ترجل فارس المرحلة وحكيمها الدكتور عبد الله حمدوك .. وبذلك تدخل البلاد في لب المجهول وإتون صراعات ستسيل فيها دماء زكية وتفقد فيها أرواح عزيزة ، وسيتطاير الشرر في كل ناحية وصوب .. وستصل النار إلي كل بيت . وسندخل في ليل كالصريم او اكثر قتامة ..وقبل أن نبدأ في حملات السباب وحفلات التخوين للدكتور عبد الله حمدوك .. وبدون الخروج عن أدب الإختلاف الذي بحق يعوز كثير ممن يسمون بالقيادات السياسية .. علينا أن نتفق جميعآ أن سبب "الكارثة" والعنت الذي وصلت إليه البلاد ، وإنسداد الأفق ، فأنما هو نتيجة مباشرة للإنقلاب العسكري الذي قامت به اللجنة الأمنية للرئيس المخلوع .. وإن كل ضر وقع بعد ذلك وأي إخفاق بما فيه توقيع حمدوك علي الإتفاق الإطاري لا يعدو أن يكون آثار جانبية ومضاعفات متوقعة للإنقلاب العسكري .. إنقلاب تم التحضير له مع نجاح الثورة في إقصاء المخلوع والزج به إلي مستقره الذي يليق به. إن حمدوك إجتهد فأخطأ وأصاب ، ووقف بشموخ يقول أنني فشلت و انني أتنحي لفارس آخر ليتبوأ مقعد القيادة .. وتلك شجاعة النبلاء وصدقهم .. ومن حق الناس إبداء رأيهم في إجتهاداته لكن بأدب ودون تخوين أو تجاوز . الآن بعد أن أناخ حمدوك راحلته ، حصحص الحق وعلم كل أناس مشربهم وسقطت ورقة التوت التي تغطي بها الإنقلاب ولم تعد هناك منطقة رمادية يتخفي خلفها مخاتل او ذريعة يتدثر بها مهادن .. من كان يلوم حمدوك ، فإن حمدوك قد ذهب وترك فراغآ سيعلم منتقديه ومخالفيه بأنهم إستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير .. وإن قصر النظر وحب الكيد هو بضاعتنا التي نبرع فيها ، وساء مآل. المشهد الآن أكثر وضوحآ على كآبته وقتامته وبؤسه .. إنقلاب عسكري كامل ، مسنود بفلول النظام المقبور ، وقلة من المتعطلين والتافهين وأصحاب الغرض ومرضي النفوس ومعدومي الضمير .. لا يجمع بينهم إلا كراهيتهم للخير ولا يربط بينهم إلا بغضهم للثورة والثوار ، وتكالبهم علي المناصب لنيل حظ من الدنيا ولو علي حساب أمة أو علي أنقاض وطن .. الإنقلاب يملك سلاح الدولة وجيش الوطن الذي حولته الإنقاذ إلي مليشيا منزوعة العقيدة الوطنية ، ثم التحالف الشيطاني مع المليشيا المجرمة التي حازت علي قدر معلوم من ثروات الوطن .. ثم " فتافيت " ما يسمى بالحركات المسلحة .. جميعهم يمثلون أكبر " كارتيل " إجرامي تشهده القارة الإفريقية وربما العالم ، ويديره مجرمون لا علاقة لهم بوطن او وطنية. في الناحية الأخرى هناك شارع ثائر ، معلم ، مبهر ، نقي ، مصمم على الترقي في دروب المجد .. وباذل الروح ثمنآ مستحق لغد أفضل ووطن أجمل .. شارع قال كلمته وأوضح أوله و منتهاه ، المدنية الكاملة ولا شراكة مع قاتل او مجرم .. شارع فتح حساب في بنك الشهادة والإستشهاد وما فتئ يغذي حسابه بأجمل بنيه و بناته لا يروعه الموت ولا ينال عنف الفئة الباغية من عزيمته وإصراره علي بلوغ غاياته مهما إرتفع الثمن .. شارع علي أتم الإستعداد لدفع مهر الحرية من دمه وحياته .. وهيهات أن يهزم هذا الشارع و هذا الشباب النضر المؤمن بربه غير هياب المنايا. إن الصدام بين الإنقلاب والشارع أصبح الحقيقة التي لا مناص منها ولا يمكن تفاديها ، وهو الصدام المستمر منذ ثلاث سنوات، أريق فيها الدم بدءآ بإعتصام القيادة والحبل علي الجرار .. ولكن القادم أمر و أسوأ . الشئ الغائب عن المعادلة للأسف ، هو القيادة السياسية التي تماثل نبل الثوار وتجردهم .. إن القحط السياسي الذي أدخلت فيه الإنقاذ البلاد جرَّف الأحزاب السياسية وأفقدها الديناميكية وعطل تطورها الطبيعي خدمة لمشروعها الإجرامي الذي يتصدي له الشعب الآن.. لقد تضاءلت قامات الساسة بجميع أطيافهم وألوانهم ، ولم يستطيعوا مماراة الشارع في ثوريته وعنفوانه. على القيادات السياسية التي خطّأت حمدوك وتخلت عنه وتطاولت عليه أن ترمي أوراقها كاملة أمامنا ، وتأتينا بما عجز عنه حمدوك .. ويجب أن نراهم في مقدمة المواكب يشاركون الثوار الدم والدموع والشهادة حتى هزيمة الإنقلاب .. وهو بلا شك ساقط ومهزوم .. وعلينا أن نعي جيدا أن الدرب طويل وملئ بالألم والمعاناة ، فالنشمر ونستعد . أقول إن الشعب هو سيد نفسه وسيد القرار ، وقد قرر أن المدنية هي مبتغاه وهدفه، ولن يستسلم او يستكين حتي ينال غايته ويؤسس الدولة التي يحلم بها ، دولة الحرية والعدالة والأمن والرفاه والديمقراطية والسلام .. وعلي العسكر ومن شايعهم الإستعداد لمنازلة سيطول أمدها .. فطوابير الشهداء لن تنقطع وكلما سقط شهيد قام مكانه ألف شهيد .. هكذا تعاهد الشهداء ومشاريع الشهداء .. ولم نر منهم تراجعآ أو فتور … وعلي الإنقلابيين إستيراد مزيدآ من الحاويات فالمواكب لن تنقطع ولن تحيد حتي تمام النصر والظفر بالدولة التي يحلم بها الثوار . إذا الشعب يومآ أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر . [email protected]