البيان الصادر عن (الحركة الإسلامية) في الثالث عشر من يونيو الجاري هام، ويعطي أكثر من دلالة، تُمكن من استيعاب ما يجري في البلاد من اقتتال دخل شهره الثالث. فالبيان يحمل تعليمات – مبطنة – لقادة الجيش في دك المدن بالطائرات، وارتكاب جرائم الإبادة جماعية بحق السودانيين، أكدت المؤكد، من أن الجيش يأتمر بأمر (الحركة الاسلامية)، التي أشعلت هذه الحرب، وتسعى بدأب على أن تتزايد رقعتها، وأن يتسع فيها الفتق على الراتق، بتحويلها إلى حرب اثنية قبلية أهلية. وبالفعل قام الجيش بتنفيذ التعليمات حرفيًا ، ورأينا بعده التطور متمثلة في أحداث الجنينة ومقتل الوالي خميس أبكر، وحالات الذبح والنحر والقتل بالهوية في شوارع الخرطوم، وحديث الفريق ياسر العطا المطابق لما جاء في بيان الحركة الإسلامية، وكأنه يقول لهم (علم وينفذ)، ومن ثم قصف الطيران لمنازل المدنيين العزل، في بيت المال أمس، واليوم في مايو بجنوبالخرطوم! وأدان البيان بما سماه (جرائم) ارتكبها الدعم السريع (طوال الفترة الإنتقالية)! وكأن التاريخ يبتدئ بالفترة الانتقالية، فقط ليتحاشى (الإخوان) في بيانهم الحديث عن تاريخهم الذي هو أصل كل داء، ويصرفوا الناس عن توجيه الأسئلة الصحيحة. وابتدأ البيان ب(ولولة) كذوبة، عن تكالب (آثمون) اعتدوا علي(هم)، وفعلوا كل ما يراه الناس من حرب ودمار! ولا نعرف من هم هؤلاء (الآثمون) الذين (حذرتنا الحركة الإسلامية منهم)، بحسب البيان. ولا تُشعرك فقرة البيان الأولى هذه إلا بالغثيان. كونك تسمع ما ظللت تسمعه ل(30) عامًا، من أكاذيب وتدليس وإدعاء للبلاهة من هذه الجماعة، وهم يخاطبون الناس بلا خجل، يسفهون أحلامهم، ويجادلونهم فيما تراه أعينهم، وتسمعه آذانهم، ولا عجب، فالحركة الإسلامية معجونة بالكذب والخداع والإجرام، ومجبولة على اقتراف الموبقات. وفي الفقرة الثانية من البيان أنكرت الحركة الإسلامية تاريخ تكوين قوات الدعم السريع، بل وتجاهلت الحديث عن التوقيت وظروف تكوين هذه القوات، فاكتفت بالحديث عنها ابتداء من تاريخ الحرب، أو ما يسمونه (تمردها) على الجيش والحركة الإسلامية، ليصير الدعم السريع – بقدرة قادر – مشروعٍ يهدفه تقسيم بلاد(نا). على الرغم من علم الجميع أنه ما من (نون جماعة) تجمع الإخوان مع السواد الأعظم من جماهير الشعب السوداني، فلا الإخوان لهم علاقة بمفهوم الوطن، ولا السودانيون غافلون عن إدراك ما يمكن أن يفعل هؤلاء حال وجودهم على سدة الحكم، لكن جلد الأخوان (التخين)، وتبلدهم الحسي، هو ما يدفعهم للتفوه بمثل هذه الأحاديث دون أن يلقوا لها بالا، وجيد ان الجميع يعلم اليوم أنه ما من فرصة لعودة (الإخوان) للسلطة، إلا عبر فوهة بندقية الجيش، الرهينة في يد الحركة الإسلامية! ويمضي البيان لاتهام قوات الدعم السريع بأنها أظهرت سلوكاً (بربرياً)، تجاه المواطنين وممتلكاتهم، دون أن نسمع عن الحركة الإجرامية نقدًا ذاتيا عن (30) عامًا ولغت فيها في دماء السودانيين واعراضهم وممتلكاتهم، انتهت إلى إبادة جماعية، أو تقديم أي نقد عرضي هامشي للتجربة المريرة يؤهلها لخوض معركة الأخلاق! متحاشين ذكر جرائمهم في حق السودانيين في (بيوت الأشباح)، وفي دارفور، وفي جنوب النيل الأزرق، وجنوب كردفان، حينما كان المخلوع البشير يصرخ (لا اريد جريحاً ولا أسيراً. اقتلوهم جميعاً، وارفعوا لي التمام). وفسادهم، حين انتزع الإخوان أراضي (الحلفايا) من مالكيها، وحاولوا اغتصاب أراضي (حي الشاطئ) الأمدرماني، وأراضي (الجريف شرق)، ويملك من هذه الأراضي "علي كرتي" الذي يجلس الآن علىى سدة هذه الحركة (الإسلامية) وموقع هذا البيان، يملك منها وحده (343) قطعة أرض! هذا بخلاف تهجير المواطنين من أراضيهم، ومنهم مواطني (كجبار) حينما احتجوا على تهجيرهم من مناطقهم الأصلية. ويفترض بيان الحركة الاسلامية أن الناس لا يعرفون نوايا (الإخوان) الحقيقية تجاه الجيش كمؤسسة، والتي ظهرت جلية، حينما قوضوا الشرعية في الثلاثين من يونيو من العام (1989)، فكان أول ما فعلوه هو تعذيب ضباط الجيش في (بيوت الأشباح) السرية، فتم تعذيب العميد (مصطفى التاي)، والعميد (الدابي) واغتصاب العميد (محمد احمد الريح). وقتل الإخوان – في يوم واحد – ثمانية وعشرين ضابطاً رفيعاً من (القوات المسلحة) باعترافات مصورة بالصوت والصورة على لسان القيادي بالحركة "علي عثمان محمد طه" ، وبشهادة جمال الشافعي ضابط الشرطة، الذي نشرت شهادته على الملأ في الفترة الانتقالية عبر تلفزيون السودان، وكان شاهدًا على اقتياد هؤلاء الضباط من المعتقل إلى ساحة الإعدام، وأكد على معلومة أنهم دفنوا وهم أحياء- ويا للهول. وبعد اكتمال تسييس الجيش ليصير بمثابة بندقية الحركة الإسلامية فرض (الإخوان) شروطا قاسية على الانتساب للقوات المسلحة أولها الإنتماء للحركة الإسلامية، وكان أن أرتكب الطيران الحرب جرائم الحرب في غرب ووسط دارفور. وعمدت استخبارات الجيش إلى إشعال الفتن القبلية بين المكونات المجتمعية، فسلحوا مكونات على حساب أخرى. وما الذي حدث في مدينة الجنينة ببعيد، حيث أفشلت استخبارات (جيش الإخوان)، جهود المصالحات القبلية التي كانت تجري لوقف الاقتتال، وتضميد الجراح. وأن يمنح بيان الحركة الإسلامية شيكًا على بياض لقوات الجيش لكي يقوم بحملة تدمير شاملة على البلاد، تختبئ خلف عبارات الهمز واللمز والتلميح، لا يعني سوى سقوط ورقة التوت الأخيرة التي يحاول (الإخوان) – عبثاً – أن يداروا بها سوأة الجيش. ولا شك بعد الآن إنه جيش (الحركة الإسلامية)، والذي تتكون هيئة عملياته من عناصر منظمة في الحركة الإسلامية، أمثال الفريق عبد المحمود واللواء أحمدان- وغيرهم، هذا بخلاف قيادته، والتي تعتبر جماهير الشعب السوداني عدوها الأول.. الجماهير المتطلعة للحرية والسلام والعدالة.