ما أن وقع الإنقلاب العسكري بواسطة لجنة المخلوع الأمنية ومن شايعهم من سقط المتاع السياسي والطارئين علي المشهد السياسي والإنتهازيين ، حتي إنفتحت علي السودان أبواب الجحيم ، وما زالت تلك الأبواب مشرعة .. داخليآ إنتفض الناس سراعآ و تنادوا سرآ وعلانية في ظل ظروف بالغة التعقيد ، ونزل الثوار يدافعون عن ثورتهم بشجاعة وإصرار نبيل .. و تجرع الثوار بجلد كل شر الإنقلابيين و حقدهم .. و تصدي الشباب لمجرمي الحرب ببسالة مذهلة .. و لم يمتلك الإنقلابيون إلا آلة القتل ليواجهوا بها نبل الثوار و رومانسيتهم الوطنية .. فأعملوا فيهم تقتيلآ وتجريحآ، وإعتقالآ وتعذيبآ .. وتجمع أهل الشر من عملاء وخبثاء النظام المقبور مع مجرمي المليشيات المسلحة يسومون الناس سوء العذاب لا يردعهم وازع من دين أو ضمير إنساني .. فسقط أكثر من أربعين شهيدآ طاهرآ في أسابيع ثلاث ، وسالت دماء المئات تروي أرض الثورة وما فتئت "جهنم " تسأل هل من مزيد.. خارجيآ ، لم يتواني العالم في الإنتفاض ضد الإنقلاب بإجراءات فورية وحاسمة .. وأغلق دونهم كل النوافذ والابواب ، ولم يترك لهم ولو "كوة" يدخل منها شعاع ضوء أو هواء .. فالمجتمع الدولي معجب حد الوله بالثورة السودانية وسلميتها وطهرها .. وإحتفي برموزها وأيقوناتها في كل المحافل الدولية إكرامآ وإعتزازآ بجهد الثوار وألقهم ونبلهم. لقد أصبح الوضع في البلاد كارثي حد الجنون و الفجر ، وينذر بشرور لن نطيقها .. فقد فشل الإنقلاب فشلآ مريعآ ولم يعد في مقدور العسكر المضي به إلي أي وجهة ، فتمترسوا خلف البندقية ويدهم علي الزناد .. والشارع يغلي و يرفع سقف مطالبه مع موت كل شهيد وسقوط كل جريح .. فدخلنا في جهنمية المعادلة الصفرية ، التي لا تقبل إلا بفناء أحد الطرفين أو كليهما ، ومعه ضياع البلد لسنوات لا يعلم إلا الله مداها. في ظل هذه الظروف المعجزة والقاهرة البائسة تحركت أطراف عدة ، داخلية وخارجية .. كل تحاول نزع فتيل الأزمة ومنع البلاد من الإنزلاق نحو مجهول لن يبقي ولن يذر .. فتوالت المبادرات مصحوبة بضغوط من هنا وهناك علها تحدث أمرآ . وتدخل العقلاء يحاولون الوصول الي الممكن والمتاح .. وتم التواصل مع الدكتور حمدوك رئيس وزراء الفترة الإنتقالية الشرعي " الأسير "، فقرر دولته إتخاذ قراره حسب رؤيته وتقديره للموقف .. وظهر مع الإنقلابيين مهمومآ شارد الذهن يعلم ما سيقوله الناس عنه .. و تحدث مختصرآ ، وقال جئت لحقن الدماء وعدم ضياع ما أنجزنا من تطبيع علاقاتنا مع المجتمع الدولي ، وبداية إنفراج في الأفق الإقتصادي .. و لمنع الفلول من التسلل لأعلي هرم السلطة علي ظهر الإنقلاب . يعلم الجميع أن العالم يدار من خلف ستار ، ومن وراء نوافذ مغلقة وأبواب مؤصدة .. وأن ليس كل ما يعلم يقال .. وتفاصيل ما جري لا يعلمه إلا قليلآ من الناس ، وكل ما كتب ويكتب محض آراء و تكهنات وبعضها تخرصات. أقول إن الغضب الذي ووجه به تصرف حمدوك في رأيي يعكس كراهية الشعب السوداني وقواه الحية لحكم العسكر وما يحمله عسكر لجنة المخلوع من إرتباط عضوي بالنظام الفاسد الذي ثار الشعب ضده .. ورغم علمنا بكنههم وماهم ، إرتضينا شراكتهم بعد نجاح الثورة وسميناها شراكة الدم . أعتقد أن الدكتور حمدوك صادق فيما يقول وأنه هدف إلي تقليل الخسائر وجبر الضرر ، وعلينا ألا نتركه يواجه العسكر وأزلام النظام وحيدآ. وجهوا غضبكم ضد الإنقلابيين وليس ضد حمدوك .. لا تهتفوا ضد حمدوك ولكن أخبروه بأنكم لا تأمنون مكر العسكر و لؤمهم . وإن ثبت لكم أنه يعمل ضدكم فالشوارع لكم وأثبتم أنكم ملوكها وأباطرتها ونورها و نارها والشوارع لا تخون . [email protected]