(1) غداة مسيرة 16 أكتوبر التي انتهت باعتصام القصر، يوم أن حُشر طلاب الخلاوي في صعيد واحد مع أنصار النظام المخلوع واسترهبوا الناس بحشد عظيم ، يومها قلنا إن تصحيح مسار الثورة لن يتم بهذه الطريقة المشبوهة التي فتحت الباب واسعاً أمام سيول من علامات الإستفهام… رفضنا التصحيح بالوسائل المشبوهة والإجراءات الخاطئة، والنهج الإستقطابي الهتافي القديم مع إقرارنا التام بأن هناك أوضاعاً بحاجة ماسة للتصحيح والتصويب… لكن قطعاً فإن وسائل التصحيح وإجراءاته التي تعيد النظام المخلوع إلى المشهد بشكل أو آخر فإنها تظل إجراءات مشبوهة ومرفوضة لأنها تعمد إلى تصحيح الخطأ بالخطأ الأكبر… الآن بذات المنطق الحاسم والقاطع نقول إن تصحيح مسار الثورة لن يكون بأي حال من الأحوال بفرض الأمر الواقع وإقصاء الشركاء وخرق المواثيق وفقاً لمنطق القوة، لا منطق القانون والوثيقة الدستورية… (2) غداة الانقلاب على الشركاء المدنيين استمعتُ عبر إذاعة أم درمان إلى د. ناجي مصطفى الخبير القانوني الذي بدا مدافعاً عن الوضع الجديد وهو يقول إن هذه الإجراءات أعادت المجلس العسكري السابق كجسم قانوني يمكنه إصدار القرارات ويمكن للبرهان أن يتخذ أي إجراء بوصفه رئيساً للمجلس العسكري، ورغم هذه (الوصفة السحرية) التي سوَّقها له د. ناجي إلا أنه أي الفريق البرهان ظل يصدر القرارات ويقيل المسؤولين في حكومة الثورة بوصفه قائداً عاماً للجيش السوداني، علماً بأن هذه الصفة لا تخول له إصدار هذه القرارات لا بالوثيقة الدستورية ولا غيرها مما يعني بطلان كل تلك القرارات… هذا بالطبع يقودنا أيضاً إلى النقطة التي استهللتُ بها هذا المقال وهي التصحيح "الخطأ" بخطأ أكبر منه ، مثل الذي يريد تصحيح الخطأ بالخطيئة، والانحراف ب "الانزلاق"… (3) في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد الإطاحة بحكومة حمدوك، اسهب البرهان في ذكر تشكيل المجلس التشريعي ومجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية، لكني على ثقة تامة أنه أي الفريق البرهان إذا مضى في تلك الإجراءات ووصل إلى محطة تشكيل المحكمة الدستورية، فإن بطلان وإلغاء القرارات التي جاءت بعد الخامس والعشرين من أكتوبر سيكون أول حكم ستصدره المحكمة الدستورية وهو أمر لن يكلفها طرفة عين لعدم وجود اختصاص وصلاحيات دستورية تخوِّل للقائد العام للجيش إقالة وتعيين مسؤولين بالدولة… (4) مهما كانت المبررات لما جرى في الخامس والعشرين من اكتوبر تظل القضية برمتها أزمة سياسية بين شركاء الحكم الانتقالي، ولا سبيل لحلها إلا بوسائل سياسية عبر الحوار والتفاوض وتغليب المصلحة الوطنية بعيداً عن ردود الفعل والانتصار للذات… قلنا من قبل إن هناك أحزاباً محددة حاولت فرض نفسها على المشهد السياسي واختطافه، وأن عملية إعادتها إلى جادة الطريق يجب أن تكون بالحوار والوسائل السياسية حتى إجبارها على توسيع قاعدة المشاركة باستيعاب زملاء النضال لا بالانقلاب عليها وإبعادها كلياً واعتقال قياداتها طالما أنها شريكة في الحكم، فإذا هي قد أخطأت وانساقت وراء أطماعها وطموحاتها السياسية، وأقصت آخرين فليس من المعقول أن تكون المعالجة بإقصائها هي الأخرى على غرار (وداويني بالتي كانت هي الداءُ). (5) ناصرنا ثورة الشعب السوداني لأننا جزء منه، ودافعنا عن شعاراتها وأهدافها ومبادئها، ولم ولن ندافع عن أحزاب سياسية ولا عن رموزها… وقفنا في وجه المنحرفين عن شعارات الثورة وأهدافها، وواجهنا المختطفين الذين سعوا وراء قطف ثمار الثورة قبل "تنظيفها" من دماء الشهداء، ووقفنا في وجه الذين ساروا على نهج المؤتمر الوطني بعد ان آلت إليهم مقاليد السلطة واستيقنتها أنفسهم عدواناً وظلماً ،وركنوا لنشوتها وسكرتها، ووقفنا في وجه الاصطفاف القبلي الذي احتمى به المكون العسكري بعد فض الاعتصام ومحاولات إجهاض الثورة، ومن هذا المنطلق نقف اليوم في وجه الإنقلاب على الشركاء المدنيين… ذلك لأننا لن نصفق لباطل ولن نزينه والله وحده أحق أن نخشاه… اللهم هذا قسمي فيما أملك. نبضة أخيرة: ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.