بإكتمال تحالف التناقضات المدعوم علنا بالخارج، فإن أهداف قادة الإنقلاب العسكري تكون قد تجاوزت حديث المساومات إلى التمترس في كراسي الحكم، لذلك فإنهم لن يعملوا على تحقيق التحول الديمقراطي وإن أرادوا، وسيجدوا أنفسهم مضطرين لخدمة الموساد الاسرائيلي والأنظمة الشمولية التي تخصصت في إجهاض تطلعات شعبنا المشروعة، بغرض الإستمرار في نهب ثرواته. إن تمسكنا بالسير في طريق الثورة مهما كانت الاخفاقات والتضحيات، هو إيماننا الراسخ بهذا الوطن وأن استقراره ونموه وتحقيق العيش الكريم لأهله، يكمن في قبول التداول السلمي للسلطة بالتحول المدني الديمقراطي، المحروس بالمؤسسات الدستورية وسيادة القانون واستقلالية أجهزة العدالة، وبقوات مسلحة وأمنية موحدة مؤمنة بدورها الوطني، بما يجلب الإستقرار والرضى النفسي للجميع، ويشكل الأساس المتين لشعب موحد محب لوطنه وقادر على قهر الصعاب. إن فشل التجارب الديمقراطية السابقة لا يكمن في النظام الديمقراطي، لكنه يكمن في الممارسات البشرية الحزبية التي لا سبيل لتصحيحها إلا باستمرار التجارب الديمقراطية لتصحح نفسها بنفسها الي ان يشتد عودها، بمراقبة الشعب ووعيه. أما فشل التجارب الشمولية فيكمن داخل النظام الشمولي الذي يحمي نفسه بأدوات الظلم والاستبداد، بما يصطدم والنشأة التاريخية للإنسان السوداني المحب للعدل والحرية والكرامة الانسانية، فيقاوم الظلم والاستبداد، لهذا يجد النظام الشمولي نفسه في خصومة لا نهاية لها مع الشعب، فيفشل في تحقيق الاستقرار والوحدة كأساس للبناء والتطور وتحقيق العيش الكريم. لقد إتسم ما مضى من الفترة الانتقالية بالتخبط وإنعدام الرؤية نتيجة مؤامرات وإخفاقات وممارسات لم تكن تبشر بإحداث التحول الديمقراطي المنشود، تداخلت أسبابها وتعدد من قاموا بتسبيبها، ومهما كان لم يكن ذلك مبررا ليرهن المكون العسكري إرادة الوطن للخارج ويدخل في تحالفات تحمل بذور فشلها، ليقوم بانقلاب عسكري مهما كان من أمره، فإنه لن يفلح في إجهاض أعظم ثورة يشهدها تاريخنا الحديث. لذلك لا مجال أمام أحد للمكابرة والإنتصار للذات، فالثورة ليست ملكا للمكون العسكري أو لقوى الحرية والتغيير، بل هي ملك لشبابنا جيل المستقبل الذي ضحى ولا يزال يضحي من أجلها. في هذه اللحظات التاريخية الحرجة التي تمر بها بلادنا، علينا جميعا تغليب نوازع الوطنية والتجرد، بأن تسارع كل القوى السياسية والنقابية والشبابية، للتوحد وأن تضع في إعتبارها ما كان عليه الحال قبل الإنقلاب، لتتوصل لحل وطني مشترك يحقن الدماء ويحافظ على مكتسبات الثورة ويدفع بها للأمام، وليوضع أمام المكون العسكري ليقبله أو يرفضه ويتحمل مسؤوليته التاريخية. أخيراً، رسالة للسادة المكون العسكري نقولها بكل صدق وتواضع، إن الغضب والتشفي والقتل والاعتقال لن يحقق الاستقرار لبلادنا ولن يخرجها من ازماتها ولن يكون مشروعا للبناء، قد ينجح الانقلاب وللمدى الذي تقدره المشيئة الإلهية، لكنه حتما سيفشل ليصبح مجرد محطة من محطات التنقية التي لا بد أن تمر بها الثورة السودانية، قبل أن تواصل مسيرتها القدرية دون توقف، ليس بقوة السلاح بل بقوة إيمان الشعب بالوطن وبالدولة المدنية الديمقراطية طريقا للاستقرار والوحدة والتقدم . عبد القادر محمد أحمد