طالعت كغيري إنتشاراً واسعاً لتسجيلات تبين وترصد إعتداء عدد من المواطنين علي من يُلقي القبض عليه من عصابات النهب المنتشرة المسماة "تسعة طويلة". تتباين ردود الأفعال إزاء هذه الظاهرة المقلقة التي تحمل في طياتها مضامين يجب أن تؤرقنا جميعاً .. ويظن كثيراً من الناس إن في ذلك جزاءً وفاقاً لهذه الفئة الضالة. هنالك ملامح يجب ألا نغفلها ونحن نتناول هذه الظاهرة بالنقد والتحليل والتمحيص .. الملمح الأول هو أن المواطنين قد قرروا اخذ القانون بيدهم يأساً من الشرطة وكل أجهزة إنفاذ القانون الفاسدة .. وفي ذلك بلاء عظيم .. والبعض يؤكد أن هؤلاء المتفلتون إنما يفعلون ذلك بإيعاز من سلطة الإنقلاب لترويع المواطنين ودفعهم لقبول سلطة الأمر الواقع كثمن لأمنهم الشخصي .. وربما تكون هنالك مصداقية لهذا القول في ظل التراخي الواضح من الشرطة في التصدي لحسم هذه الظاهرة التي تهدد السلم والأمن المجتمعي. الملمح الثاني هو أن القوي الأمنية بمختلف مسمياتها وتنظيماتها لم يعد أمن الوطن او المواطن يشكل أي جزء في عقيدتها او مهامها .. الشرطة بعد الثلاثين العضوض من حكم إخوان الشيطان قد تحولت إلي أداة قتل وقمع وترويع ليس إلا ولم يعد أمن المجتمع يقض مضجعها ولذا أصبحت الجريمة تمارس جهارا نهارا دون خشية أو خوف .. بل رأينا منسوبي هذه الأجهزة وهم "يسرقون" في وضح النهار وهم في زيهم العسكري !!. الملمح الثالث، هو أن الناس حين تتداول التسجيلات التي توثق للإعتداءات البربرية التي يُواجه بها وتتنزل علي هؤلاء المجرمين من العصابات المتفلتة. يصاحبها إحساس بالفخر والسرور والإنجاز ، وهذا للأسف شعور زائف .. وسيؤدي إستمرار هذا النهج الي عواقب وخيمة ومآلات سيدفع ثمنها المجتمع قاطبة .. نحن نعلم أن العنف لا يولد إلا العنف .. وهذه المشاهد المروعة يشاهدها بالطبع هؤلاء المجرمين كما نشاهدها .. وسيكون رد الفعل الطبيعي لديهم، أنهم لن يسمحوا لأحد أن يلقي القبض عليهم مستقبلاً وسيكونون أكثر عنفاً وإجراماً .. فهم ليس لديهم ما يخسرونه ولكننا سندفن الطمأنينة في بلادنا إلي الأبد. بالتأكيد لن أصادر حق أي شخص في الدفاع عن نفسه وماله وعرضه حتي وإن أدي ذلك إلي قتل المعتدي، فالشرع والقانون يجيزان ذلك بميزان العدالة الإلهية وبالمنطق .. ولكن ما أن يلقي القبض علي أحد هؤلاء الأشرار، فلا يحق لأحد إيقاع أي عقوبة عليه مهما كانت المبررات ومهما كان حجم الغضب المعتمل في الصدور .. والقاعدة العدلية الثابتة تقول بأنك لا يمكن أن تكون الخصم والحكم، بل ومنزل العقوبة ومنفذها، إن في ذلك فساد عظيم. أقول، إن الثورة السودانية قد خلبت ألباب شعوب الأرض قاطبة بسلميتها وترفعها ووعيها .. بالأماجد والماجدات يواجهون الموت والرصاص بالهتاف والثبات. وتلك المشاهد المرعبة لمواطنين يُنزلون أشد أنواع العقاب علي هؤلاء الأشرار ستفقدنا إحترام أنفسنا والعالم .. وتجعلنا نتساوي معهم في الشر والبؤس والإنحطاط.. بل أسوأ من ذلك تساوي بيننا وقادة الإنقلاب ومن والاهم.