*في مونديال قطر ؛ اتفق العرب على أن يتفقوا* إنه مونديال العجائب حقا ، ما كان فيه لم يحدث قط من قبل، وربما لن يحدث أبدا. فقد اُفتتِح مونديال قطر باسم الله ، وبآيات من القرآن الكريم، واختُتِم ببشت عربي ، توشَّح به كابتن الفريق الفائز ، اُفتتِح مونديال قطر بالاعتداد بالانتماء الديني ، واختتم بالاعتزاز بالانتماء العربي. في مونديال قطر غاب التحرش ، واختفت الجريمة ، وحُفظت الحرمات ورُوعيت الكرامات ، ومُنع كل سلوك خارج عن الفطرة ، وحُرِّم كل فعل خادش للحياء ، مُنعت شعارات المثليين ، وخاب وخسر من رفعها ؛ لأنه وجد صدا واستهجانا من الجميع ، ومنعت الخمور في الملاعب ، فعاش النساء أكثر مونديال آمن ؛ فرعى الحمل مع الذئب ، وسارت الظعينة آمنة مطمئنة لا تخاف إلا الله. في مونديال قطر اتحد العرب تحت راية الدول العربية المشاركة ؛ فتجد العرب صفا واحدا خلف المنتخبات العربية التي تلعب ، فوجدت منتخبات السعودية وقطروتونس والمغرب تشجيعا ودعما من جميع الجمهور العربي. وحينما تأهل المغرب لدور الأربعة انضوت الدول العربية كلها تحت راية المنتخب المغربي ، وتلفحت بعَلَمه ، وأعلت شعاره ؛ فكانت "الدوحة" دوحة ظليلة ، بسقت فروعها ، واستطالت أغصانها ، فظللت الجميع بظلها. في مونديال قطر ، ما فرقته السياسة جمعته الرياضة ، إذن هذه الأمة فيها خير إن صلحت النية ، وصدق العزم. في مونديال قطر كانت فلسطين حاضرة في جميع الفعاليات ، وفازت بكأس العالم قبل أن تفوز به الأرجنتين. في مونديال قطر عرف العرب طعم الانتصار ، فقد أذلت السعودية الأرجنتين بطل العالم ، وسحقت تونسفرنسا، واكتسحت المغرب محتلي الأندلس من إسبانيا والبرتغال.. في مونديال قطر تجد الهوية الإسلامية حيث اتجهت ، وتلحظ الهوية العربية أنَّى تلفت. في مونديال قطر غابت العبارة المسكوكة القديمة : "اتفق العرب على ألا يتفقوا"، فاتفقوا فعلا ، ووُحِّدت كلمتهم. في مونديال قطر حضر اللاعبون بعائلاتهم ، واحتفلوا مع أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم. في مونديال قطر كان رؤساء الدول الأوربية يجلسون آمنين مطمئنين ، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وينزلون أرضية الملعب ، وهم لا يستطيعون فعل ذلك في دولهم مخافة أن يُضربوا "بالكف" أو يُرشقوا بالبيض الفاسد ، والطماطم المنتنة. في مونديال قطر استمتع الجميع بمشاهدة عدد مقدر من مباريات كأس العالم- في منازلهم- بكرم قطري حاتمي ، لا سابق له ، حينما كان الناس يُحرمون من المشاهدة إلا بعد الاشتراك. نجحت قطر ليس لأنها من أهل الدثور ، وكونها دولة غنية ، تمتلك المال الوفير. نجحت قطر ؛ لأنها خططت ، واستفادت من كل الخبرات ، وتوقعت كل الاحتمالات ، ووضعتها في حسابها ، وأعدت خططا بديلة. نجحت قطر لأنها لم تلتفت للمثبطين والمخذلين ، وتحدت نفسها قبل أن تتحدى جميع الرهانات التي توقعت فشلها ، والتي سقطت مع حفل الافتتاح واستمر سقوطها تباعا إلى حفل الختام. لقد أتعبت قطر من بعدها ، فإشفاقي الكبير على منظمي المونديالات اللاحقة ، كيف يستطيعون أن يلحقوا ركب قطر في جودة التنظيم ، وبهاء الإعداد ، فقد كان تنظيما ليس فيه ولا غلطة واحدة ، ولم تَشُبْهُ ولا شائبة ، كل شيء كان مرتَّبًا وموقَّعًا ومنغَّمًا ، كل شيء حدث كما ينبغي ، إنها دروس في التخطيط ينبغي أن يستفيد منها الجميع.