أدهشت حالة الربكة الواضحة التي اعترت الجنرال وهو يتلو بيانه الأول والأخير جميع المراقبين، لغة الجسد كانت تشي بكثير من الخفايا غير المعلنة عن الإنقلاب وظننا لأول وهلة أن الرجل يقع تحت طائلة التهديد وهو يقرأ البيان وذهب آخرون إلى تقديم تفسيرات مختلفه لتوتره واضطرابه البين وهو الضابط العظيم والقائد العام للقوات المسلحة الذي نال العديد من الدورات التدريبية لمواجهة أصعب المواقف لتساعده على ضبط النفس والثبات الإنفعالي، ولكن كل ذلك لم يشفع له فبدأ الزعيم شاحب الوجه غائر العينين منكسر الإرادة تخرج الحروف من فمه بطيئة كسلى ومخارجها باهتة ضعيفة، رغم أن كل المراقبين لا يخالجهم أدنى شك في أن الإنقلاب أعد بدقة عالية و نفذ حسب السيناريو المعد بنفس طويل قاد البلاد إلى العديد من الأزمات المفتعلة و المرتبة بعناية، فقد عمد مهندس الإنقلاب إلى خلق العديد من الأزمات التي تقيْد حركة الحكومة المدنية وتظهرها في صورة العاجزة والضعيفة، بدأت بافتعال ازمات يومية في الكهرباء و الغذاء والدواء و وصلت لدرجة انفراط عقد الأمن واغلاق الموانيء، وهذا السيناريو المعقد يدل على أن هنالك جهة سياسية غير جنرالات الجيش تعمل في الخفاء لتنفيذه وتوجه الدفة لمحطة الإنقلاب على الحكومة الإنتقالية. لم ينتظر الشعب طويلاً فقد ظهر المخفي وبان المستتر، الذي يفسر ارتباك المشهد وغياب بقية الجنرالات وعدم ظهورهم في المسرح، وحتى قائد الانقلاب ظل بصفته العسكرية قائداً عاما للجيش بدون أي صفة أخرى تمكنه من اتخاذ قرارات ليست من مهامه المتعارف عليها مثل اعفاء وتعيين السفراء و تكليف البعض بالقيام بمهام الوزراء، فقد حملت الأنباء إطلاق سراح قيادات المؤتمر الوطني المحلول من السجون وهذه الجزئية لا تفسر دعم الفلول لإنقلاب البرهان فحسب بل تؤكد أن الإسلاميين هم الذين يحركون البرهان ورفاقه في الخفاء وأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية من الانقلاب على حكومة الدكتور حمدوك والجنرال مجرد واجهة، وهنالك العديد من الشواهد التي تدل على ذلك غير ما ذكرنا آنفا، مثل طبيعة الاعتقالات والتركيز على لجنة تفكيك تمكين نظام الإنقاذ وأحزاب محددة تعتبرها الحركة الاسلامية العدو الأول بالنسبة لها. لقد عاد الكيزان عبر بوابة انقلاب البرهان المتوقف عند بيانه الأول وشرب البعض المقلب فقد تبين لهم أنهم مجرد كومبارس أستخدم من قبل الانقلابيين الحقيقيين في التحشيد ضد قوى الحرية والتغيير و تنفيذ اعتصام الموز الذي أتخذه البرهان ذريعة لإستكمال خطة الكيزان في العودة للواجهة، ولن يكون مآل البرهان أفضل حالاً من كومبارس اعتصام القصر فقد وجد الرجل نفسه في متاهة نتيجة حالة الرفض الداخلي والخارجي لإنقلابه المفترض فهو الآن في حالة مواجهة مباشرة مع الشارع السوداني والمجتمع الدولي إضافة إلى مواجهة مؤجلة مع الاسلاميين الذين يمسكون الآن بعصى القيادة بدأت فصولها بقراره المتعجل في إطلاق سراح قياداتهم وإعادة اعتقالهم في قضون ساعات بعد أن تبين له خطل قراره. لا شك أن سقوط الجنرال بات وشيكا ومعه الكثير من الغثاء في المشهد ولكنها بداية معركة الشعب الحقيقية مع قوى الردة. السماني شكر الله