اتسع نطاق الانتهاكات الإنسانية الفظيعة المصاحبة لحرب السلطة في السودان، بين الجيش وقوات الدعم السريع، فيما بدأ الإسلاميون من انصار نظام المخلوع عمر البشير، يخرجون إلى الضوء من خلف دخان المعارك المحتدمة لثلاثة شهور، في تأكيد للاتهامات التي ظلت تلاحقهم بأنهم من يتحكم في قرار الحرب باسم الجيش. وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش الاستنفار العام وسط المواطنين، وطلب من الشباب الإلتحاق بمراكز التدريب بغية إعدادهم وتهيئتهم للقتال إلى جانبه، لم يقدم لهم بالمقابل أي وعود حول المستقبل السياسي لبلدهم، بل لم يجيب على التساؤلات المشروعة حول ثم ماذا بعد نصرته وسحق قوات الدعم السريع؟ هل سيرد التحية بأحسن منها ويمضي في تحقيق أهداف ثورة ديسمبر التي تعتمد شعار (الحرية والسلام والعدالة)، أم ستصبح الإتهامات الحالية حقيقة وسيصطدم دعاة الثورة عشية القضاء على الدعم السريع، بخروج جماعة حزب المؤتمر الوطني من حصان طروادة لتفرض برنامجها السياسي في العلن، بينما يعود الجيش إلى ما كان عليه طوال أكثر من ثلاث عقود، حاميًا لهذا البرنامج محاربًا لكل من يخرج عليه؟. دا هو الفيديو ال بسببه تم إعتقال ناجي بتاع كله. والملثمين ديل هم أعضاء في كتيبة البراء بن مالكوالمناسبة دي كانت عرس… Posted by Atef Abdoon on Wednesday, July 12, 2023 والجيش الذي يصر علي إنكار علاقتة بجماعة حزب المؤتمر الوطني، لا يتبرع بتوضيح رؤيته بشأن القرار السياسي في البلاد ولا موقفه من مطالب الشعب السوداني التي عبر عنها في ثورته الشعبية التي أسقطت نظام الجماعة برئاسة المخلوع عمر البشير، في أبريل 2019، والتي لم تجد في سابقات الأيام غير الكفر البواح من قبل الجيش نفسه!. ولعل المتابع يلاحظ ذلك حيث لم يرد في كل الخطابات التي قدمها القائد العام للجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، والقادة الآخرون مثل ياسر العطا، وشمس الدين كباشي، أي إشارة منهم لثورة ديسمبر، ولو من باب الحيل وإعتماد سياسية كسب الوقت كما دأبوا، بينما لا تزال التساؤلات الملحة تطرح نفسها بقوة فهل سيغير الجيش قناعاته ويحترم الثورة ويعمل على تحقيق مطالبها بعد هذه الحرب، أم أن الطبع سيغلب التطبع؟. والمعلوم أن لا جهة في هذه البلاد تتخوف من مطالب ثورة ديسمبر، خلاف جماعة المؤتمر الوطني، لأن الثورة نجحت برغبة الشعب في إستئصالهم من مفاصل الدولة، فلماذا يتجاهل الجيش كل هذا، هل يعني ذلك فعلاً أن قراره لا زال عند "الجماعة" وهم الذين يسقطون عمدًا الإشارة لمطالب الثورة من الخطاب السياسي له. ولأن الأعراض تعتبر دليلا لظواهر أكبر، والأواني لا تنضح إلا بما فيها، يعيد الجيش إنتاج برنامج "ساحات الفداء" التلفزيوني ذائع الصيت، على عهد العشرية الأولى من حكم نظام المخلوع عمر البشير، والتي شهدت أبشع أنواع الانتهاكات الإنسانية، ولإختلاف طبيعة الخصم تغير الطعم من "الكفار" الذين يستهدفون الدين، إلى "الأجانب وعربان الشتات" الذين يستهدفون قومية الجيش الوطني. وبإستدعاء الذاكرة فبرنامج "ساحات الفداء" الذي كان يبث في تلفزيون السودان وقتها، عبارة عن دعاية حربية مساندة للجيش في حربه "المقدسة" ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان، 1989 – 2005م، حيث يطلق على المقاتلين وقتها تسمية "مجاهدين"، في محاولة لتصوير ما يجري في جنوب السودان، بأنه جهاد لنصرة الاسلام ضد الكفار، وقد أعاد الجيش إنتاج نفس البرنامج بذات الموسيقى التصويرية مع اختلافات طفيفة حول الفكرة والمضمون، حسب الفيديوهات التي بثها على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك". وللمفارقة الصارخة هنالك بعض من صفحات لجان المقاومة التي قادت ثورة ديسمبر وحرستها على مدى 4 سنوات دفعت خلالها الأثمان الباهظة، قد إصطفت وراء دعاية الجيش في حربه ضد الدعم السريع، دون أن تسأل عن مصير ثورتها التي انتصرت بشعارات مثل "أي كوز ندوسو دوس" و"العسكر للثكنات والجنجويد ينحل"، بينما الجيش لم يفصح إلا عن هدف واحد من هذه الحرب، وهو "حل الجنجويد"!!. وبينما ينشغل بعض دعاة "الثورة والتحول الديمقراطي" بالسخرية من إعلان قوات الدعم السريع، مساندتها لمطالب الثورة السودانية، وأنها تقاتل لأن الجيش نكص عن عهده بحماية الانتقال، وآثر البقاء في محطة "النظام البائد" رافضًا تفكيكه وإزالته من مفاصل الدولة، ويتجاهلون حقيقة أن الدعم السريع بذلك قد حدد هدفه على أسوأ الفروض غض النظر عن صدقه أو كذبه، ما دام الأمر متروك للتقديرات؛ لكن ماذا بشأن من لم يكشف بعد عن ماهية رؤيته بعد "إنهاء التمرد"؟. ولا ينتهي الأمر عند سكوت الجيش عن تحديد موقفه من ثورة ديسمبر المجيدة، وإنما وصل مرحلة لم تجد الحركة الإسلامية فيها حرجا في أماطت اللثام عن وجه "مجاهديها" الذين يقاتلون في خندق الجيش، وذلك بعد إنكار مستمر لإتهامات قوات الدعم السريع التي تقول أن حربها في الأصل ضد "الفلول والكيزان" المختطفين لقرار الجيش. وتأكيدا لذلك أغرق قادة وعناصر الحركة الاسلامية، خلال الفترة الماضية، مواقع التواصل الإجتماعي، بالنعي والبكاء على من فقدوا من إخوانهم "المجاهدين"خلال هذه الحرب، في إعتراف صريح بأن الحرب حربهم، ولا خيار أمامهم سوى مواصلة "البل" حتى سحق قوات الدعم السريع ومن بعدها قوى الحرية والتغيير وكل من آمن بثورة ديسمبر المجيدة، اللهم إلا إذا كان هذا الترويجي المكثف لقتلى الإسلاميين، هو محاولة من المؤتمر الوطني لإبتزاز الجيش حتى لا يتخلى عنه حال إبتداع اي حلول مقبلة للأزمة السودانية؟. نازحون منسيون وبعد ثلاث أشهر من المعارك العسكرية الطاحنة تفاقمت معانأة المدنيين، "قتلًا وتشريدًا"، في وقت ظل الجيش يرفض الإعتراف بحق المتأثرين بالحرب، في الحصول على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الأممية من خلال بناء المخيمات وتقديم الطعام والدواء وغيرها من المساعدات، وذلك حتى لا يتعرض لضغوطات تجبره على التفاوض لإنهاء الحرب، في محاولة عبثية لأخفاء آثار الجريمة، بينما لا تزال مجموعة "بل بس" سادرة في غيها مصرة على إستمرار القتال لسحق قوات الدعم السريع تحركها في ذلك مصالح سياسية وجهوية وعنصرية وغبائن شخصية.وليس لعين لم يفض ماؤها عذر وفقا لمنطقهم. وفي الوقت نفسه وتُغمض هذه المجموعة أعينها عن رؤية معاناة آلاف النازحين الفارين من العاصمة الخرطوم إلى الولايات الآمنة، وهم يعيشون ظروفًا انسانية بالغة التعقيد، لا حول ولا قوة لهم، يفترشون الأرض داخل المدارس وبعض المؤسسات الحكومية، ينتظرون بعض المواد الغذائية التي يجمعها شباب لجان المقاومة المتطوعون، وهي بالكاد تكفي لما يجعلهم على قيد الحياة. وفي ظل هذا الواقع القامق لم يكن الصحفيون إستثناء من المعانأة فقد جأروا بالشكوي من قيود تفرضها إستخبارات الجيش أمامهم، تعرقل وصولهم إلى النازحين المتأثرين بالحرب، ونقل صوتهم ومعاناتهم إلى العالم، حيث يمنع الجيش التصوير أو التحدث مع النازحين بدون الحصول على إذن مسبق منه، وهو ما تسبب في تغييب صوت وصورة المتأثرين بحرب الخرطوم عبر وسائل الإعلام، ليشاهدها العالم. ويتخوف الجيش من صعود أزمة نازحي الخرطوم، إلى واجهة الإعلام العالمي مصحوبة بمطالب الضحايا بضرورة وقف الحرب بما يمكنهم من العودة إلى ديارهم، ما يضعه أمام ضغوطات أخلاقية تجبره على قبول التفاوض، الذي لا تريده مجموعة "بل بس" ذات التأثير الكبير على القرار السياسي للجيش. وحتى الآن يصنف الجيش المطالبين بوقف الحرب في خانة الداعمين "للتمرد" ويعتبر حملة "لا للحرب" التي أطلقتها مجموعات حقوقية وسياسية بهدف وقف الإنتهاكات وإستعادة الحياة السياسية، بأنها مجرد واجهة لقوات الدعم السريع، وهو ما يجعله يحرص على كتم صوت النازحين والضحايا، حتى لا ينطلق مناديًا بوقف الحرب، ما قد يضعه أمام الكذبة البلغاء، ويفضح الإرتباط بجماعة المؤتمر الوطني وأنصار نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. غير أن المتغطي بتلك المحاولات عار لاسيما وقد برزت شواهد عديدة في الآونة تفضح هذا الإرتباط المنكور، من بينها قضية التفاوض مع قوات الدعم السريع والتعاطي مع المبادرات الاقليمية لحل الأزمة السودانية، حيث نجد موقف "الجماعة" الذي يخرج من وزارة الخارجية دائمًا ما يأتي أولًا، فأما جاء موقف الجيش بعده مؤيدًا أو سكت ولم يقل شيئًا، وبالتالي يعتبر موقف "الجماعة" هو المعتمد. ولعل آخر هذه الشواهد هو الإجتماع الأخير للجنة الرباعية التابعة لايغاد المعنية بإنهاء الحرب في السودان، حيث سارعت وزارة الخارجية لإعلان رفضها له إحتجاجًا على عدم الإستجابة لمطالبها بتغيير رئاسية اللجنة،بينما إلتزم الجيش الصمت ولم يعلق على الموضوع، مع أن وفده وصل أديس أبابا لكنه انسحب من جلسة الإجتماع، ثم مضت وزارة الخارجية في مناهضة مخرجات إجتماع (ايغاد) وجميع المبادرات الإقليمية الأخرى التي تقطع الطريق على عودة (الكيزان). تفعل وزارة الخارجية ذلك وهي تعتمر قبعة (حكومة السودان) فأي حكومة هذه التي تعنيها، هل هي حكومة ما قبل 11 ابريل 2019، لأنه من المعلوم أن السودان بلا حكومة معترف بها محليا واقليميا ودوليا، منذ الانقلاب على حكومة الانتقال برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك في 25 أكتوبر 2021، حيث كان قادة الانقلاب المصطرعين اليوم، يسيّرون وقتها دولاب الدولة بوكلاء الوزارات المكلفين، بعد أن فشلوا حتى لحظة اندلاع هذه الحرب، في اختيار رئيس وزراء وحكومة جديدة.