أقلعت الطائرة بعد ساعات من الموعد المقرر لها ، رغم مساحات وجع الانتظار بين ترقب مشوب بالحذر والخوف لم يكن هناك مجال للثرثرة فهناك الكل يبحث عن محطة الوصول الامنة ينشد السلامة ، يخاف البعض السفر ليلا وربما يخاف من المجهول القادم ولحلكة الظلام رهبته وهيبته ، البعض يتمنى ويدعوا ان تصل الطائرة وتهبط في مطار الوصول بامان في وقتها ، رغم ان وقت الإقلاع كان لايناسب البعض الاخر ، فهناك من لايعجبه العجب ولا الصيام في رجب هم البشر من المستحيل أن يتفقوا جميعا على أمر واحد. ليس غريبا ان تظهر بعض تعابير الخوف في بعض الوجوه المتوترة ، هذه الرحلة تحمل المفاجات ، والكل يتمنى السلامة ، بعض الركاب غاضبون من كابتن الطائرة لان مواعيد الإقلاع تجاوزت الوقت المقرر ، ومنهم من يرى أن الكابتن لاناقة له ولاجمل فهو مأمور وما عليه الا تنفيذ الاوامر. حلقت الطائرة في سماء ملبدة بالغيوم ثم توغلت في ارتفاعات مخيفة ، حجبت السحب الرؤيا دخلت الطائرة في مطبات جوية خطيرة جدا بل قاربت على السقوط تماما ، وفجأة مال الجناح الأيمن إلى أسفل وبدأت فعليا في سقوط نحو الأسفل ومع سقوطها المتوقع انقلبت الطائرة راسا على عقب فأصبح الصراخ هو سيد الموقف ، تعالت الاصوات الخائفة الواجفة المختنقة بل سقط البعض إجبارا لا اختيارا من مقعده ولسان الحال فيهم يقول نريد فقط الوصول إلى الأرض بسلام ، مع الهلع والخوف تناثرت الآمال وغابت الأفكار وتبدل الحال ، وأصبح البكاء والعويل هو المسيطر والكل في وجل بين الخوف والرجاء ، ولكن رحمة الله الواسعة وعنابته القريبة ، وبفضل حنكة الطيار الذي تمكن من اعادة الطائرة الى مسارها الطبيعي واستوت كما كانت وبدات الاصوات تهدا وتستكين للامان ، بعد ذلك الخوف الرهيب واللحظات الفاصلة بين الحياة والموت ، الأنفاس ما زالت تعلو وتهبط ذلك الرعب القاتل مع توتر تملك النفوس الى أقصى درجة قال احد الركاب بصوت مبحوح- هذا الكابتن لايصلح لقيادة هذه الطائرة ..!! . رد عليه احد الركاب في حال توتر -نعم صدقت ولكن ما العمل إذا وهو القائد لهذه الطائرة . وقال اخر- يجب نقف مع هذا الكابتن ونشكره وندعوا له فقد كادت الطائرة ان تسقط ، ولولا لطف الله وكرمه والمجهود الذي بذله هذا الكابتن لهلكنا جميعا واصبحنا في خبر كان . قال آخر- المصيبة لماذا لم يختاروا غيره ؟ هل نذهب ونخرجه من غرفة القيادة؟ استدرك اخر بقوله- سوف تسقط الطائرة بدون الكابتن ولن ينجوا منا أحد ولا أحد يعرف كيف يقودها ويهبط بها الى مطار الوصول بأمان. قال رجل حكيم بينهم – الكابتن يعمل مافي وسعه حتى يخرج الطائرة من هذه المطبات لابد أن نصبر حتى نصل إلى بر الأمان. وقال اخر اذا أخرجنا الكابتن من غرفة القيادة من سيقود هذه الطائرة انه السقوط لامحالة ، اصبروا حتى نصل الى وجهتنا سالمين وبعدها لكل حادث حديث. قال الرجل الحكيم -علينا أن نساعد بعضنا ونقف مع الكابتن ولو بالدعاء حتى يكتب الله لنا النجاة. كسرة الطائرة هنا هي الوطن السودان ، والكابتن هو الجيش السوداني حامي الحمى وهو الوحيد المفوض بحماية الوطن وركاب الطائرة هم الشعب السوداني بكل اطيافه ، والمطبات اشارة الي الحرب ضد المتمردين والتى لا مهرب من مواجهتها ، ويجب دحرهم ولا تفاوض مع التمرد مطلقا حرب ضد التمرد حتى النصر. نحن أمامنا خيارين أما الصبر والتماسك ودحر هذا التمرد الكريه من أجل عافية الوطن ، أو السقوط الى أسفل وهو الدمار الشامل والخسران المبين ، فانظروا بعين الحكمة والوعي الى وطنكم الغالي ودعوا هذا التجابن والانكسار والخذلان واللون الرمادي القبيح ، فاما أن نكون اولا نكون. جاء رجلا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعه ناقته فقال:"أعقلها وأتوكل ، أم أتركها وأتوكل؟ فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -:" اعقلها وتوكل. الحديث هنا يفيد بأن الرجل قد سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – هل يربط الناقة بالحبل ثم يتوكل على الله ، أم يتركها دون رباط ويتوكل على الله . فكان رد النبي – صلى الله عليه وسلم – واضحاً ودرساً له ولغيره من أمته ، أن يربطها ثم يتوكل. أي أنه دعاه لأن يأخذ بالأسباب أولاً ، ويعد عدته ويخطط لرحلته أو أي عمل يريده ، ثم يتوكل على الله ، يدعوه وينتظر معونته سبحانه.
ونحن نعقل الحال بعزيمة لا تعرف الانكسار لدحر هذا الشيطان المتمرد الملعون من ارض الوطن ولاتفاوض . "عاش السودان حرا ابيا وعاش الشعب السوداني البطل ، وعاشت قوات شعبنا المسلحة قوية منتصرة باذن الله".