يُسيطر على مزاج (السودان) محتالون بديباجات سياسية وثقافية ودينية ، هذا المزاج الفاسد ظلَّ يُنتج نُخب ومفكرون وحُكَّام وزعماء وقيادات أهلية فاسدة ، ينفقون الأموال بسخاء على ملابسهم (مظاهرهم) على حساب الاهتمام بشؤون الناس وحاجاتهم . يدعي هؤلاء المحتالون أن منهم مفكرون ليبراليون واسلاميون ويساريون وأصحاب أحزاب وحركات سياسية وعسكرية ، وقد ظلوا على مدار التاريخ يوهمون (السوداني الطيب) بقدرتهم على نسج فكر رائع فريد من نوعه لإدارة شؤون البلاد ، ويدعي هؤلاء المحتالون أن هذه الأفكار والرؤى لا يستطيع أن يفهمها الحمقى والأغبياء عديمي الكفاءة. يصدقهم (السوداني الطيب) كل مرة ويطلب منهم وضع البرامج اللاَّزمة، فيشرعوا في المشاورات والخلافات والاتهامات ونهب الأموال وتضييع الوقت ، ويغدق عليهم (السوداني) بالثقة ويمدهم بالدعم اللازم ، وكل يوم يتظاهر هؤلاء المحتالون بالتفكير والنظر إلى السماء ولكن (السوداني الطيب) يأبى الإفصاح عما يراه خشية أن يُصنَّف في عداد الحمقى والأغبياء ، وفي كل مرة يُعلن فيها المحتالون عن انتهائهم من خياطة الملابس ، يزداد وضع (السوداني الطيب) جهلاً وفقراً وعُرياً ، حتى أصبح وضعه عاريًا تمامًا أما العالم ، غير أن أحدًا لا يجرؤ على قول الحقيقة خوفًا من أن يبدو سوداني غير أصيل أو خائناً مندساً لا يفهم عظمة وتاريخ البلاد والعباد . تلويح حمدوك بالاستقالة يذكرني بالمسرحية الهزلية التي صاحبت استقالة جمال عبد الناصر في اعقاب هزيمة 1967 المفضوحة ، فكل قائد يظن أن العناية الإلهية قد أتت به في (هذا التوقيت الحرج) لإنقاذ البلاد ، مصير الدول لا يتوقف على أشخاص ، قدم استقالتك وافضح نفسك ومن معك واخرج أمام الشعب عارياً ومنكسراً ، وليس بطلاً حتى لا نعيد تكرار تجربتك ولا تجربة من معك. الحقيقة المرة هي أن السودان ليس لديه أي مشروع ثقافي سياسي من شأنه انتاج قيادات بإمكانها إدارة دولة وُلدت بإعاقات إيديولوجية وهُوياتية. كل ما نملكه من تاريخ سياسي هو محضُ حُكَّام وقيادات ونُخب طائشة تنتجهم كل مرة الصدفة بدون أي قصدية أو رؤية فكرية أوسياسية، والصدفة لا يمكن أن تبني دولة. الحل لن يكون سهلاً ولا قريباً ، إننا نمر بمرحلة تطهير ذاتي مؤلمة جداً لمشاكل (كارمات) تاريخية وثقافية ودينية تحتاج منا لشجاعة في الطرح والمواجهة ! وعلينا أن نقول بصوت عالٍ (إننا عُراة) نبحث عن ثياب جديدة تستر عوراتنا. [email protected]