ما ان تحدث الرئيس البشير عن نيته عدم الترشح لولاية رئاسية اخري بحلول انتخابات الرئاسة العام 2015 حتي طفقت مجالس المدينة في الريف و الحضر تتداول الخبر القديم المتجدد، إذ ليست هذه المرة الاولي التي نسمع فيها هذه النية – غير الجادة كما سيتضح لاحقا- تداول الناس مقالة الرئيس و كان لابد ان يعلق عليها نافذون في اعلي هرم الدولة. حيث اعلن النائب الاول للرئيس ان ترشح البشير من عدمه امر تحسمه اجهزة الحزب، وقال اخرون ان حزبهم ليس به بديل للبشير. حتي هنا و الكل يفكر في ما اذا كان الرئيس جادا و يعني ما يقول، او ما اذا كان الحزب الحاكم سيقدم وجه جديد للرئاسة ولم يدر بخلد احد ما رأي الدستور في ذلك. لأن الدستور ليس موجودا في حياة الناس لا العامة ولا الخاصة فشئون الدولة و امور الحكم تدار بقانون غاب ليس الا. نسي الناس تماما ان هناك شئ اسمه دستور او قانون.فالدستور والقانون ليس لهما اي قدسية مع انهما من تصميم و اخراج النظام نفسه. لم يفق الناس من غيبوبة الجدل حول اعادة ترشح الرئيس، الا عندما اطل رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الحزب الحاكم في البرلمان- كأن البرلمان به احزاب معارضة او كتل برلمانية اخري وليس حكوميا صرفا - ليدلي بدلوه في الامر ليدفع ثمن ذلك لاحقا. حيث قال الدكتور غازي صلاح الدين: ان الامر لا يحتاج الي جدال فالدستور يحدد عدد المرات المسموح لرئيس الجمهورية الترشح فيها و هي ولايتين رئاسيتين بمعني ان البشير لا يملك خيار ان يترشح ام لا فالدستور قد قال كلمته. حتي اذا اثار الحديث لقطا واسعا ما بين مؤيد و مستنكر و مستغرب، يطل غازي من جديد ليوضح مغزي كلامه. قال: ان الامر ليس اهلية الرئيس اي ما اذا كان البشير مؤهلا لقيادة البلاد من جديد ام لا ولكن الامر دستوري بالدرجة الاولي واذا اراد الناس اعادة انتخاب البشير مجددا فعليهم تعديل الدستور اولا لتوفير الاطار الدستوري و القانوني. انتهي كلام غازي صلاح الدين العتباني رئيس كتلة نواب الحزب الحاكم في البرلمان. من بين كل قيادات الوطني التي تناولت الامر وضح ان الدكتور غازي صلاح الدين هو وحده الذي يعارض اعادة انتخاب البشير اما لأن المسألة دستورية بحتة كما تفضل سيادته او ليقظة ضميرية ما جعلته يصحو من احساس الشمولية الذي عليه تبني رؤية قادة النظام للامور فحتي السيد علي عثمان محمد طه القانوني الضليع تناول القضية بمنظور شمولي حزبي بحت و نسي ان هناك دستور يجب ان يعلو ولا يعلي عليه. وقد كانت قولة الدكتور غازي بمثابة إختبار كشف الكذب الذي اوضح اذا كان رأس البلاد جادا فيما يقول هذه المرة ام لا. ماذا حدث؟ لقد تمت إقالة الدكتور غازي صلاح الدين من منصبه في الحزب كامين لامانة الشؤون البرلمانية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. و بما ان رئيس الجمهورية هو ايضا رئيس حزب المؤتمر الوطني الذي اقال السيد العتباني من منصبه ما يعكس التبرم من حديث الرجل فإن مقولة ان الرئيس لن يترشح من جديد ليست سوي مجرد زهد في الحكم مصطنع و ليس اصيل. [email protected]