كتبنا في مقالات سابقة كيف تعمل الآلة الإعلامية للطغاة ، والتي تعتمد علي العامل النفسي ، والعاطفي لمخاطبة البسطاء ، وعامة الناس. لا بد لأي طاغية ان يضع خطوط حمراء ، ومنطقة محرمة ممنوع الإقتراب منها ، وإلا الخيانة ، والعمالة ، والإرتزاق ، والتهم معلبة جاهزة. واحدة من الخطوط الحمراء المتوهمة هي "الجيش" الذي هو بالضرورة اعز ما يملك الشعب ، وليس الطغاة. لابد من التفريق بين الجيش كمؤسسة ، والافراد الذين يُديرونها ، وتصرفاتهم القابلة للخطأ ، ومخالفة القوانين ، والفساد . في الدول المحترمة تخضع الجيوش للنقد ، والمحاسبة بعيداً عن العواطف ، والمجاملات ، لضمان قوتها ، وتماسكها لتؤدي واجباتها المقدسة بوجه اكمل. الاكيد ما قامت به القوات الاثيوبية جريمة بكل المقاييس ، ولكن ان تُستغل لأغراض سياسية فهذه مصيبة ، وجريمة توازي ، بل تفوق ما فعلته اثيوبيا. ذكرني بيان الناطق الرسمي للجيش ايام اللمبي ، والصبي الصوارمي حين قال ان جيشه يمتلك حق الرد علي إسرائيل التي سرحت ، ومرحت في عرض البلاد ، وطولها بصواريخها التي غدرتنا حين اتتنا وكنا نيام "وبعد ما طفينا الانوار" . عندما يهرب قادة الجيش لمعارك خارجية عبثية فأعلم انهم يواجهون ازمات داخلية لا قِبل لهم بها ، وقاماتهم اقصر من ان تطول الحلول بالمنطق ، والعقل. بيان العميد نبيل الناطق بإسم الجيش يذكرني بالمثل القائل : اسمع كلامك اصدقك ، اشوف افعالك استعجب.. عشان انا ذاكرتي سمكية ضعيفة يا نبيل .. اسألك منذ الإنقلاب في 25 أكتوبر فقط ، كم مرة خرجت متحدثاً بإسم الجيش لتعلي من قيّم الدم السوداني "الغالي" الذي اهدرته آلة الدولة في الشوارع ، والميادين ، جيش علي شرطة علي دعم سريع ، علي مليشيات إن لم تكن هي الفاعل فجريمتها التقصير في اداء الواجب حيث حماية المواطنين ، وممتلكاتهم، وحفظ الامن؟ . هل تعلم يا نبيل كم مواطن قُتل في الشوارع بالرصاص ، ودهساً تحت مدرعات الجيش ، والشرطة ، والجنجويد؟ لا نصدق تقيمكم للدم السوداني "الغالي" لطالما ان لديكم معايير مزدوجة تعمل وفق اهواء ، ورغبات الطغاة اعضاء لجنة المخلوع الامنية ، ونعاجه. المعلوم الآن حيث لا تنتطح حوله عنزتان ان الجيش السوداني يعمل بلا جبهة داخلية بسبب قيادته الرعناء التي تقف في جانب معادات الشعب ورغباته، وتطلعاته ، وثورته. قبل الخوض في مغامرات خارجية لا تملكون لها العِدة ، والعتاد تصالحوا مع شعبكم الذي يدفع اجوركم ويدفع ثمن آلاتكم ، ومعداتكم من رباط البوت الي الطيارة. تواضعوا وقولوا لنا من قتل ابناء الشعب "ابو دم غالي" امام بوابات القيادة، وتحت اسوارها؟ . قولوا لنا من قتل ابناءنا في الشوارع منذ الإنقلاب الذي سميتموه بتصحيح المسار زوراً ، وبهتاناً؟ . الهروب من مشكلات الداخل ، يمنعكم من إستدرار العواطف ، وإلهاء الناس بمعارك خارجية عبثية نعرف لصالح من تعمل. نعم اثيوبيا اخطأت ، لدرجة ترقى الي جريمة الحرب ، فأنتم لستم بالرجال الذين نعتمد عليهم لرد الحقوق ، والكرامة، والثأر . ثوروا لكرامتكم ، وتحرروا من الضعف ، والخوف ، وتصالحوا مع شعبكم بالحقيقة ، فإنه هو الملاذ ، والمصير. كسرة .. * هل تعلم يا نبيل بأن من إكتشف مذبحة ماي لي في فيتنام التي ارتكبها جنود في الجيش الامريكي هو صحفي امريكي ، ولم يجرؤ احد بأن يصفه بالعمالة ، وخيانة وطنه ، وجيش بلاده؟ . * هل تعلم يا نبيل ان من إكتشف جريمة سجن ابو غريب ايضاً صحفي امريكي ، ولم يصفه احد بالعمالة ، وخيانة جيشه ، ودولته؟ . * هل تعلم يا نبيل بان من إكتشف جريمة دنشواي في مصر صحفي يتبع لجيش الإحتلال ، ولم يصفه احد بالعمالة ، والإرتزاق ، والخيانة ؟ . تعلم لماذا ؟ لانهم حطموا كل الاصنام ، وازالوا غشاوة الخطوط الحمراء ، والرمادية ، وتحرروا من الوهم ، والعبودية. [email protected]