بقلم: بروفيسور/ مجدي محمود يصادف السابع عشر من شهر يناير ذكرى رحيل أسطورة الشباب الراحل المقيم محمود عبد العزيز (الحوت)، نفس اليوم الذي رحل فيه الفنان الاستثنائي مصطفي سيد أحمد.. الإثنان أتى بهما المد الشعبي الجارف الذي تخطى حدود الإعلام التقليدي والموجَّه أحيانا فكان أن فرضا وجودهما إعلاميا فيما بعد.. الذكرى العشرون لرمز الابداع الذي غاب.. والذكرى الثالثة لاسطورة الشباب..التميُّز الخرافي لصوتيهما.. ونوعية الأشعار الغير مطروقة والتَفرُد المصاحب لأدائهما جعلهما أسطورة ستظل محفورة في عمق وجدان الشعب السوداني.. والشخصية المتميزة والكاريزما القوية أضفت لهما ألقا وتفردا بين أقرانهما.. وكلما تمر السنون نفتقدهما أكثر.. ولكن.. من بعد ما عزَّ المزار.. مصطفي.. تميز بالوداعه والسلاسة في كل تحركاته وانفعالاته وإبداعاته.. وكان لأدبه الجم وفهمه الراقي وعمق شخصيته الأثر الكبير في رسم طريقٍ مختلف تماما عمَّا كان موجودا في الساحة .. غنى للوطن بتشكيلاته المختلفة.. فهو تارة الحبيبة القريبة وتارة الحبيبة النافرة ، وتارات أخر ما بين هذا وذاك ...حاول مستميتا فك طلاسم الزمن الفلاني وسبر أغوار مريم الأخرى، ولكن خطواته ظلت سائرة ومندفعة بينما خطى السنين واقفات ولم تبارح لها مكانا ؟ وقَدُر ما نمشي في سور الزمن خطوات ... نلاقي خُطى السنين واقفات ...وهذا هو حالنا في سودان العزة والشموخ إسما ومعنىً ، ولكن ! ويالها من لكن ....آلمته الغربة البعيدة والطويلة عن معشوقه وعشقه السرمدي الوطن العزيز، والذي كان يرنو ويتوق ليراه متقدما ومتطلعا للشموخ ، وإنسانه البسيط ذو النفس الأبية قد تحرر من أسر النفوذ والوصاية والتسلط.. وأطفاله ينعمون بالفرحة والبهجة التي وُئدت وهم في رحم الغيب ... ظلَّ منتظرا حصانه الذي تلاشت قواه ولم يعد قادرا على الصهيل فأطلق عنانه للريح دونما هدىً وفاقدا بوصلة الإتجاهات التي يعرفها وخَبِرها فاختلطت أمامه المفاهيم ما بين شعارات برَّاقة مرفوعة وممارسات يندى لها الجبين.. وللحديث بقية.. وقد ظلت الساقية تدور بنفس النسق رغم طول فترة غيابه عنَّا !! وقد كانت تجمعه إلفة حميمة مع نادي الشعلة بسنار الذي ظلَّ يُمثِّل منارة ثقافية في بلادنا في ظاهرة استثنائية وسط أنديتنا الرياضية التي لا تهتم كثيراً بهذه الجوانب؛ فكان يحرص المرحوم الأستاذ مصطفي على تدشين بعض أغانيه الرائعة من على خشبة مسرح نادي الشعلة وأذكر منها رائعته .. مريم الأخرى ... كما لا ننسى جلسات الاستماع الراقية التي كان يحرص على إقامتها هنالك بين الحين والآخر‘ فانتشرت شرائط الكاسيت في تلكم الأيام.. شعلة 1 وشعلة 2 وهلمّ جرا.. لذلك يحرص هذا النادي على إقامة الذكرى السنوية على رحيل ذلك الهرم وبصورة منتظمة في تظاهرة ثقافية بحجم العملاق الراحل حيث يكون حضوراً بعض شعرائه المميزين ومنهم الأستاذ أزهري محمد علي الذي ظلَّت تجمعه علاقة طويلة ومتينة بهذا النادي الاستثنائي وأحيانا الاساتذة مدني النخلي وأبو ذر ويحيى فضل الله.. الله يطراهم بالخير...أما محمود فقد التف حوله عدد مهول من شباب البلد بعد أن أسرهم بتفرده وحقق معهم ما يجيش بالخاطر.. فكان ظاهرة ثمَّ أصبح أسطورة التف حولها الملايين الذين أسَّسوا أكبر حزب في البلاد في زمن افتقد فيه هذا الجيل الأحزاب، فهم لم يعرفوا ولم يخبروا ذلك، فحقق لهم هذا الشاب ما كان يتوقون إليه من تجمع والتفاف حول من أحبوه.. طاقات جبَّارة تبحث عمَّن يفجرها، ولكن وُئدت وقُمعت فالتفت وتسربلت بكل ما تملك من إمكانيات حول من ينفِّس عنها ويعطيها الأمل بأن بهجة الحياه مازالت ماثلة وإن كانت متواريه ... هذا الحب الجارف كان من الممكن أن يكون رأس الرمح في صنع إنجازات وتغيير واقع مُحبِط ومُحبَط.. فكان لهم بمثابة زمن البهجة والفرح الخرافي البمسح أحزان السنين ودمعاتها الحزينة.. وزي هطول المطر البغسل أرصفة الزمن الفلاني .. وينوِّر ظلمة ليالينا الطويلة.. عشان يجينا الفجر يقدل ويلوح شعاع الهنا الاتحرمنا منه سنين طويلة.. ويكشف لينا كمان سر لوحاتنا الدفينة.. ويهتك لينا ظلمة ليالينا الطويلة.. ويفرحوا الناس الغلابة ويمسحوا عرقا طافح من جبينها..اللهمّ أرحمهما وأجرهما من عذاب السعير .. وزد في حسناتهما وتجاوز عن سيئاتهما.. وآمنهما من يوم الوعيد.. إنك رحيم ودود.. يا أرحم الراحمين.. اللهمّ إنهما في حاجة إلى رحمتك وأنت الغني في غنى من عذابهما فارحمهما واشملهما بعطفك وكرمك.. آميييييييين.