الهلال يفتتح الجولة الأولى لابطال افريقيا بروندا ويختتم الثانيه بالكونغو    نزار العقيلي: (كلام عجيب يا دبيب)    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    (25) دولة تدين بشدة الفظائع وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في السودان على يد ميليشيا الدعم السريع    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقول نفط في العراق نشرت السرطان كالانفلونزا
تحت سماء مسمومة
نشر في الراكوبة يوم 04 - 10 - 2022


* جيس كيلي وأوين بينيل وإيسمي ستالارد
* بي بي سي
قبل ساعة واحدة
التعليق على الصورة،
والد فاطمة وشقيقتها يشاهدان الدخان السام المنبعث من التوهجات بالقرب من منزلهما.
كشف تحقيق أجراه فريق بي بي سي عربي أن المجتمعات التي تعيش قرب حقول النفط، حيث يحرق الغاز في الهواء الطلق، معرضة لخطر الإصابة بسرطان الدم.
وقالت الأمم المتحدة لبي بي سي إنها تعتبر مثل هذه الأماكن في العراق "مناطق لتقديم القرابين (البشرية) في العصر الحديث" حيث تعطى الأولوية فيها للربح بدلاً من احترام حقوق الإنسان.
وتعمل كل من شركة بريتيش بتروليوم (BP) وشركة إيني الإيطاليّة (Eni) النفطيتان الكبيرتان في هذه المواقع.
والمقصود بهذه العملية الحرق "العبثي" للغاز المنبعث عند التنقيب عن النفط، والذي ينتج ملوثات مرتبطة بالسرطان.
وعلى مشارف مدينة البصرة جنوب شرقي العراق، يقع عدد من أكبر مناطق التنقيب عن النفط في البلاد، وتعتبر الغازات المشتعلة من هذه المواقع خطيرة لأنه ينبعث منها مزيج قوي من ثاني أكسيد الكربون والميثان والسخام الأسود الملوّث للغاية.
يحظر القانون العراقي، لأسباب صحية، حرق الغاز على بعد ستة أميال من منازل السكان، لكننا وجدنا بلدات يحرق الغاز فيها على بعد أقل من ميلين من البيوت.
تدرك الحكومة العراقية الآثار التي يمكن أن تترتب على حرق الغاز؛ إذ اطلع فريق بي بي سي عربي على تقرير مسرب لوزارة الصحة العراقية، يحمّل تلوث الهواء مسؤولية ارتفاع الإصابة بأمراض السرطان بنسبة تصل إلى 20 في المئة في البصرة وذلك بين عامي 2015 و 2018.
وكجزء من هذا التحقيق، أجرت بي بي سي أول اختبار لرصد التلوث في المجتمعات المعرضة للخطر، وأشارت النتائج إلى مستويات عالية من التعرض للمواد الكيميائية المسببة للسرطان.
وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية، وجد فريق العمل أن حقل الرميلة، وهو أكبر حقول النفط في البصرة، يتسبب بحرق الغاز أكثر من أي موقع آخر في العالم. وهذا الحقل ملك للحكومة العراقية، وشركة بريتيش بتروليوم (BP) هي المقاول الرئيسي فيه.
في هذا الحقل توجد مدينة تسمى "شمال الرميلة" لكن السكان المحليين يسمّونها "المقبرة". توصّل مراهقون لهذه العبارة بعد أن لاحظوا مستويات عالية من حالات سرطان الدم لدى أصدقائهم، والتي يشتبه في أن يكون سببها اشتعال الغاز.
أخبرنا عالم البيئة المحلي، البروفيسور شكري الحسن، أن السرطان هناك منتشر لدرجة أنه أصبح "مثل الإنفلونزا".
عام 2021، التقينا بعلي حسين جلود (19 عاما)، وهو من سكان شمال الرميلة، وأحد الناجين من سرطان الدم في مرحلة الطفولة.
ور ُفض السماح بالتصوير في الرميلة لبي بي سي، لذلك وثّق علي حياته من الداخل.
صدر الصورة، Jess Kelly/BBC
التعليق على الصورة،
اتصل علي حسين بشركة بريتيش بتروليوم BP في أربع مناسبات مختلفة للحصول على تعويض عن التلوث.
يرينا عليّ مقاطع فيديو على هاتفه الجوال تظهر مدرسته الابتدائية مع دخان المشاعل متصاعدة خلفها، وبسبب ذلك اضطر علي إلى ترك المدرسة عندما كان عمره 14 عاما للخضوع للعلاج.
يروي لنا أنه في أحد الأيام، وهو في طريقه إلى المستشفى بعد سنوات من العلاج الكيميائي، قال لوالده: "انتهى الأمر بالنسبة لي يا أبي. أرجوك أن تودع أمي بدلا عنّي".
يمسح والده الدموع عند ذكر هذه الحادثة.
لكن علي الآن في مرحلة التعافي، كما أخبرنا أنه طلب من شركة بريتيش بتروليوم تعويضا، باعتبارها المقاول الرئيسي في حقل النفط، لكن طلبه قوبل بالصمت.
لم ينج العديد من الأطفال في القرى المجاورة بعد تشخيصهم بالسرطان.
التعليق على الصورة،
الدكتور صالح يواسي فاطمة فالح نجم البالغة من العمر 13 عاما أثناء علاجها من سرطان الدم.
عاشت فاطمة فلاح نجم على بعد 25 ميلا (40 كم) من منزل علي في حقل الزبير النفطي، مع والديها وأشقائها الستة.
وشركة إيني، شركة النفط الإيطالية الكبرى، هي المقاول الرئيسي في حقل الزبير.
شخصت فاطمة في سن الحادية عشرة عاما بنوع من سرطان الدم والعظام يسمى بسرطان الدم الليمفاوي الحاد، والتعرض للبنزين، الموجود في الغازات المشتعلة، يمكن أن يزيد من خطر إصابة الأشخاص بهذه الحالة.
باستطاعتنا أن نرى من منزل فاطمة التوهجات التي تشتعل بشكل مستمر تقريبا؛ إذ تقع أقرب المشاعل على بعد 1.6 ميل فقط (2.6 كم) من منزل العائلة.
رسمت فاطمة "النيران النارية" التي أحاطت بمنزلها أثناء وجودها في المستشفى؛ أخبرتنا أنها استمتعت بمشاهدتها ليلا إذ أصبح ذاك الأمر طبيعيا بالنسبة لها.
لكن بالنسبة لوالدها، كانت مشاهدتها وهي تمرض تشبه "اشتعال النيران دون أن أتمكن من إطفائها".
في العام الماضي، تمكن الأطباء من تأمين عملية زرع نخاع عظمي لفاطمة خارج البلاد، ولكنها كانت مريضة جدا وغير قادرة على السفر.
توفيت فاطمة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وكانت في الثالثة عشرة من عمرها.
ويظهر تقرير وزارة الصحة العراقية أن الحكومة على دراية بالقضايا الصحية في تلك المناطق، لكن رئيس الوزراء العراقي نفسه أصدر أمرا سريا، اطلع عليه قسم بي بي سي نيوز عربي، يحظر فيه على الموظفين التحدث عن الأضرار الصحية الناجمة عن التلوث.
وقال لنا ديفيد بويد، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة، إن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط هم "ضحايا التواطؤ بين الدولة والشركات، ويفتقرون في معظم الحالات إلى السلطة السياسية لتحقيق التغيير".
وقال علي حسين، أحد الناجين من سرطان الدم : "هنا في الرميلة لا أحد يتحدث، إذ يقولون إنهم خائفون من التحدث خوفا من أن يطردوا".
وحتى الآن منع باحثون صحيون من دخول حقول النفط لإجراء اختبارات حول جودة الهواء.
لذلك عمل قسم بي بي سي عربي مع خبراء في مجال البيئة والصحة لإجراء أول رصد مستقل للتلوث في المجتمعات التي تعيش بالقرب من الحقول النفطية.
واختبرت المواد الكيميائية المسببة للسرطان والمنبعثة من حرق الغاز على مدى أسبوعين، وأشارت اختبارات الهواء التي أجريت في خمسة مجتمعات محلية إلى أن مستويات البنزين، المرتبطة بسرطان الدم وغيره من اضطرابات الدم، وصلت إلى الحد الوطني للعراق أو تجاوزته في أربعة أماكن على الأقل.
كما أشارت عينات البول، التي جمعت من 52 طفلا، إلى أن 70 في المئة منهم لديهم مستويات مرتفعة من مادة 2 نفثول (2-Naphthhol)، وهي أحد أشكال مادة النفثالين التي يحتمل أن تسبب السرطان.
وقالت الدكتورة، مانويلا أورجويلا جريم، أستاذة سرطان الأطفال في جامعة كولومبيا: " إن لدى الأطفال مستويات عالية منها.. وهذا الأمر مدعاة قلق ويعني أنه تجب مراقبتهم عن كثب".
التعليق على الصورة،
البروفيسور شكري يجمع عينات بول من الأطفال الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط في البصرة.
وعرضت بي بي سي هذه النتائج على وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار إسماعيل. وقال لنا: "أوعزنا إلى جميع الشركات المتعاقد معها والعاملة في حقول النفط بالالتزام بالمعايير الدولية".
طلبت بي بي سي شركتي بريتيش بيتروليوم وإيني الرد على تحقيقها.
فقالت إيني (ENI) إنها "ترفض بشدة أي ادعاء بأن أنشطتها تعرّض صحة الشعب العراقي للخطر".
في حين قالت شركة (BP): "نحن قلقون للغاية من القضايا التي أثارتها بي بي سي ، وسننظر في هذه المخاوف على الفور".
تحت سماء مسمومة
كشف عن التأثير القاتل لتلوث الهواء السام لعمالقة النفط على الأطفال والكوكب في هذا التحقيق الذي أجراه قسم بي بي سي نيوز عربي من الخط الأمامي لرصد تغير المناخ في العراق.
يمكن مشاهدة الفيلم الوثائقي الآن على BBC iPlayer (في المملكة المتحدة فقط) ودوليا على موقع بي بي سي الالكتروني.
التعليق على الصورة،
والد فاطمة وشقيقتها يشاهدان الدخان السام المنبعث من التوهجات بالقرب من منزلهما.
كشف تحقيق أجراه فريق بي بي سي عربي أن المجتمعات التي تعيش قرب حقول النفط، حيث يُحرق الغاز في الهواء الطلق، معرضة لخطر الإصابة بسرطان الدم.
وقالت الأمم المتحدة لبي بي سي إنها تعتبر مثل هذه الأماكن في العراق "مناطق في العصر الحديث لتقديم القرابين (البشرية)" حيث تعطى الأولوية فيها للربح بدلاً من احترام حقوق الإنسان.
وتعمل كل من شركة بريتيش بتروليوم (BP) وشركة إيني الإيطاليّة (Eni) النفطيتان الكبيرتان في هذه المواقع.
والمقصود بهذه العملية الحرق "العبثي" للغاز المنبعث عند التنقيب عن النفط، والذي ينتج ملوثات مرتبطة بالسرطان.
وعلى مشارف مدينة البصرة جنوب شرقي العراق، يقع عدد من أكبر مناطق التنقيب عن النفط في البلاد، وتعتبر الغازات المشتعلة من هذه المواقع خطيرة لأنه ينبعث منها مزيج قوي من ثاني أكسيد الكربون والميثان والسخام الأسود الملوّث للغاية.
يحظر القانون العراقي، لأسباب صحية، حرق الغاز على بعد ستة أميال من منازل السكان، لكننا وجدنا بلدات يحرق الغاز فيها على بعد أقل من ميلين من البيوت.
تدرك الحكومة العراقية الآثار التي يمكن أن تترتب على حرق الغاز؛ إذ اطلع فريق بي بي سي عربي على تقرير مسرب لوزارة الصحة العراقية، يحمّل تلوث الهواء مسؤولية ارتفاع الإصابة بأمراض السرطان بنسبة تصل إلى 20 في المئة في البصرة وذلك بين عامي 2015 و2018.
وكجزء من هذا التحقيق، أجرت بي بي سي أول اختبار لرصد التلوث في المجتمعات المعرضة للخطر، وأشارت النتائج إلى مستويات عالية من التعرض للمواد الكيميائية المسببة للسرطان.
وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية، وجد فريق العمل أن حقل الرميلة، وهو أكبر حقول النفط في البصرة، يتسبب بحرق الغاز أكثر من أي موقع آخر في العالم. وهذا الحقل ملك للحكومة العراقية، وشركة بريتيش بتروليوم (BP) هي المقاول الرئيسي فيه.
في هذا الحقل توجد مدينة تسمى "شمال الرميلة" لكن السكان المحليين يسمونها "المقبرة". توصل مراهقون لهذه العبارة بعد أن لاحظوا مستويات عالية من حالات سرطان الدم لدى أصدقائهم، والتي يشتبه في أن يكون سببها اشتعال الغاز.
أخبرنا عالم البيئة المحلي، البروفيسور شكري الحسن، أن السرطان هناك منتشر لدرجة أنه أصبح "مثل الإنفلونزا".
عام 2021، التقينا بعلي حسين جلود (19 عاما)، وهو من سكان شمال الرميلة، وأحد الناجين من سرطان الدم في مرحلة الطفولة.
ورُفض السماح بالتصوير في الرميلة لبي بي سي، لذلك وثّق علي حياته من الداخل.
صدر الصورة، Jess Kelly/BBC
التعليق على الصورة،
اتصل علي حسين بشركة بريتيش بتروليوم BP في أربع مناسبات مختلفة للحصول على تعويض عن التلوث.
يرينا علي مقاطع فيديو على هاتفه الجوال تظهر مدرسته الابتدائية مع دخان المشاعل متصاعدة خلفها، وبسبب ذلك اضطر علي إلى ترك المدرسة عندما كان عمره 14 عاما للخضوع للعلاج.
يروي لنا أنه في أحد الأيام، وهو في طريقه إلى المستشفى بعد سنوات من العلاج الكيميائي، قال لوالده: "انتهى الأمر بالنسبة لي يا أبي. أرجوك أن تودع أمي بدلا عني".
يمسح والده الدموع عند ذكر هذه الحادثة.
لكن علي الآن في مرحلة التعافي، كما أخبرنا أنه طلب من شركة بريتيش بتروليوم تعويضا، باعتبارها المقاول الرئيسي في حقل النفط، لكن طلبه قوبل بالصمت.
لم ينج العديد من الأطفال في القرى المجاورة بعد تشخيصهم بالسرطان.
التعليق على الصورة،
الدكتور صالح يواسي فاطمة فالح نجم البالغة من العمر 13 عاما أثناء علاجها من سرطان الدم.
عاشت فاطمة فلاح نجم على بعد 25 ميلا (40 كم) من منزل علي في حقل الزبير النفطي، مع والديها وأشقائها الستة.
وشركة إيني، شركة النفط الإيطالية الكبرى، هي المقاول الرئيسي في حقل الزبير.
شخصت فاطمة في سن الحادية عشرة عاما بنوع من سرطان الدم والعظام يسمى بسرطان الدم الليمفاوي الحاد، والتعرض للبنزين، الموجود في الغازات المشتعلة، يمكن أن يزيد من خطر إصابة الأشخاص بهذه الحالة.
باستطاعتنا أن نرى من منزل فاطمة التوهجات التي تشتعل بشكل مستمر تقريبا؛ إذ تقع أقرب المشاعل على بعد 1.6 ميل فقط (2.6 كم) من منزل العائلة.
رسمت فاطمة "اللهبان النارية" التي أحاطت بمنزلها أثناء وجودها في المستشفى؛ أخبرتنا أنها استمتعت بمشاهدتها ليلا إذ أصبح ذاك الأمر طبيعيا بالنسبة لها.
لكن بالنسبة لوالدها، كانت مشاهدتها وهي تمرض تشبه "اشتعال النيران دون أن أتمكن من إطفائها".
في العام الماضي، تمكن الأطباء من تأمين عملية زرع نخاع عظمي لفاطمة خارج البلاد، ولكنها كانت مريضة جدا وغير قادرة على السفر.
توفيت فاطمة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وكانت في الثالثة عشرة من عمرها.
ويظهر تقرير وزارة الصحة العراقية أن الحكومة على دراية بالقضايا الصحية في تلك المناطق، لكن رئيس الوزراء العراقي نفسه أصدر أمرا سريا، اطلع عليه قسم بي بي سي عربي، يحظر فيه على الموظفين التحدث عن الأضرار الصحية الناجمة عن التلوث.
وقال لنا ديفيد بويد، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة، إن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط هم "ضحايا التواطؤ بين الدولة والشركات، ويفتقرون في معظم الحالات إلى السلطة السياسية لتحقيق التغيير".
وقال علي حسين، أحد الناجين من سرطان الدم: "هنا في الرميلة لا أحد يتحدث، إذ يقولون إنهم خائفون من التحدث خوفا من أن يطردوا".
وحتى الآن مُنع باحثون صحيون من دخول حقول النفط لإجراء اختبارات حول جودة الهواء.
لذلك عمل قسم بي بي سي عربي مع خبراء في مجال البيئة والصحة لإجراء أول رصد مستقل للتلوث في المجتمعات التي تعيش بالقرب من الحقول النفطية.
واختبرت المواد الكيميائية المسببة للسرطان والمنبعثة من حرق الغاز على مدى أسبوعين، وأشارت اختبارات الهواء التي أجريت في خمسة مجتمعات محلية إلى أن مستويات البنزين، المرتبطة بسرطان الدم وغيره من اضطرابات الدم، وصلت إلى الحد الوطني للعراق أو تجاوزته في أربعة أماكن على الأقل.
كما أشارت عينات البول، التي جمعت من 52 طفلا، إلى أن 70 في المئة منهم لديهم مستويات مرتفعة من مادة بيتا نافثول (2-Naphthhol)، وهي أحد أشكال مادة النفثالين التي يحتمل أن تسبب السرطان.
وقالت الدكتورة مانويلا أورجويلا جريم أستاذة سرطان الأطفال في جامعة كولومبيا: "إن لدى الأطفال مستويات عالية منها… وهذا الأمر مدعاة قلق ويعني أنه تجب مراقبتهم عن كثب".
التعليق على الصورة،
البروفيسور شكري يجمع عينات بول من الأطفال الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط في البصرة.
وعرضت بي بي سي هذه النتائج على وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار إسماعيل. وقال لنا: "أوعزنا إلى جميع الشركات المتعاقد معها والعاملة في حقول النفط بالالتزام بالمعايير الدولية".
طلبت بي بي سي من شركتي بريتيش بيتروليوم وإيني الرد على تحقيقها.
فقالت إيني (ENI) إنها "ترفض بشدة أي ادعاء بأن أنشطتها تعرض صحة الشعب العراقي للخطر".
في حين قالت شركة (BP): "نحن قلقون للغاية من القضايا التي أثارتها بي بي سي، وسننظر في هذه المخاوف على الفور".
تحت سماء مسمومة
التأثير القاتل لتلوث الهواء السام لعمالقة النفط على الأطفال والكوكب تم كشفه ضمن التحقيق الذي أجراه قسم بي بي سي نيوز عربي من الخط الأمامي لرصد تغير المناخ في العراق.
يمكن مشاهدة الفيلم الوثائقي الآن على موقع بي بي سي الإلكتروني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.