هوليوود من حسام عاصي: بعد ان نفذ انتقامه ضد مرتكبي 'الهولوكوست' وقتل هتلر قبل ثلاث سنوات في 'اولاد الحرام الشائنون' Inglorious Bastards يتوجه كوينتين تارانتينو هذه المرة نحو فصل حالك السواد في تاريخ امريكا في فيلمه الجديد 'تحرير دجانغو' Django Unchained، كاشفا الوحشية الفظيعة للعبودية وحقارة الذين مارسوها ودافعوا عنها. 'بقدر ما كان فيلم اولاد الحرام الشائنون حكاية اوروبية، فان هذا الفيلم هو حكاية امريكية' يخبرني حين التقيه في فندق لندن في نيويورك. 'دجانغو انتشيند' يخبرنا قصة دجانغو (جيمي فوكس)، وهو عبد محرر يعمل صائد رهائن، والذي خلال نضاله لتحرير زوجته من مالكها (ليوناردو ديكابريو)، يقتل كل مالك عبيد يقف في وجهه. وللمفارقة، فان صائد الجوائز الجيد في الفيلم هو الألماني د. شولتز (كريستوفر والتز)، الذي يحرر دجانغو، ويدربه لمساعدته في مهمته. 'لقد قمت بصفع مؤخرة الألمان أكثر من اللازم في فيلمي السابق، اليس كذلك؟ هذا الدور هو نوع من الترضية' يمزح تارانتينو. 'أردت ان تكون الشخصية الثانية في الفيلم هي لشخص غريب، وليس امريكيا، والذي لا يفهم تماما التقاليد هنا وبعيد تماما عن موضوع العبودية، وهو يتعلم كل ذلك من خلال عيني دجانغو. ثم من خلال عيني شولتز قمنا بترتيب كل حكاية الفيلم'. من المؤكد ان دكتور شولتز، الذي جاء من الثورة البورجوازية في المانيا حيث قاتل ضد العبودية، هو الوحيد الذي يتفاعل مع المشاهد المرعبة التي تجري امام عينيه: يتم سوق العبيد مثل قطيع مسلسلين بالقيود الحديدية لأيام تحت الحرارة الفظيعة او يجبرون على القتال حتى الموت، او تلتهمهم الكلاب او يتم غمرهم عراة في مياه بئر. ومما يثير الصدمة، ان العبيد انفسهم لا يبدون متأثرين بتلك الوحشية التي تمارس ضدهم. دكتور شولتز غالبا ما يتجهم ويغض بصره، محاولا ان يغطي عينيه وعقله عن المناظر الرهيبة، لكن دون فائدة، فهو محاصر بهذه المشاهد من كل الجهات. نتيجة اصراره على أصالة عمله فان تارانتينو وظف (باستثناء ليوناردو ديكابريو) ممثلين من الجنوب لتمثيل ادوار مالكي العبيد. 'لم أرد ان افعل ما يحصل غالبا في افلام تعالج هذا النوع من الماضي، حيث يقوم ممثلون بريطانيون بلعب ادوار أهالي الجنوب الامريكي. لا، على الأمريكيين ان يفعلوا ذلك'. يقول مشددا فيما يطرق على الطاولة بكفه. 'كونك امريكيا تصنع فيلما عن ذلك الوقت من ماضي امريكا يمكن ان يكون قاسيا' يضيف. 'واحد من اكبر التحديات التي تواجهنا في صناعة هذه الافلام هي حقيقة ان لا يوجد الكثير من هذه الافلام'. مشاهدة فيلم 'دجانغو انتشيند' ستصعق وترعب المشاهدين، لكن الدموع الوحيدة التي يمكن ان تنهمر هي دموع الضحك، حيث ان تارانتينو قام بذكاء بضخ الدعابة حتى في اكثر اللحظات دموية وحلكة، وهو تقليد قام باتقانه في كل افلامه. رغم انه فخور بتلك العناصر الكوميدية، فان تارانتينو يصر ان افلامه هي دراما، وليست كوميديا. 'لأن هناك بعض الأشياء التي ليست مضحكة فيها. وانا لا اريد ان اجعل افلامي تظهر كما لو ان كل شيء في القصة خفيف، او هو مناسبة للضحك او القهقهة. لهذا فان افلامي هي دراما. لكن داخل ذلك، انثر الكوميديا داخلها، اذا كانت مناسبة. لا استطيع منع ذلك، انها تنطلق غصبا عني'. يقول ضاحكا وهو يهزّ رأسه. يوافق تارانتينو ان 'تحرير دجانغو' يقع ضمن الفرع السينمائي لما يسمى وسترن السباغيتي، وهو صنف مرجعي غالبا في اغلب افلامه لدرجات مختلفة. 'كنت دائما معجبا بتشكيلة الحكاية في وسترن السباغيتي، وبالموسيقى العالية ثم بالطريقة التي تستحضر الاشياء الى حدود الذروة الاوبرالية. هذه عناصر ثلاث لا يمكن ان تخسر اذا جمعتها معا بطريقة صحيحة. حتى فيلم 'بلب فيكشن'، اشير اليه غالبا باعتباره فيلم روك اند رول وسترن سباغيتي. أعتقد ان ذلك كان دائما جزءا من جماليات عملي، وهو شيء تفاعلت معه دائما. والآن جاء الوقت لأقوم به بشكل صحيح' يقول تارانتينو بحماس. من المؤكد ان 'تحرير دجانغو' يبدو كثيرا كفيلم وسترن، بالرجوع الى الأفلام التي يفضلها تارانتينو في السبعينات والخمسينات والاربعينات مثل 'بد بويتشر' و'كانديلاند'. لكن أيّا من هذه الافلام لا يمكن ان يقارن عنفه بكمية العنف الموجودة التي ينثرها تارانتينو على الشاشة، كما فعل دوما. 'اعتقد انه في بعض الأشياء هناك حاجة لكثير من الدم'، يقول شارحا. 'لو أنني كنت اقوم بكوميديا رومانسية، لا أقول انه لن يكون هناك دم، لكن يمكن ان يكون هناك دم كثير في فيلمي الكوميدي 'كيت هدسون'. ولكن من يستطيع ان يقول ان هذا عنف زائد، لا يمكن لأحد ان يقول ذلك' يقول مقهقها. من المؤكد ان الدماء في افلام تارانتينو تم استلهامها ايضا من افلام الرعب التي ترعرع وهو يشاهدها منذ صباه بموافقة والدته، التي ربّته وحدها، بعد ان هجرها والده قبل ان يولد. هوس تارانتينو بالافلام تم اشباعه لاحقا حين وجد عملا في ارشيف للفيديو في ساحل مانهاتن، حيث تجرع كل لقطة في كل شريط فيديو، ناسخا كل الارشيف في عقله، وهو الأمر الذي غدا محوريا في صناعة افلامه العظيمة. اضافة الى مشاهدة الافلام، كان الشاب المغرم بالسينما، الذي ترك المدرسة في الصف التاسع، كان ايضا قارئا دؤوبا، خصوصا للروايات. 'اعتقد ان المؤلفين الثلاثة المفضلين خلال صباي كانوا جي دي سالينغر، ايلمور ليونارد ولاري مكمورتي' يقول. 'لقد ألهمتني طريقة كتابة لاري مكمورتي، حيث تجد عددا كبيرا من الشخصيات العائمة، حيث يمكن لشخصية مغمورة في أحد الكتب ان تظهر بعد ثلاث سنوات كبطل للكتاب. شخصية كانت نجما في احد الكتب يمكن ان تصبح شخصية هامشية او مساعدة في كتاب اخر. كنت دائما اتمتع باستلهام هذه الطريقة التي يستخدمها الروائيون'. من المؤكد ان افلام تارانتينو فيها بنية روائية، مثل 'اقتل بل' الجزء الأول والثاني، والذي يتم سردها في فصول، وهي مليئة بحوارات ساخرة وحادة وشخصيات وقحة. في الواقع، بدأ تارانتينو حياته المهنية في صناعة الأفلام ككاتب، وبعد ان باع اثنين من سيناريوهاته 'رومانس حقيقي' و'مولودون قتلة بالفطرة'، قبل ان يخرج فيلمه الأول 'ريزفوار دوغز' (1992)، اتبعه بفيلمه الكاسح والذي تم تقليده مرارا 'بلب فيكشن'، والذي حاز على اوسكار افضل سيناريو أصيل عام 1994. من المثير للاهتمام، عند كتابته سيناريو لفيلم، فان تارانتينو نادرا ما يفكر بالاخراج. 'هي تجربة ادبية تماما احاول ان اخلقها على الورق عندما اكتب' يقول. 'السيناريو المكتوب يجب ان يكون ممتلئا بشكل كاف بالتعبير الفني. في الحقيقة، عندما انتهي من كتابته، يجب ان أشعر بالتعجب، وافكر: دعني فقط انشر هذا وبعدها انا مكتف. الآن، لم أعد افعل ذلك. الآن انا اصنع الفيلم دائما' يقول وهو يضحك. حالما يغوص في عمليات ما قبل الانتاج لمشروع، يبدأ عقل المخرج بالتدريج باحتلاله ومع الوصول الى التدريبات على التمثيل فان عقلية الكاتب تتراجع تماما. 'من تلك النقطة وما بعدها، أصير اعمل على الفيلم وأشعر به' يقول تارانتينو. بعض الاحيان، يقوم تارانتينو بايقاظ عقل الكاتب لديه ليقوم بملء الفراغات او لاضافة فكرة جديدة يمكن ان تظهر خلال وضعية اثناء تصوير الفيلم. 'لدي الكثير من الاشياء التي اخطط لها، لكنني اترك اشياء مفتوحة لأشياء تحصل خلال اليوم. اعرف اين اسير. لكن بسبب انني اعرف القصة التي احاول سردها يمكن ان احاول ارخاء الاشياء بدل ان يتحول الفيلم الى مجموعة من القصص المخطط لها'. المخرج ذو ال49 عاما مليء بالقدرة الحركية على التعبير، ساخر ويتفجر بالطاقة، ويتحدث بحماسة كبيرة وعاطفة لا يمكن حبسها مما يشعر المتحدث اليه كما لو ان كل عضلة في جسمه الطويل تتحرك مع كل كلمة يتحدثها. الحديث معه يشبه النظر الى اداء فني. هوسه بالافلام ما زال مترسخا بداخله، الى درجة ان لا شيء آخر يهم بالنسبة له. ما زال عازبا ويعيش في بيته الكبير في بيفرلي هيلز. 'بيتي فيه غرفة نوم كبيرة'، يقول، 'فيها سرير مريح وفضاء كاف لي للحركة. لكن خارج غرفة نومي هناك غرفة التسجيل، حيث استمع الى موسيقى الافلام وقطع موسيقية اخرى حين افكر بالافلام وتتحرك الافكار في رأسي. اكتب الكثير في البلكونة خارج غرفة نومي، والتي اذا قارناها بباقي البيت، فارغة، ولكنها ما تزال مليئة بالاغراض' يقول وهو يقهقه.