الثلاثون من اكتوبر 2022م والشوارع مازالت عند وعدها ، والجماهير مازالت تفرض ارادتها على سلطة اللجنة الامنية للإنقاذ ، وتلقنها دروسا في فن الاحتجاج طويل النفس ، الشاخص حول نصر قادم لا محالة . عادت المسيرات التي يستعصي احصاء عدد المشاركين فيها ، والتمدد الجغرافي الواسع لدائرة المشاركة . خرجت الخرطوم ومدني والدويم وبورتسودان وكوستي وكسلا والقضارف وسنجةوكريمة والمناقل وابو حجار ودنقلا والدبة والفاشر ونيالا والبرقيق، وربما مناطق اخرى استعصت علي الحصر . لتقول ان هنالك شارع واحد رافض للتسوية وشراكة الدم مع العسكر ، ولتؤكد أن محاولة صناعة شارع في مواجهة الشارع السوداني التي بداتها السلطة المعزولة يوم أمس فكانت وبالا عليها ، محاولة مصيرها الفشل ليس من حيث العدد و اتساع دائرة المشاركة ، بل من حيث نوعية القوى التي تتملك الشوارع أيضاً و طبيعتها ونوعية مشروعها . فالشارع الثوري جذري بطبيعته ، مؤمن بقضيته ، موحد في شعاراته ، واضح في اهدافه ، مثابر في خروجه وصامد في مواجهة قمع السلطة ، ومبادر في الخروج لمواصلة العمل بجد من اجل اسقاط السلطة وبناء دولته المدنية الإنتقالية ، لتحقيق الحرية والسلام والعدالة . وهو ليس ضد سلطة التشكيل العصابي الانقلابي الحاكم فقط ، بل ضد من يسعى الى الاتفاق معه على تسوية وشراكة تسمح بإستمراره في السلطة وافلاته من العقاب. وهو يعلم أن العصابة الحاكمة ، وجودها بأي شكل من الاشكال في السلطة وإن من وراء حجاب لحكومة شبه مدنية ل(قحت) ، يعني استمرار قبضة رأس المال الطفيلي ، واهدار دماء الشهداء العظام ، واستحالة تفكيك دولة التمكين وبناء دولة كل المواطنين. فالشارع لا يهدد سلطة العصابة بالسقوط فقط ، بل يمنع التيار التسووي الذي يمد لها الحبل لانقاذها من الغرق من انقاذها ، ويكرهه على الكذب والمراوغة ويفشل تآمره مع الدول الاستعمارية والاقليمية لبيع ثورة شعبنا العظيم للعدو المتمثل في العصابة الحاكمة المرتبطة بالمحاور الاقليمية. وهي عصابة خاضعة للابتزاز الآن من المجتمع الدولي ، لأنها وضعت نفسها حيث يريدها هو كما فعل المخلوع البشير تماماً ، عبر ارتكابها لجريمة فض الاعتصام ، ومواصلتها القمع المفرط للثوار ، الذي ادى حتى الان لاستشهاد اكثر من مائة شهيد وإصابة آلاف المصابين . وجميع ما قامت به جرائم ضد الانسانية ، لا تتقادم ولا يجوز فيها العفو . فهي ليست جرائم قتل عادية تسقط بتنازل اولياء الدم ، او يصدر فيها عفو عام من سلطة تشريعية او خاص من رئيس سلطة تنفيذية ، ولا هي جرائم يصلح فيها العفو في القانون الدولي لرفض المحاكم الدولية الاعتراف بالاتفاقيات التي تعفو عن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية . بل ان الاممالمتحدة نفسها ، رفضت اتفاق لومي الخاص بسيراليون لأنه تضمن عفوا ، وشاركت في تاسيس المحكمة التي حاكمت الجناة . فالعفو الذي يبحث عنه اعضاء العصابة بعد أن اجبروا تحت الابتزاز لقبول مشروع الدستور المنسوب للجنة تسيير نقابة المحامين ليحكموا من وراء حجاب ، لا يمكن ان يمنحهم الفرصة للافلات من العقاب ، الا بتواطؤ المجتمع الدولي ومخالفته للقانون الدولي . بحيث يمتنع عن احالة المجرمين في العصابة الى المحكمة الجنائية الدولية كسلفهم المخلوع ، او يمتنع عن تكوين محكمة جنائية خاصة لهم ، ويقبل العفو عنهم دون يأتي هذا العفو في إطار عدالة انتقالية اركانها الاربعة مكتملة. فالعدالة الانتقالية اضلاعها الاربعة تشمل التحقيق والمحاسبة عبر تقديم المجرمين لمحاكمات عادلة ، والافصاح عن الحقيقة وتمليك المعلومات ، وتعويض الضحايا مع منع تكرار حدوث الجرائم بإبعاد من ارتكبوها من مواقع السلطة التي تسمح لهم بإعادة ارتكابها . وبكل تأكيد هذه الاضلاع يستحيل توفرها في حال قيام (قحت) بالدخول في تسوية تسمح للعصابة بالحكم من وراء حجاب والافلات من العقاب . والغريب هو اصرار العساكر اعضاء هذه العصابة على منحهم الحصانة من المحاسبة في قصر نظر واضح. فإذا كانوا ضامنين للانفراد بالجيش والاجهزة الامنية ، والسيطرة على السلطة عبر مجلس الامن والدفاع ، وتحويل العدالة للجان شبيهة بلجنة نبيل اديب حسب نصوص مشروع الدستور أساس التسوية ، ما الداعي للنص على الحصانة في الاتفاق ومشروع الدستور . التسوية ودستورها ضمنا لهم سيطرة شاملة لا تحتاج لحصانة ، هم بإمكانهم فرضها على الحكومة المدنية المزعومة في كل الأحوال . لكن يبدو أنهم يحتاجون لضمانات اكبر ، خوفا من ان يغدر بهم المجتمع الدولي (الدول الاستعمارية والاقليمية الملتحقة بركابها) مستقبلا ، لأن (قحت) اضعف من ان تفعل ذلك وتجربتهم معها واضحة. عموما الشارع اكد اليوم ما هو مؤكد ، واسمع من به صمم ، بأنه ليس هنالك شارع غير شارع الثورة ، وليس هنالك جهة تستطيع ان تفرض تسوية وشراكة دم جديدة عليه ، ولن يسمح بالافلات من العقاب ، فهل تتعظ (قحت) وتعود الى صوابها ؟ نتمنى ذلك ولكننا لا نعول عليه ، بل نعول على مسير الشوارع التي لا تخون . و قوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! .