سد شعار ثورة ديسمبر (حرية سلام وعدالة) تطلعات شعب السودان في تأسيس دولة مدنية، حيث حقوق المواطنة وواجباتها، وحيث العلاقة مع الدولة يحكمها القانون الديمقراطي، الواقع الآن في البلاد يكشف صعوبة الوصول إلى هذا الهدف وليس استحالته، ما لم تنصرف القوى المدنية أولا لتنظيم صفوفها، وفق أسس جديدة تمامًا مما هو سائد الآن.. القوى المدنية المنظمة مطلوب منها أن تكثف جهودها على الأرض في داخل الاحياء وملء كل المنابر والساحات بالعمل الإعلامي التنويري لفتح نقاش مجتمعي واسع حول معضلات بناء الدولة المدنية، فالصراع المحتدم الآن أخشى أن يصبح في عيون الأغلبية فوقي معزول يبدو كصراع على السلطة، وليس على تحقيق الأهداف التي نادى بها الشعب بكل قطاعاته.. المدنيون أمامهم تحديات جمة، أولها أن يتفقوا على صيغة للعمل المشترك يتم احترامها من كل الأطراف، تضع في قمة اهتمامها مصالح السودان ووحدته، فأي عمل لا يضع ذلك في اعتباره محكوم عليه بالفشل، حيث لا يمكن بناء دولة مدنية في بلد منقسم على نفسه، ومهدد بالحرب الأهلية.. الشعارات لن تؤسس الدولة المدنية، وثمة معركة لم يتم حسمها هي العلاقة بين الدين والدولة، الآن برز ما هو أصعب، وهو ملكية الموارد، والحيازات القبلية والارتباطات القوية بين فئات اجتماعية مؤثرة تتمثل في الطرق الصوفية والإدارات الأهلية والمجموعات الدينية الكامنة والتي لم تقل كلمتها بعد، وليس معنى ذلك أن هناك مجموعة مواطنين مقابل أخرى بشكل قاطع ولا شيء يجمع بينهما سوى المواجهة، بل هناك مصالح اجتماعية واقتصادية راسخة في المجتمع تتمتع بها الإدارات الأهلية والقيادات الدينية، ومما لا شك فيه أن هناك خوف من ضياع الامتيازات التاريخية من قيام دولة تتأسس فيها الحقوق والواجبات وفق مواثيق المواطنة وفقًا للحقوق الفردية لأي مواطن ومواطنة وليس الولاءات التقليدية. ما جاء على لسان القادة العسكريين البرهان وحميدتى، أكبر من أن يتم اختزاله في تحدي عسكري للمدني، فالحكم العسكري استمر في هذه البلد طيلة عقود، بينما المدني لم يؤسس لنفسه بشكل راسخ، ويجد نفسه في وضع من يريد أن يضع البذرة في أرض صلدة. الميدان