الوطن بين احداثيات عركي (بخاف) و(اضحكي)    الهلال السوداني يواصل استعداده لموقعة كيجالي في الدوري الرواندي    شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية السودانية: تفكيك نظرية المركز والهامش و قد مفهوم دولة 56
نشر في الراكوبة يوم 21 - 02 - 2024

▪️لا توجد دولة اسمها دولة 56، فهذا مجرد اسقاط سياسي علي الوقائع التاريخية ..
▪️لقد اسقطت حرب 15 أبريل نظرية المركز و الهامش و سقط بعض منظريها..
▪️طبيعة الصراع في السودان ترتبط بجدلية التخلف، التنمية، و السلطة وليست بمركز مقابل هامش..

*توطئة*
يناقش هذا المقال اهم القضايا التي أنتجتها اخفاقات السياسة في السودان، كما يتصدي و ضمن رؤية موضوعية لمنظور أصبح سائدا حول تفكيك دولة 56 و التي لا نعرف ماهيتها من حيث الدلالات المفاهيمية و التاريخية..كما يناقش هذا المقال و يجادل منطلقات نظرية المركز و الهامش و يكشف التصورات التي أنتجتها و الي اين انتهي حاملوها بعد حرب 15 أبريل..المقال يتجاسر بالقول أن ما حكم تطور الدولة السودانية لا يستند الي منظور مركز مقابل هامش مغلق و علي أساس اثني، انما ترتبط القضية بجدلية التنمية و التخلف و دور السلطة في دولة ما بعد الأستعمار و نهجها في تعميق الأزمات التي أسس لها الأستعمار أبتداءا..

*المقاربة الخاطئة*
لقد ساد عبر السنوات الاخيرة شعار تفكيك دولة 56 و الذي أدي الي أنتاج ذلك الشعار يأتي مرتبطا بالأخفاقات العديدة التي نتجت عن دور السلطات التي حكمت السودان بعد العام 1956..و الذي رتب لذلك يأتي مترابطا و الوعي الذي حكم تلك القوي التي حكمت السودان بعد خروج البريطانيين منه و أدي الي فقرها في أدراك متطلبات الواقع الذي تحكمه، و كأسقاط طبيعي لذلك الخلل في دور السلطة في تعيين موقعها في حلحلة قضايا المجتمع، برزت الأصوات المناوئة للسلطة و بشكل تاريخي، و التي يمكن تحديدها في الواقع الوطني السوداني ضمن اطارين:
الإطار الأول: هذا الإطار قد ارتبط بالحركة الجماهيرية و ما تحتويه من اطراف عديدة سواء كانت حزبية، نقابية، طلابية، و غيرها من القطاعات المدنية و التي تشمل كافة قطاعات المجتمع دون تحيزات قبلية أو جهوية، و هذا الإطار أو الأتجاه هو الذي اقلق السلطات سواء كانت ديمقراطية أو دكتاتورية لأن هذا الأتجاه قد استخدم قوته المعنوية المرتبطة باللاعنف و علي قاعدة قوة الجماهير و التي تتجدد وفق سردية التناسل الإيجابي..
الإطار الثاني: هذا الإطار أو الأتجاه هو الذي ذهب نحو مواجهة السلطة عبر أدواتها المرتبطة بالعنف و السلاح مع تبني خطاب يقول ان هنالك مركزية في الدولة تتأسس علي مفهوم عرقي أو ثقافي يسيطر علي كل شيء مما يفرز معه هامشا عرقيا لا يمتلك اي شيء و بالتالي يصبح لزاما علي ذلك الهامش مواجهة ذلك المركز ، و بالتالي تفكيك دولته من اجل إبداع سودان جديد علي أنقاض السودان القديم… هذا الأتجاه هو الذي انتج نظرية المركز و الهامش و هو الخطاب الذي سنقوم بنقده و تفكيك مرتكزاته..
*نظرية المركز و الهامش*
المدرسة الغربية لديها تأثير واسع علي النخب في دول العالم الثالث، حيث تستمد هذه النخب الكثير من المفاهيم و المرتبطة بالمنظور الغربي، و الذي مثلته اوربا عبر تصورها لذاتها و للعالم..و لقد تصورت اوربا نفسها تاريخيا بكونها هي مركز العالم و كل من يقع خارجها ما هو إلا مجرد هامش و صدي لأوربا، و بالتالي يقع علي عاتق اوربا تمدين هذا الهامش و تطويره حتي يتسق مع الدلالات الاوربية للحضارة، و من هنا برزت فكرة احتلال هذه الهوامش وفق شعار التمدين و الذي يستبطن فكرة نهب موارد هذه الهوامش بأعتبار أن هؤلاء الذين يعيشون في هذه الهوامش يفتقدون القدرة علي تطوير الموارد التي لديهم ، و كما يقول ادوارد سعيد فأن منطق الأوربيين ينطلق من منظور يقول بان الذين يعيشون في الهوامش لا يستطيعون تمثيل أنفسهم فيجب أن نمثلهم نحن، اي الأوربيون، و لهذا فقد كان شعار تمدين شعوب الهوامش حسب المنظور الغربي هي كذبة اوربا الكبري..من هذه الزاوية التقط العقل المصاغ وفق الرؤية الكولونيالية منظور المركز و الهامش بديلا عن فكرة جدل التنمية و التخلف و السلطة في دول العالم الثالث ، و قد قام وعكسا للمفهوم الأوربي الزاحف نحو الهوامش بطرح فكرة الهامش الثائر و المنتفض و الزاحف ضد مركز ثقافي متخيل داخل البلد الواحد حتي لا يتم الأبصار تجاه المركز الحقيقي الذي ادي الي بروز هذه (المراكز) الصغري التابعة للنهج الغربي و التي أدت الي الخلل في واقع السودان و غيره من الدول المشابهة، مما يقود و بالنتيجة لتقليص نضال الشعوب ضد الظاهرة الاستعمارية التي أنتجت فكرة عدم التوازن التنموي و الذي ادي الي تكريس مفهوم هذا الأنقسام داخل الاقطار و الذي تم تصويره لدي البعض بأنه سطوة مركز يحمل سمات عرقية و ثقافية ضد عرقيات مغايرة و متباينة ثقافيا….هذا التحليل لا يعفي السلطات المحلية و لا يعترض علي مواجهتها، انما الحديث هنا يشير الي طبيعة المواجهة الاساسية و التي تحتم وحدة كل الهوامش التي تصورتها أوربا من اجل مواجهة الظاهرة الاستعمارية و معها الأنظمة التابعة لها بعيدا عن الطرق حول الأثنية او القبيلة و التي يرتكز عليها الهامش المطروح عبر تفكير منظري هذه المدرسة، اي مدرسة المركز و الهامش..و استنادا لذلك و ضمن المفاهيم المشحونة بافكار الظاهرة الاستعمارية برزت نظرية المركز و الهامش ضمن أفقها المحدود و الذي يقرأ الظواهر و بشكل منفصل، سواء كان ضمن منظور تاريخي او راهني، كيف؟ نقول وضمن اساس تاريخي فأن اساس الدولة الوطنية في دول العالم الثالث هو اساس استعماري ، بأي معني هذا التوصيف؟ و الأجابة ، بمعني ان الدولة الوطنية الحديثة لم يخطط ابناؤها لإنشاء بنياتها انما ورثوا ما خطط له الأستعمار علي مستوي السياسة و الاقتصاد، حيث ورث ابناء هذه البلدان النمط الليبرالي الغربي في السياسة و الاقتصاد، اما التنمية علي الأرض فقد سارت علي النمط الذي خطط له الأستعمار و لم تبعد عنه كثيرا..فأذا اخذنا السودان كمثال فأن الانظمة الوطنية التي خلفت الأستعمار البريطاني سارت علي ذات النهج الذي رسمته بريطانيا للتنمية و التي تركزت في مناطق بعينها لديها القابلية علي تسهيل نقل الإنتاجية الي بريطانيا دون أعتبار التوزيع العادل للثروة، و من هنا تركزت مظاهر هذه التنمية في وسط السودان و تم حرمان بقية المناطق من هذه التنمية، و لهذا فالأساس في هذا الخلل أنتجته العقلية الاستعمارية و سارت عليه غالبية النخب التي تسلمت السلطة و بالذات العسكرية و التي استبدلت ( البرنيطة) الانجليزية (بالكاب) العسكري مع بقاء العقلية ذاتها و التي أبقت علي ذات النهج و بالذات في مجال التنمية..و بالتالي فأن ما يقول به اصحاب نظرية المركز و الهامش بأن هنالك دولة اسمها دولة 56 و هي المرحلة التي تلت حقبة الأستعمار، فأن هذا المنظور او القول يفصل الحقب التاريخية حتي لا يواجه الظاهرة التي أنتجت الخلل الأساسي في المعادلة الوطنية و هي الظاهرة الاستعمارية و التي لا يتحدث عنها اصحاب نظرية المركز و الهامش كثيرا لأنهم قد اصبحوا جزءا من هذه الظاهرة و التي عنوانها تجزئة و تفتيت الأوطان و فق مبررات احتكار السلطة و الثروة لمجموعة بعينها، و هذا ما أدي كنتيجة لفصل الجنوب و فق ذلك المنظور و الذي ألتقي مع منظور الاخوان المسلمين و القائم علي التفتيت و علي أسس دينية.. لقد نفي انفصال الجنوب تصورات نظرية المركز و الهامش، حيث انعدم المركز الثقافي الذي تم تصويره من قبل في السودان و المحتكر لكل شيء مقابل الهامش الفاقد لكل شيء، حيث ظل الجنوبيون بعد الانفصال يرزحون داخل دائرة الفقر و الحروب دون ان تكون هنالك اسلاموعروبية تسيطر علي المركز في الجنوب كما تم تصوير ذلك عبر تلك المدرسة و في حالة شمال السودان، حيث أن الخلل في التجربة الجنوبية يرتبط بدور السلطة و عدم قدرتها علي الخروج من إطار المصالح الذاتية و المدعومة بوعي القبيلة..اذن و منذ البداية أخطأ منظرو نظرية المركز و الهامش عبر افتراضين:
الأفتراض الاول: و هو الافتراض الذي قيل فيه ان هنالك دولة اسمها دولة 56 دون ان يذهب هؤلاء وراء أساس تلك الدولة و طبيعة نشأتها ذات الركائز الاستعمارية و التي لم تبدأ في عام 1956 و لكن هذا العام قد مثٌل مرحلة جديدة في تاريخ السودان مرتبطة بالاستقلال السياسي مع بقاء تلك الركائز الاستعمارية كما هي في الجوانب الاقتصادية و التنموية ، و لهذا فقد فصلت نظرية المركز و الهامش المراحل و اصبحت معلقة بمرحلة منقطعة عن سابقاتها مما تضيع مع ذلك مسألة التطور التاريخي في فهم الصراع و ربط حلقاته مع بعض…كما ان أصحاب النظرية لم يعُرفوا الدولة نفسها و التي يقوم اساسها علي ثلاثة عوامل هي: الشعب، الارض، و السلطة، و لا ندري اي من العوامل يسعي اصحاب مدرسة المركز و الهامش الي تدميره و لأقامة البديل الجديد؟؟
الأفتراض الثاني: هذا الأفتراض ارتبط بالمحددات القطعية و المرتبطة بفكرة الهامش المغلق علي أساس عرقي-ثقافي مقابل المركز المهيمن علي هذا الأساس العرقي-الثقافي دون الذهاب بعيدا تجاه فكرة أن هذه الهوامش لديها أمتدادتها تجاه المركز المذكور من حيث المدلول الثقافي، و حالة الجنوب بعد الأنفصال تشير الي ذلك حيث ما زالت الغالبية من أبناء و بنات الجنوب يحملون معهم مظاهر الثقافة السودانية العامة و بدرجات مختلفة، و كذا بقية اطراف السودان سواء في دار فور و بقية أطراف السودان، و التي يعتبر صراعها ليس ثقافيا مع وسط السودان و الذي ينظر اليه بأعتباره ذلك المركز المهيمن، انما ترتبط جذور الصراع بطبيعة السلطة المحتكرة لكل شيء و التي قد ثارت عليها جماهير الوسط لتدافع و منذ الأستقلال عن حق الجنوبيين في الحياة الكريمة و تقف ضد السلطات التي رفعت السلاح في وجه الجنوبيين، كما دافعت جماهير الوسط عن دار فور عبر شعار( يا عنصري يا مغرور كل البلد دارفور) ، و علي هذا الأساس تنعدم فكرة الهامش الأثني الثائر ضد المركز الثقافي المهيمن و هنا المركز العروبي، حيث ان القضية و مع الاعتراف بالتنوع الدرجي و ليس النوعي و في أساسها ترتبط بالجدلية التي ذكرناها سابقا و المرتبطة بطبيعة السلطة في دول العالم الثالث و علاقة ذلك بالتنمية و ظاهرة التخلف، حيث تحتكر السلطة كل شيء و من ثم تركيز الثروة حولها و بالتالي حرمان الشعب من كل شيء، و هي الجزئية التي تحدثنا عنها في صدر المقال و التي تقود الي فكرة الثورات ضد هذه السلطة و هي الفكرة الجماعية الإيجابية و التي خرج عنها اصحاب مدرسة الهامش بحمل السلاح بديلا عن النضال السلمي و الذي ادي لأنفصال الجنوب و ادي الي انتكاسات عديدة داخل هذه المدرسة نجملها في النقاط التالية:
اولا: الانتكاسة الفكرية، حيث ان المنطلق الذي قامت عليه نظرية المركز الهامش قام علي اساس سياسي مرتبطا بردود الافعال دون القدرة علي النفاذ نحو معوقات النهضة في دول العالم الثالث، و التي قلنا بأرتباطها بالظاهرة الاستعمارية، و حتي في الجانب السياسي أرتبط الأمر بالشعار و منه شعار تفكيك دولة 56 دون الاجتهاد في تحديد مفهوم الدولة..
ثانيا: غالبية الذين تبنوا نظرية المركز الهامش و من خلال التنظير ، و خارج اطار الحركة الشعبية أو داخلها هم من أبناء (المركز) و هؤلاء قد شعروا بعقدة الذنب نتيجة لممارسات السلطات العسكرية تحديدا في ممارسة القتل و العنف ضد الاطراف ضمن حركة الصراع المسلح، و هذا الانتماء لابناء (المركز) للهامش ليس سيئا و لكنه أنطلق من منظور جزئي يفقد التعاطف مع الهوامش الأخري و في الشمال و الوسط بأعتبارها هي صاحبة أمتيازات مما تضيع معه النظرة الشاملة لقضايا الصراع و المرتبطة بدور السلطة و تهميشها للكل.
*حرب 15 ابريل و تبدلات نخب نظرية المركز والهامش*
يمكن القول و دون تردد بأن انفصال الجنوب قد أنهي نظرية المركز و الهامش و التي شملت المنظور الأساسي للحركة الشعبية، و كما اوضحنا سابقا فلم تكن في الجنوب مركزية مرتبطة بعروبة او اسلام كما تقول بذلك تلك النظرية في شمال السودان، انما كانت القضية في مجملها مرتبطة بقضية التنمية و التخلف و احتكار السلطات لمصائر الشعوب..و بعد انفصال الجنوب اندلعت حرب 15 أبريل لتضع هذه النظرية في رف التاريخ، استنادا للمحاور التالية:
المحور الاول: بعض المثقفين و الذين تعبوا في التأسيس لهذه النظرية و وقفوا ضد ما أطلقوا عليه المركز و مؤسساته و جدوا أنفسهم بعد هذه الحرب يقفون مع المؤسسات التي تمثلها الدولة التي قالوا بضرورة حربها اي (دولة 56) و يدافعون عنها و علي رأس تلك المؤسسات يأتي الجيش و الذي بدأوا يتحدثون عنه و كأنه يحارب قوي خارجية و يؤكدون علي ضرورة وجوده و من أجل الحفاظ علي الدولة و ذلك ينسف الفكرة الأساسية المرتبطة بالأزاحة و الاحلال التي صدرتها نظرية المركز و الهامش، اي إزاحة السودان القديم و احلاله بسودان جديد..كما أن بعض الذين حملوا السلاح من أجل الدفاع عن الهامش تحت مسوغات تلك النظرية وجدوا أنفسهم و هم يدافعون عن جيش (دولة56) عبر هذه الحرب الدائرة اليوم ، و الذي قالوا عنه من قبل أنه جيش المركز المهيمن و الذي لا يخوض حربا الا ضد الهوامش، و هو ذات الجيش الذي يقوم بحربه ضد الشعب السوداني كله و معه المليشيا التي تواطأ في انشاءها، و ذلك من خلال التدمير و قتل و تشريد المدنيين عبر هذه الحرب التي عنوانها الخراب..
المحور الثاني: كشفت هذه الحرب بأن الصراع في طبيعته ليس مرتبطا بالأثنيات نتيجة للمظالم الواقعة عليها و علي اساس العرق، انما هذه الحالة ترتبط بكافة قطاعات الشعب السوداني، و الاخطر ان الذي يتبني قضية الهامش اليوم هي قوات الدعم السريع و هي ليست من (المركز) و لكنها تحمل سماته الثقافية اي أنها تقع في دائرة العروبة و الاسلام او الاسلاموعروبية كما يقول بذلك اصحاب نظرية المركز و الهامش، و قد كانت هذه القوات من قبل ضمن نسق السلطة المركزية، و لكن نتيجة لتوازنات السلطة نفسها حدثت المواجهة بين هذين الطرفين، الجيش و الدعم السريع، و هذا يؤكد ان قضايا الصراع في السودان يرتبط بعملية السلطة و الصراع حولها و من قبل كافة الاطراف دون محددات عرقية أو ثقافية…
المحور الثالث: هذه الحرب قد قضت علي (المركز) و تدميره عبر مؤسسات المركز نفسها مع الاشتراك مع اصحاب العروبة العرقية القادمين من الاطراف، و بالتالي فنحن في أنتظار منظري مدرسة المركز و الهامش ليقولوا لنا كيف نبني السودان الجديد الذي تم تدميره من قبل المنتميين لدائرة العروبة نفسها و ليس من قبل الهامش المفترض من قبل نظرية المركز و الهامش…
المحور الأخير: يمكن القول اجمالا بأن المنطلقات التي تأسست عليها نظرية المركز و الهامش منطلقات خاطئة لم تقف علي ظاهرة التنمية و التخلف و علاقتها بالسلطة في دول العالم الثالث مرتبطا كل ذلك بالظاهرة الاستعمارية التي قامت عليها بنيات التنمية في هذه البلدان و سارت علي نهجها السلطات الوطنية ذات الاتجاه الليبرالي و الذي يدور في فلك الظاهرة الاستعمارية..الحل و وفق منظور مستقبلي يرتبط بمفهوم الديمقراطية الأجتماعية و المرتبطة بالإنجاز علي أسس متوازية و متوازنة علي مستوي كافة الأقاليم، كما يرتبط الامر بدور السلطة ضمن منظورها لواقع المجتمعات و الوعي بجدلية التنمية و التخلف و مشروع النهضة علي أسس اقتصادية و اجتماعية جديدة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.