياسي للحزب في أواخر عام 1962 موقف الحزب الشيوعي من تجمع المعارضة المعروف بجبهة الأحزاب وقرر المكتب السياسي بالإجماع الانسحاب من ذلك التجمع وذلك للأسباب الآتية: 1- لقد أيد حزبنا منذ البداية تجمع أحزاب المعارضة وهو لا يزال في أطواره الأولى، ولأن ذلك التجمع كان من الممكن أن يؤدي- وقد أدى بالفعل- إلى توسيع وتعميق جو المعارضة العام للنظام العسكري الرجعي، وكان اشتراك الحزب الشيوعي فيه عنصرًا إيجابيًا وزاد ذلك التجمع قوة. 2- ولكن وبمرور الزمن وبتزايد حركة الجماهير الثورية من عمال وزراع وطلاب ومثقفين، أثبت تجمع أحزاب المعارضة عجزه عن مسايرة حركة الجماهير الصاعدة والبعيدة والعميقة، والتي تتسع تحت القيادة المباشرة للحزب الشيوعي أو بتأثيره. – بالموقف السلبي الذي وصل إليه تجمع المعارضة خلال عام 1962 أصبح ذلك التجمع ذا آثر سلبي على الحركة الجماهيرية لأن أقسامًا من الجماهير ترى فيه طريق الخلاص دون مبرر. الإضراب العام هو طريق الخلاص وقوات الإضراب هي العمال والمزارعون والطلاب والمثقفون ولذلك أصبح لزامًا على الحزب توفير كل وقته وجهده للعمل وسط هذه القوى حتى تصل الحركة الشعبية إلى مرحلة التنفيذ الشامل للإضراب. – تجمع المعارضة أصبح مصدر خلط فكري شديد فيما يتعلق بالجبهة الوطنية الديمقراطية، أن كثير من الناس كانوا يعتقدون أن تجمع أحزاب المعارضة هو الجبهة الوطنية الديمقراطية التي يدعو لها الحزب، ولذلك لا بد أن يوضح الحزب على أوسع نطاق الفرق بين تجمع أحزاب المعارضة والجبهة الوطنية الديمقراطية التي هي جيش متحد ومن القوى الثورية العمال والمزارعون والطلاب والمثقفون الثوريون. كانت هذه هي النقاط التي أعتمد عليها المكتب السياسي للحزب في قراره الخاص بالانسحاب من أحزاب المعارضة وقد وافقت اللجنة المركزية في دورتها المنعقدة في يناير سنة 1963 بالإجماع على قرار المكتب السياسي الخاص بالانسحاب (للمزيد من التفاصيل: راجع ثورة شعب، مرجع سابق). على أن انسحاب الحزب الشيوعي من جبهة أحزاب المعارضة لم يكن سلبيًا أو انعزالًا عن الجماهير، بل واصل الحزب التحامه بالجماهير مدافعًا عن مطالبها اليومية، إضافة لنضاله وسط جماهير العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين ووسط جماهير النوبيين ضد تهجيرهم من وطنهم بإغراق حلفا، والموظفين والمهنيين والمرأة السودانية… الخ رافعًا شعار إسقاط النظام عن طريق الإضراب السياسي العام والعصيان المدني، حتى كانت لحظة الانفجار ونضوج الأزمة الثورية واندلاع ثورة أكتوبر 1964، وشارك الحزب الشيوعي في تحالف جبهة الهيئات التي قادت الإضراب السياسي العام حتى الإطاحة بالديكتاتورية العسكرية. الميدان