النشاط المتزايد لفلول العهد البائد داخل وخارج جهاز الدولة، والمؤمرات المكشوفة التي تنشط فيها شخصيات وفصائل سياسية، وحركات مسلحة، وشركاء النظام البائد، باتفاق ودعم واسناد من المكون العسكري، وهذا الاختناق السياسي المصنوع والحصار الذي يمارس بخنق البلاد من أجل تعزيز سياسة "حافة الهاوية" لفرض واقع الهيمنة والانقلاب السياسي والاجهاز النهائي على الثورة وشعاراتها.. هي نتيجة حتمية لتقاعس القوى السياسية التي هيمنت على التحالف السياسي والسلطة لعامين. تتحمل قوى المجلس المركزي السياسية والمهنية والمدنية كامل المسئولية فيما يحدث، فقد قاد تراخيها وضعف كوادرها وتصفية حساباتها، وضعف اختياراتها للمسئولين، لتمكين العسكر من زمام المرحلة بالتنازلات واللهث خلف المناصب والتلاعب بشعارات وأهداف الثورة ومحاصرة قواها والعمل على شقها واضعافها استنادا لقوة السلطة ومواردها. قوى المجلس المركزي، ممن صنعوا الأزمات بهيمنتهم على مفاصل التحالف السياسي، وتحويله لنادي للترقي السياسي والوظيفي لكوادر أحزابهم وللمحاصصات، هم من قادوا للوضع المأزوم الراهن الذي قلب موازين القوى لصالح قوى الردة والعهد البائد، ومن صنعوا المشكلة لا يمكن أن يكونوا هم من يرشد الناس لطرق حلها ومواجهتها. تتحمل هذه القوى كتحالف حاكم مسئولية كل ما تم من تنازلات عن سلطات وصلاحيات حكوماتها التي شكلتها عن أهم مسئوليات الحكم في الاقتصاد، والسياسة الخارجية، ومحادثات السلام، والقوات الشرطية والأمنية، والمنظومة العدلية وتحقيق العدالة، وغيرها من الملفات الحاسمة، وهذه التنازلات أضرت أفدح الضرر بالثورة وأهدافها، وقادت لهيمنة وسيطرة العسكر على المشهد. تتحمل هذه القوى مسئولية اغلاق الباب في وجه قوى الثورة، سوأ كانت ممثلة في لجان المقاومة، أو تجمع المهنيين الشرعي المنتخب، أو القوى الثورية التي انتجتها الثورة، كما تجاهلت كل مطلوبات استكمال هياكل السلطة الانتقالية لعامين، ابتدأ من المجلس التشريعي وانتهاء بالمفوضيات، وتجاهلت كل مطالب الاصلاح السياسي والتنظيمي للتحالف ضمن مساعيها لتكريس هيمنتها، حتى رضخت لها بشكل صوري حينما حاصرتها المشاكل. إن ما يجري من محاولات للردة الشاملة هو حصاد نظرتها القاصرة للعمل السياسي والتنفيذي، حتى وصلنا لمرحلة صار من يتحكمون في المشهد السياسي هم فلول العهد البائد، بعدما اطمأنوا انهم لن يجدوا من مسئولي الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية من رادع، فأي ضعف وأي هشاشة هي تلك. إن دعوات التحشيد التي تتم الأن تريد أن تتجاهل كل ذلك الواقع السياسي الذي صنعته قوى الحرية والتغيير، والذي قاد لتفكك في مختلف أدوات العمل الثوري كنتيجة للهيمنة والانفراد والصراع السياسي الذي ترتب على عليه، وهي محاولات الهروب للأمام وحشد الناس تحت ضغط والحاح المخاوف، وهي امتداد للعقل السياسي الذي اورث البلاد الخراب، واضاع مبادئ المحاسبة، والاعتراف بالأخطأ، كما انها تنطوي على عدم احترام للشعب. على هذه القوى أن تحل اشكالاتها اولا مع الشارع الذي فارقت نبضه، ووقفت موقف المتفرج منه حينما كانت مليونياته ومواكبه تتعرض للقمع، ومطالبه تجد الاهمال والتجاهل، وفرطت في الدعم الكبير الذي قدمه الشارع للحكومة الانتقالية.. عليها ان تصحح مسارها بكشف كامل الحقائق ونقد ذاتي جهير. صالحوا شعبكم وأكشفوا الحقائق كاملة، ومارسوا فضيلة النقد الذاتي، وحاسبوا وأبعدوا كل من تسبب في هذا الانهيار السياسي ورموز الفشل أولا، اما الثورة وأهدافها والبلاد، فشعبها وقواه الحية كفيل بحمايتها، كما ظل يفعل طوال تاريخه وعلى مدار الثورة وعمر الحكومتين. على الحركة الجماهيرية أن تعيد تنظيم نفسها وأن تنظم تحالفا جديدا لقواها الثورية لمواجهة الردة الجارية الأن ولمقاومة كل اشكال الانقلابات، ولتستعد لمعركة حقيقية ضد كل هذا العبث الذي يتم، وان تستعيد زمام المبادرة، وان لا تركن لتلك الدعوات المتعجلة للاصطفاف كيفما اتفق، فالتصدي لما يجري الأن لن تقوده ذات القوى والشخوص الذين قادت ممارساتهم السياسية والتنفيذية لتغييب شعارات وأهداف الثورة.