الإقليم المنسى لعنة الموارد أم نهبها؟ المسار الوحيد لحل مشكلة الشرق يمر عبر وحدة اهله قضية الشرق يحلها اصحاب المصلحة الحقيقيين لا مناص من طىء صفحة الخلافات للمساهمة فى اعادة هيكلة الدولة لابد من انعقاد مؤتمر قضايا شرق السودان _____ *كزهرة الربيع رائع فى صفوه وفى انفعاله تهتاج ثورة انتحار وداعة الحملان فى سكونها شظية انفجار من قصيدة فيزى ويزى لعلنى وانا ابتدر المقال بابيات من قصيدة شاعر الامبراطورية البريطانية روديارد كيبلنج المشهورة الفيزى ويزى التى يصف فيها شجاعة المقاتل البجاوى فى معركة تاماى التى دخلت تاريخ البسالة والجرأة والاقدام على امتداد التاريخ البشرى انتقيت تحديدا من تلك القصيدة ما يشير إلى طبيعة البجاوى وفى تقديرى أن الرجل عايش البجاوى واقترب منه كثيرا فتلك سمات خبرناها بحكم معايشة طويلة "فالادروب" كما عرف فى المصطلح الشعبى المتداول هو بحق مجبول على نقاء الدواخل مفطور على بياض السريرة مترع بمحبة الاخر ممراح وقاد الذهن حاضر البديهة وفى الوقت نفسه شرس ومقدام غير هياب ولا وجل. انتقيت تلك الأبيات التى رسمت بالكلمات صورة انسان الشرق ذلك الإقليم المنسى لعهود تطاولت وفى الذهن يترأى خاطر ترى هل تلك السمات هى احدى مسببات تلك الأزمة التى عصفت وما انفكت بشرق السودان؟ لعلك تلك السمات تراها مجسدة لو تأملت شخصية الشاعر الباذخ الادروب الاسمر ابو امنة حامد التى تبدو فى شعره الذى يعبر عن دواخله فهو بمثلما بدأ رقيقا مترع العاطفة جياشها فى قوله: يا حبيبى كلما قلبى المغرم احتمى بك وانزاح ملهما عاد كأس بلا حبب هو نفسه عاد ليس كما كأس الحب الطاغى بل قوة وصلابة وهو يقول ما نسيناك جاى تعمل ايه معانا بعدما بدلتنا ما سقيناك احلى ما فى عمرنا من عواطف وما سليناك جاى تعمل ايه؟ انك أن تخيلت الصورة الذهنية لهذا الموقف ترى الحسم والقدرة العجيبة على مغالبة النفس و"القطع ناشف" فى أبهى تجلياتها انك تلمح هنا ذات الشخصية التى ابدع وصفها الشاعر الانجليزى التى ابتدرت بها المقال . هذه السمات التى لا يسبر اغوارها العميقة إلا من عايشها والتصق بها التصاقا حميما وهى التى تشكل محددات السلوك وليس من شكل للبجاوى صورة ذهنية من خلال مخيلة شعبية وطفق يبحث عن حل قضايا الشرق فى ردهات الصوالين والقاعات المترفة وورش الكلام "الفاضى وخمج" على قول الشاعر التى يحشد لها المنظمون "الدوبليرات" ممن استمرأوا ارتياد كل الفعاليات. صحيح أن الشرق يعانى من افرازات ضعف التنمية البشرية إلا أنه وبالمقابل يتميز بكوادر نوعية ذات كفاءة وتاهيل عاليين فى مختلف المجالات وبالطبع هم اقدر على إيجاد حلول ناجعة لمشاكل اهلهم ومناطق. هذا الإقليم المنسى الذى يرزح تحت الثالوث حتى الآن بسبب تداعيات انعدام التنمية المتوازنة على الرغم مما يذخر به من موارد سيظل كعب اخيل الذى ينسف اى استقرار ما لم "ندع العيش لخبازه" لقد أتاحت ثورة ديسمبر المظفرة فرصة ثمينة لإعادة تاسيس الدولة السودانية ومعالجة الظلامات التاريخية الناجمة عن إشكاليات انعدام التنمية المتوازنة فدخلت أغلب أقاليم السودان اللعبة وانخرطت فى فى هذه العملية إلا أن الإقليم الشرقى ولأسباب متعددة اتخذ موقفا مغايرا من العملية الجارية ومع الإيمان المطلق بتلك الاسباب إلا أن التقدير ان هكذا موقف سيضر بقضية الشرق أكثر مما يفيدها وسيجعل كل التضحيات التى قدمت لأجل القضية البجاوية تذهب هدرا. أننا نعتقد أنه ليس من مصلحة الشرق الاكتفاء بالموقف السالب المنطلق من الرفض المبدئي لكل ما يطرح بل ينبغي أن يتفاعل اهل الشرق بلا استثناء مع الجهود الجارية لإعادة تأسيس الدولة السودانية . دون الأيغال فى جفاف الارقام للتدليل على هذه المأساة الإنسانية وبلا افاضة فى تلك الصورة فإنه من المؤكد أن من بين تلك المأساة أن الموارد الضخمة التى يتمتع بها الإقليم يذهب جل عائدها إلى محفظة قومية لا ينال منها اهل الإقليم إلا الفتات. مؤكد أن توزيع الثروة يرتبط وثيقا بملف السلطة واعنى السلطة الحقيقية وفقا لنظام فيدرالي حقيقى وليس منزوع الدسم كما هو الحال الآن. فى الاونة الأخيرة تجاوزت مسألة ضعف نصيب الإقليم من موارده إلى ما هو أسوأ فبدأ أن الإقليم اصيب بلعنة الموارد فبات نهبا لحملة شرسة لنهب موارده التى هى موارد للبلاد ككل من خلال مشاريع للشركات عابرة للقارات ووكلاءها من رأس المال الطفيلى فى السودان . هذا المشروع الذى يهدف إلى الاستحواز على موارد الإقليم جر عليه نزاعات مفتعلة بين السكان الاصليين القت بظلالها على السلم الاجتماعى والتعايش الذى ظل احد أبرز سمات مجتمع الإقليم تاريخيا . هذه النزاعات التى تقف وراها عدة جهات مستخدمة ذات المنهج المعلوم فى إثارة القلاقل الاجتماعية عمقت من الأزمة ولعل المتابع عن قرب للمشهد يلحظ بوضوح أنه وعلى وبالرغم من أن القضية ليست عصية على الحل إلا أن المحاولات باءت بالفشل . صحيح أن عدم معرفة طبيعة الشخصية البجاوية كما سلف وجهل أغلب من تصدوا الملف بالحقائق على الأرض والإصرار على فرض رؤى وحلول لا حظ لها من النجاح واتباع منهج الوصاية واقصاء اهل المصلحة الحقيقيين من مكونى البجا عقد من الأزمة إلا أننا لا يمكن أن نغفل الأطراف والإصابع الخارجية الإقليمية فى رسم المشهد المأساوي. فى التقدير أن معركة نهب الموارد معركة وطنية بامتياز ينبغي أن يشارك فيها كل الشعب السودانى والا أن نترك اهل الإقليم كحراس للبوابة الشرقية لوحدهم يجابهون عدو شرس يتربص بهم ليزيدهم فاقة لا املاق ويشعل النار تحت اقدامهم والمطلوب من سكان الإقليم الاصليين إشراك كل قاطنى الإقليم من مختلف القوميات فهذه البلاد تخص كل سكانها. مؤكد ان البلاد الآن تتجه نحو إعادة تأسيس الدولة طال الزمن أو قصر بمعالجة القضايا المركزية التاريخية ومن بينها قضايا شكل الحكم والسلطة والثروة. هذه الفرصة التاريخية التى أفرزتها ثورة ديسمبر المجيدة لا يتأتى لأهلنا فى شرق السودان المشاركة الفاعلة فيها على الأقل لضمان حقوقه الطبيعية ومعالجة تداعيات انعدام التنمية المتوازنة إلا أن استطاعوا معالجة الاختلافات البينية وتقديم أقصى ما يمكن من تنازلات من كل الأطراف وشراء مستقبل انسان الشرق بالماضى. المطلوب من كل الأطراف لجم جواد الخلاف الجامح والاحتكام لصوت العقل وطىء صفحة الاختلافات بكل ابعادها.. ان"المسار" الوحيد الذى يؤدى إلى حل مشكلة الشرق هو طىء الخلافات البينية وفتح صفحة جديدة "فنهاية العالم ليست خلف النافذة" هذا هو شرط اللحاق واستحقاق التأسيسى الوجوبى كذلك المطلوب من الأطراف الأخرى سيما الرسمية عدم تسليم ملف الشرق لجهات لا تدرك خصوصية الإقليم. ينبغي على الجهات الرسمية التعاطي مع ملف شرق السودان بأقصى درجة من الحذر وإبعاد اى عناصر مرفوضة من قبل اهل الشرق سيما تلك التى يرون أنها تسببت فى خلق الأزمة بين مكونى البجا أو صبت الزيت على نار الخلافات. والمطلوب من القوى السياسية التحلى بالنضج وروح المسؤلية الوطنية بعيدا عن المزايدات والصراع لأجل المكاسب الحزبية الضيقة والتصدي للمحاولات الحثيثة من أطراف إقليمية لنهب موارد البلاد . أن كان من ثمة اشارة حرية بعدم أفعالها فهى أن على القوى السياسية عدم التعاطي مع ازمة شرق السودان وفقا المحددات اللعبة السياسية وقوانيها فقط فشرق السودان كمنطقة تعانى تداعيات انعدام التنمية المتوازنة ومن بينها واهمها التنمية البشرية تتداخل فيه السلطة الرسمية مع سلطة الإدارة الأهلية بل ربما كانت الأخيرة هى الأقوى بحكم طبيعة المجتمع فى هذه اللحظة التاريخية و التى لا يمكن القفز فوقها . ليس من الحصافة إقصاء مؤسسة الإدارة الاهلية بل يعد هذا ضربا من المستحيل وليس مقبولا تصنيف الشخصيات العامة فى اقليم يعانى من إشكاليات التنمية البشرية وفقا للقاموس السياسي أو المعايير التى يمكن أن تستخدم فى الفضاء العام والابتعاد عن الانتقائية فى التعامل واستخدام المصطلحات المخادعة من شاكلة فلول واغراق أو اجتزاء مقولات المفكرين بلا سند معرفى . فى التقدير ومن خلال المعايشة ومتابعة عن كثب لملف الشرق أن انعقاد مؤتمر قضايا الشرق هو المنبر القادر على أحداث اختراق وإيجاد حل. لقد فشلت كل المحاولات التى هدفت لحل الأزمة المعقدة لأنها أرادت القفز فوق الواقع ومعالجة الأزمة نظريا على الرغم من الأصوات التى تنادى بضرورة انعقاد المؤتمر. أن انعقاد المؤتمر بعد التحضير الجيد كفيل بمعالجة كل الأسباب التى أدت إلى هذا المشكل سيما أن أغلب أهلنا فى الشرق يتفقون على مرجعيات ووثائق المؤتمر و التى تشمل كل الاتفاقيات السابقة ابتداء من اتفاقية اسمرا وانتهاء بجوبا مرورا بمؤتمر اركويت وسنكات وكل الفعاليات التى تناولت القضية بالتشريح . أننا نرى أنه ينبغي التركيز الآن على التحضير الجيد والدقيق لانعقاد مؤتمر قضايا الشرق .