تصريحات حميدتي الخطيرة عن البرهان يوم أمس (خصوصا عن دور اللجنة الأمنية بتوجيه من البرهان في صناعة الفتنة بين مكونات شرق السودان عموما خلال السنوات الأربع الماضية) تصريحات تعكس فرصة نادرة لإفشاء أسرار (ما كان لها أن تذاع وأن تظل أسرارا طي الكتمان بين قادة السلطة الكبار و إلى الأبد)لكن ظروف الحرب بين الرجلين وحدة التناقضات هي التي سمحت لحميدتي بإفشاء تلك التصريحات الخطيرة. فنحن هنا أمام شاهد ملك عيان ، سمح له ظرف الحرب بما لم يجب أن يقال ولو بعد 50 عاماً. وبالرغم من أي تحليل سياسي دقيق لمجريات أحداث الفتنة بين مكونات شرق السودان (خاصرة الثورة الرخوة وكعب آخيلها) سيخرج بنتيجة تتطابق مع تصريحات حميدتي، إلا أنه يمكن أن نشير إلى حدثين حدثا خلال السنوات الأربعة كانا هما أكثر وضوحاً في تأكيد كلام حميدتي. الحدث الأول، هو استدعاء البرهان لوالي البحر الأحمر خلال سنتى الفتنة بعد اقالته، الى الخرطوم وجعله مقرباً منه. والحدث الثاني ترقية اللواء عبد الخير (الذي كان قائداً لقوات الدفاع الجوي بالبحر الأحمر خلال سنتي الفتنة الأوليين) وتعيينه قائداً عاما للقوات الجوية السودانية. ولعل الحديث الجاري اليوم في شرق السودان عن ضرورة وحدة مكوناته البجاوية – التي جرت بينها الفتنة – وخطاب عفا الله عما سلف الذي يسوق له اليوم بعض رموز الفتنة خلال السنوات الأربع الماضية، هو أمر يصب في هدف سياسي للسلطة والفلول في محاولة منهم للاحتواء والتغطية على ما جرى في شرق السودان خلال السنوات الأربعة من فتنة وسفك لدماء الأبرياء (مع التنصل من استحقاق المسؤولية وما تتطلبه أي تسوية حقيقية لما جرى؛ من محاكمات وجزاءات وتعويضات وغير ذلك). الذي يجعلنا نعتقد أن خطاب الدعوة الى احتواء الأمر بشعار " عفا الله عما سلف " حيال ما حدث خلال سنوات الفتنة (وهو الخطاب الذي يسوق له اليوم بعض رموز الفتنة ذاتهم) أنه خطاب سلطة وفلول شكلي وفارغ من المضمون ، هو توقيته الغريب والدعوة اليه في وضع لم تتجدد فيه الفتنة منذ شهر يوليو 2022 الأمر الذي سيفسر لنا: أن الدعوة للصلح على هذه الشاكلة ترتبط بطبيعة وضع الحرب بين البرهان وحميدتي من ناحية، وحاجة الفلول إلى توحيد صف اللمكونات القبلية البجاوية التي تعاركت بالامس لمواجهة الخطر الأكبر الذي يتهددهم جميعا، من ناحية ثانية. وبالتالي من الضروري أن تنتبه كل المكونات في الشرق – وخصوصا المكونات القبلية البجاوية – إلى عدم الانجرار في الصراع الدائر اليوم بين رفقاء الأمس.. يوما ما ستتكشف الحقائق في هذا الشرق وسيدرك الجميع أن صلحاً وعفواً بين المكونات في الشرق بدون أي استحقاق تترتب عليه محاكمات وجزاءات وتعويضات، إنما هو فتنة نائمة وقصيرة الأجل.