"... كان من الواضح؛ أن غياب الضبط الأمني في شرق السودان، وتحديداً في مدينتي بورتسودان وكسلا بدا مؤشراً دالاً على أن ثمة علاقة بين من له مصلحة في الاخلال بالأمن من داخل المكون العسكري لأهداف سياسوية وبين بعض دعاة الفتنة والكراهية الذين من السياسيين الذين نشطوا عبر خطابات كراهية وإقصاء وتهييج عنصري ضد بعض المكونات الأهلية في شرق السودان، وكان لذلك أثراً فادحاً في إزهاق أرواح بريئة من كافة المكونات وبصفة أخص تجاه مكون أهلي وقع عليه ذلك الاستهداف. واليوم، فيما يتأمل المراقب للأوضاع الهادئة في شرق السودان، يلحظ بوضوح ذلك الاقتران الشرطي بين المتغيرات الدولية المتصلة بالسودان، مثل القاتون الأمريكي الخاص بالسودان: (قانون الانتقال الديمقراطي والمحاسبة والشفافية لسنة 2020)، وكذلك البعثة السياسية الأممية التي بدأت مهامها مطلع هذا العام2021وبين ذلك الهدوء، بل وبدت في مدينة بورتسودان تحركات واتصالات لبعض المكونات الأمنية في المدينة مع بعض الزعماء المحليين، من أجل إجراءات مصالحة سريعة، وبطريقة مريبة، ما أدى بأولئك الزعماء إلى رفض تلك الطريقة في الدعوة إلى الصلح بلا أي ترتيبات تأخذ في اعتبارها الإجراءات القانونية وتعويض الضحايا ومحاكمة المتورطين وما إلى ذلك من ترتيبات. وفي الوقت ذاته بدأت بعض الاتصالات في الخرطوم من قبل نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو " حميدتي " بدعوة زعيمين قبليين كبيرين من شرق السودان بهدف الصلح والتسوية بطريقة أهلية. ورغم أهمية دعوات الصلح التي يتم الترويج لها اليوم، إلا أن أي أسلوب لإقرار الصلح لا يتوخى إنهاء جذور الأزمة سيصطدم بجدار الواقع الصلب الذي خلفته الفتنة في شرق السودان. ونعني بذلك بقاء الأسباب في مكانها من حيث الاحتقان والشحن بين المكونات في غياب أي ترتيبات عادلة لإنهاء جذور الفتنة، ومن ثم امكانية تجددها في أي وقت. لهذا فإن أي محاولة للصلح بين ناظري قبيلة في شرق السودان، لا يعكس أي حكمة في إرادة ذلك الصلح. فمن الواضح أن هناك علاقة عضوية بين الترتيب لهذا الصلح وبين أوضاع سياسية ستكون ضمن الخطوات التي تليه، ولهذا فإنه حتى لو تم صلح كهذا فإن الجانب السياسي الذي تصب تعقيداته في تحالفات بين مكونات قبلية للبجا تم تحزيبها للاصطفاف بين اتجاهين سياسيين؛ على خلفية مسار شرق السودان، سينعكس بالضرورة في الواقع، لأنه بات من الواضح أن الصلح الذي يشاع عنه اليوم في الوسائط بين ناظر قبيلة بني عامر، وناظر قبيلة الهدندوة في شرق السودان لن يكون مفيداً من حيث أن أصل الخلاف هو أصل سياسي لا قبلي، وإن بدا ذا طابع قبلي، لهذا فإن بقية المكونات البجاوية في شرق السودان (بما فيها مكونات في قبيلة الهدندوة لها خط سياسي مختلف عن خط ناظر القبيلة) ستقف ضد هذا الخيار، فضلاً عن أن الطبيعة السياسية في خلفية إرادة الصلح ستنعكس بصفتها تلك حتى داخل الكيان الواحد لقبيلة بني عامر." نقلا عن صفحة الأستاذ محمد جميل على الفيس بوك