ها أنا ذي أعترف ، أعترف بأنني تعبت ، خارت قواي ، استنفدت ذخيرتي من الصبر والجلد ، ولم أعد أستطيع الصمود أكثر ، إنني أعترف وبكل صدق أنني أنهار ، أتهاوى وأسقط . أرهقتني الحرب التي طالت ، لم أستطع وأنا في هذا العمر الذي أنشد فيه الهدوء ، السلام، الطمأنينة والدعة ، لم أستطع أن أتحمل إرغامي قسرا على مغادرة منزلي الهادئ ، أن أغادر غرفتي ، سريري ، مرتبتي ومخدتي ، أفقد بغتة حياتي الهادئة المستقرة التي اخترت أن تكون خالية من الصخب ، بسيطة بلا تعقيد ، طلباتي قليلة، وطموحاتي محدودة ، تنصب في العيش باكتفاء متواضع وكرامة ، لم احتمل بتاتا هذه الهجرة القسرية ، الهروب إلى مكان لا آلفه للنجاة من أخطار الرصاص وشظايا المقذوفات التي كثيرا ما تضل طريقها ، تعبت من مواجهة المستجدات، ومجابهة حقائق تفرض نفسها، أقلها الطمع والجشع وانعدام الضمير ، من تجار الأزمات ومحاولة كسب المال من الحرب ، تفاجأت بمجتمع انتهازي يخلو تماما من الإنسانية والفضيلة ، تكونت شبكة كبيرة من تجار الحرب الذين يزايدون على هذه المأساة . تحولت المصيبة إلى سوق هائج ومائج بالحركة ، كمية من السماسرة بين الزبون (الهارب من أتون الحرب) ، وصاحب العقار في الولايات الآمنة (الذي اعتبر الحرب طاقة القدر) التي انفتحت له ليثرى ويغنى ، وساهم السماسرة في تفاقم الجشع وزيادة الأسعار في استغلال مقرف للكارثة ، تجاهل كل هؤلاء الخطب الأليم والمصاب الجلل ، وأن هؤلاء الهاربين ، فقدوا الكثير ، والأهم فقدوا الأمان والاطمئنان وهم في حاجة إلى الدعم والمساندة ، وتناسوا أيضا أن الدهر يومان ، يوم لك ويوم عليك ، وأنه ربما تدور الدوائر وتتبدل الأدوار ويجدوا نفسهم فجأة في كربة لم يتوقعوها ، وضعف بعد قوة فهذه الدنيا ليس لها ضمان،،، مؤلم هذا الاستغلال لظرف الحرب ، موجع للغاية أن ترى إخوتك وبني وطنك يتكالبون عليك ليثروا من هذه الأموال المبللة بدموع القهر ، وملطخة بدماء الحرب . للأسف بهذا السلوك المشين ، وهذه الانتهازية المعيبة طغا هؤلاء الذين اختاروا تجارة الأزمات وثراء الحرب على الكثيرين الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم بلا ثمن ، وتشاركوا اللقمة واللحاف مع من أتاهم فارا من الحرب ، فهذه طبيعة البشر ، الشر صوته أعلى ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعود النازحين بسبب الحرب إلى ديارهم آمنين ومطمئنين ليعمروا ما هدم ويعوضهم الله في كل ما فقدوه . حقا أنهكتنا الحرب،،،،