لا يهم كثيراً إذا كان الخبر الذي راج في وسائل إعلام محلية سودانية بأنّ السلطات المصرية اعتقلت فجر أول أمس القيادي الإخواني الإرهابي الفاسد عبد الباسط حمزة، على خلفية اتهامات أمريكية له بتمويل تنظيمات إرهابية، على رأسها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). واعتقال هذا المجرم الخطير مسألة حتميِّة، طال الزمن أم قصُر؛ فهو مطلوب من قِبل الشعب السوداني؛ قَبل أن يكون مطلوباً لدى الإدارة الأميركية أو السلطات الأمنيّة المصريّة، وهذا معلوم للجميع، إذ سبق اعتقاله في وقت سابق بتهم متعلقة بالفساد موجهة من قبل لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، قبل أن ينقلب البرهان على حكومة الثورة ويلغي اللجنة ويطلق سراح الإرهابيين والفاسدين وعلى رأسهم (حمزة). وإن صح الخبر – وأشك في ذلك- فإنّ اعتقال هذا الإرهابي على وجه الخصوص، والذي رصدت الخارجية الأميركية مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، مع أربعة آخرين، تصنفهم واشنطون كإرهابيين دوليين، يعتبر خطوة صغيرة في الطريق الصحيح نحو اعتقال المزيد من القيادات الإخوانية التي تدير تنظيم المؤتمر الوطني الإرهابي في السودان وتدير الحرب الراهنة على الشعب المغلوب على أمره. الأمر الأكثر أهمية هنا، هو أن الإرهابي الفاسد وأحد مشعلي الحرب في السودان، قد هرب من البلاد متسللاً متخفياً – كعادة الإخونجية – واستقر بمصر، حيث تحتضن القاهرة معظم قيادات الجماعة في ظل صمت أمني غير مسبوق، ربما يرتد عليها بضربات موجعة، كما حدث في سنوات سابقة، عندما أعلنت حكومة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بخفة شديدة دعمها وتأييدها لانقلاب الإخوان عام 1989 بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير، قبل أن يرتد عليها وبالاً وعداءً بلغ حد تدبير محاولة لاغتيال مبارك نفسه، جعلت مصر تفيق من غيبوبتها وتراجع حساباتها؛ لكن يبدو أن (حليمة) لا زالت عاجزة عن ترك عاداتها القديمة؛ فالقاهرة أصبحت حُضناً وملاذاً آمنين للإرهابين الكيزان منذ أن أسقط الشعب السوداني العظيم نظام الفساد والاستبداد الإخواني عام 2019، وبذلت لاحقاً الغالي والنفيس من أجل تنصيب الإخواني الفاسد، عبد الفتاح البرهان، قائد مليشيا (علي كرتي) الإرهابية التي اختطفت قيادة الجيش لتخوض بها حربها الانتقامية الراهنة على الشعب السوداني الذي أسقطها، فهل أفاقت الآن من غفوتها أم تحتاج وقتاً إضافياً حتى تستبين النُصح؟! عوداً إلى الإرهابي عبد الباسط حمزة، فالرجل أسهم في تحويل 20 مليون دولار إلى حماس، إذ يعمل ضمن شبكة تدير استثمارات المنظمة الإخوانية الفلسطينة، لكن بعيداً عن هذا الجانب فهو ضابط أمن وكادر إخواني راسخ القدمين في الإرهاب و الفساد منذ أن كان يعمل مع أسامة بن لادن في السودان، وتمكن من الاستحواذ على أموال الرجل بعد أن طرده الإخوان وسرقوا ثروته. ويدير الرجل عشرات الشركات من بينها شركة الزوايا التي تأسست عام 2002، وشركة لاري كوم ورام للطاقة، وله شركات وأموال في جزر العذراء البريطانية وفقاً لوثائق (باندورا) بالشراكة مع الإخواني الإرهابي الآخر عبد العزيز عثمان المقرب من الرئيس المخلوع البشير. كذلك يستحوذ حمزة الذي يدير ويستثمر أموال الشعب السودان المنهوبة من قبل جمىاعة الإخوان، ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، على مساحة كبيرة في قطاع الاتصالات؛ إذ يمتلك 10% من أسهم شركة (أم تي ان سودان) وقد كان رئيساً لمجلس إدارة شركة سوداتل، وهو من باع شركة موبيتيل إلى شركة زين الكويتية ب 10% فقط من قيمتها الحقيقية في أكبر صفقة فساد عرفها السودان في تاريخه. ولعبد الباسط حمزة (أي للمؤتمر الوطني) العديد من الشركات خارج البلاد وقد أسسها من الأموال المنهوبة والمسروقة من عائدات البترول والثروة المعدنية (الذهب) والمنتجات الزراعية والحيوانية في أكبر عمليات نهب و (شفشفة) لموارد السودان عبر تاريخة، لصالح حزب سياسي، حيث أسس الرجل شركة (إكسبريسو) في الإمارات بهدف إدارة واستثمار العمليات الدولية لمجوعته (مجموعة المؤتمر الوطني)، التي تركزت بغرب أفريقيا وفي جزر العذراء البريطانية، ويديرهما طارق حمزة وأخونجي آخر يدعى خالد هاشم. العقوبات الأميركية على شركات حمزة، ليست بجديدة، فقد فرضت وزارة الخزانة عام 2006 عقوبات على شركات سوداتل ورام ، بتهمة المساهمة في أحداث التطهير العرقي والإبادة الجماعية في دارفور من خلال القرار رقم E.O. 13400) ) . وفي 19 أكتوبر، 2023، فَرضَ مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على 10 أعضاء رئيسين في حركة حماس الفلسطينية وعملائها، ومقدمي التسهيلات المالية للحركة، بينهم عبد الباسط حمزة، المتهم بتقديم التمويل المالي للحركة. هذا قليل من كثير، لكن من الذي يقف وراء عودة الفاسدين والإرهابيين إلى المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري في السودان؟ بلاشك هو قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، والذي هو نفسه إخونجي وصل في عهد البشير إلى وظيفة قيادية لا يصلها إلا ذوي الحظوة، فلا يمكن أن يعين المخلوع ضابطاً في جيشه بوظيفة المفتش العام للقوات المسلحة وعضو اللجنة الأمنية ما لم يكن (كوزاً) منظماً. وها هو البرهان، بعد أن انقلب على المسار المدني الديمقراطي وأجهض ثورة الشعب السوداني _ وأنى له ذلك – أشعل البلاد حرباً وأطلق سراح جميع الإرهابيين من المعتقلات وجاء بعتاتهم من الخارج، وهذا ما تعلمه جميع دول الجوار، عدا مصر، التي نأمل أن تكون قد استيقظت لو متأخرة نسبياً، ولا اعتقد لأسباب تتعلق بنظرتها القاصرة للسودان والسودانيين، وهي دولة مهمة بالنسبة لنا وأمنها من أمننا، ولا نقول نحبها وتحبنا، فقط نريد منها علاقة متكافئة تقوم على المصالح المشتركة، لا علاقة حب وكذب متبادل، وهي لو كانت تعلم؛ المتضرر الأكبر من وجود البرهان الفاشل الفاسد راعي الارهابيين في قيادة الجيش الذي تسيطر عليه الحركة الإسلامية، والتي بينها وبين مصر ما صنع الحداد، وحتمًا حين تتقوى وتعود إلى السلطة – ولن يحدث هذا- ستوجه ضربتها الأولى إلى القاهرة، كما فعل نظام عمر البشير من قبل.