من الغريب أن يصدر بيان من رئاسة الجمهورية ليضع حداً لمشكلة هيثم مصطفى مع ناديه، ذلك أن هذه القضية في إطارها العام قضية مؤسسات، ولا تحتاج لتدخلات من هنا وهناك، لأن مجرد إعمال القانون يعني أن الأزمة قد انتهت، ومعلوم بالضرورة أن الأندية عندنا في أصلها لا تعرف هذه المؤسسية، بل تمارس لوناً من الفوضى العرجاء، وتجأر بأعلى صوتها بأنها أندية تقدر للأمور أقدارها، ومثل هذه الحلول الفوقية تزيد الأمر سوءاً في هذه الأندية، التي لن تبارح وهدتها حتى قيام الساعة. ومهما يكن الحال فإن مكتب السيد الرئيس ما كان له أن يهتم بهذه القضية التي تشبه تماماً، أن يختلف تلميذ بالمدرسة مع أستاذ له، رغم أنني لا أقصد أن أضع البرير أو المدرب في وضع يشابه الأستاذية، بل أود أن أقول إن البون شاسع بين أطراف القضية.. وانتهاؤها بهذه الكيفية يعني أننا مازلنا نعاني من (الطبطبة) الرياضية التي ظللنا دوماً نتعامل بها، رغم وجود علاقة قانونية تحكم علاقة هذا اللاعب بناديه؟؟ إذن أين هذا القانون الذي لم يستطع أن يحل عقد هذه المسألة؟؟ حتى تتدخل السيادة المشغولة بأحداث جسام في أمر كهذا. وكم تمنيت أن تنأى السيادة بنفسها من إتاحة فرص التجنيس اللاعبين حتى لا يتم تسجيل اللاعبين المحترفين فوق العدد الذي تم تحديده بالقانون الذي أوجدناه نحن لعلة منطقية قوامها عدم تغول الأجنبي على فرص لاعبينا؟، ثم نقوم القوة بزيادتهم للتحايل على القانون الذي أوجدناه، خاصة وأن هذا المبدأ ليس متاحاً لكل الأندية، ومحصور فقط على سبيل الحصر لناديين اثنين فقط.. مما يعني أن المنافسة بكلياتها منافسة تقوم على الندية والتنافس الشريف، فإن كنت أقوم أنا بمثل هذا فهذا يعني أنني أسهم بصورة مباشرة في أن تكون القوة محصورة في أيدي الأقوياء وأن يظل الآخرون ضعفاء لعدم قدرتهم على التفكير في مجرد استجلاب الأجنبي ناهيك عن تجنيسه. وكم تمنيت أن لا تلغى لجنة التحقيق، لأنها ببساطة آلية قصد منها استجلاء الأمر ووضع النقاط فوق الحروف، خاصة وأن هناك جانب يتعلق بإساءة وجهها هذا اللاعب لرجل ذو صلة بالمؤسسة العسكرية. ذلك أن أبسط مقتضيات هذا التحقيق إعادة الاعتبار لهذه الشخصيات التي مستها هذه القضية من جانب لآخر، حفظاً لهذه المؤسسة لمكانتها التي تستحقها، وحتى لا تظل هذه الرتب في مؤسساتها تتمتع بالقدر اللازم من الاحترام، وحتى لا تصبح في مهب الريح فتفتقد هيبتها في مثل هذه البواطن التي تختلط فيها الكتوف والمقامات، ويتطاول البعض على الشخوص بكينوناتها، وهنا كان من الأكرم لنا أن نقف في مكمن المحاسبة وبقوة لإعادة الاعتبار لهؤلاء الرموز، وما زلت أذكر أن ذات اللاعب قد سحب ميدالية من رجل في المؤسسة العسكرية أثناء تسليمه ميداليه وبأسلوب كان يستحق في أقل القليل المحاسبة والرادع الحاسم. لكنني في ذات الأوان أوجه النداء للمؤسسة العسكرية بتبني قرار يمنع العسكريين من المشاركة في إدارة هذه الأندية إلا بعد الحصول على إذن من القائد العام للقوات المسحلة وبعد أن يوقع الضابط على توجيهات قوية أقلها أن يظل محاطاً بضمانات تتيح له أن يحمي انتماءه لهذه المؤسسة التي نكن لها التقدير والاحترام. والحقيقة أننا لا نؤلب على هذا اللاعب وليس بيننا وبينه إلا المودة والمحبة، لكن كلمة الحق يجب أن تقال حتى نستطيع أن نقوم منعطفات الممارسة مما يحيق بها من متاريس تعمق فجوات وبثور الفوضى. درس مجاني قدمه النادي الأهلي وهو يتصدى لنجمه الكبير محمد أبو تريكة الذي ملأ السمع والآفاق، وهو نجم له مكانته في نادي القرن، فأتاح لنا وعلى طبق من ذهب فرصة التعرف على كيفية التعامل مع الأزمات وجنوح اللاعبين، حين أصدرت إدارة النادي الأهلي عقوبة على نجمها بالإيقاف لشهرين وغرامة مالية نصف مليون جنيه، إضافة إلى حرمانه من ارتداء شارة (الكابتنية) مدى الحياة. قبل الذهاب إلى العقوبة ومدى قوتها أو تناسبها، هل تعرفون لماذا عوقب النجم الكبير؟ قام النادي بذلك لمجرد أن اللاعب، قد أعلن عن عدم مشاركته في لقاء السوبر أمام فريق إنبي، تضامناً مع ضحايا بورسعيد، بعد أن طالب ألتراس الأهلي عدم مشاركة النادي في المسابقات المحلية قبل استعادة حقوق الضحايا. ورغم أن مطالب اللاعب تبدو ظاهرياً مطالب تتوافق مع الجمهور واتجاهات الثورة التي تجتاح مصر، لكن اللاعب في حقيقة الأمر جزء من مؤسسة، وبينه وبينها عقد ملزم يقتضي التنفيذ، وبناءً على ذلك لم يتوانَ النادي في تطبيق القانون، وبصورة أدت لقيام اللاعب بالاعتذار والأوبة إلى حظيرة النادي وبكل أدب هدوء. ليس هذا فحسب، بل أن اللاعب أصدر بياناً حول عقوبات النادي الأهلي، قال بالحرف الواحد ما يلي: (أؤكد على تقديري واحترامي للنادي الأهلي، هذا الكيان الكبير، كما أؤكد على احترامي وتقبلي للعقوبات التي صدرت بحقي من قبل إدارة النادي، وأؤكد كذلك على تقبلها بصدر رحب، وأنتهز هذه الفرصة لأجدد اعتذاري للجميع، إدارة وجهازاً فنياً ولاعبين وأعضاء وجماهير عما بدر من جانبي، مما حمّل الجميع ضغوطاً نفسية وعصبية هائلة قبل وأثناء وبعد مباراة كأس السوبر، علما بأنني بادرت وقبل الإعلان عن العقوبات بالاتصال بأعضاء الجهاز الفني وزملائي اللاعبين لتقديم الاعتذار الرسمي لهم عما سببته لهم من ضغوط كبيرة) انتهى. لقد كان من الممكن (لأبو تريكة) أن يسكت وأن لا يصدر هذا البيان، ولو فعل ذلك لتعاطف البعض من العاطفيين مع موقفه، لكن حسن تفهم الموقف وإحساسه العميق بالمسؤولية قد جعلانه يقوم بإصدار ذلك البيان الذي جعل المتعاطفين معه يحسون بأنه مخطئ ويعودوا إلى حومة النادي ليدفعوا مع إخوتهم ضريبة المؤازرة القوية. لقد تعودنا أن ننحي المؤسسية ونتيح الفرصة للجودية أن تكون سيدة الموقف، وبذلك أقصينا كل فرص المؤسسية التي نتباكى عليها، والتي وأدناها وشيعناها إلى مثواها الآخير، ثم طفقنا نبحث عنها في أزقة الفوضى. ترى كم سنة ضوئية سنحتاجها لنكون مؤسسين؟؟ أو على الأقل كم سنة قمرية سنحتاج لنكون كإدارة نادي القرن؟؟ لكنني مضطر لشكر السيد الرئيس لسبب وحيد هو ذلكم القلب الذي يحمله بين جوانحه، والذي يسع أهل السودان جميعاً، والذي أدرك أن هؤلاء لن يلوذوا إلى المؤسسية حتى قيام الساعة، فأبى بحسه الأبوي إلا أن يقلل ذلكم التوتر الكبير ويتيح للهلال فرصة أن يحقق ما لم يحققه منذ أمد، وكأنه قد وضع الهلال أمام تحدٍ من نوع آخر بأن يكون أو لا يكون. ------------------ ملأى السنابل تنحني بتواضع ... والفارغات رؤوسهن شوامخ ----------------- صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو) هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته