هل رأيتم المساكين تحملهم أمواج المياه العاتية إلى المجهول. هل رأيتم البيوت المدمرة والأسر الضائعة والنساء المنكوبات والأطفال الجياع والشيوخ الذين لم يبق الدهر لهم من قوة ولا من فكرة والدنيا حولهم كأنها طوفان نوح. ذلك أمر الله في عباده ولا اعتراض، فالزلازل والبراكين والنيران وبأس الحرب وضر المرض وبؤس الفقر، أمور يقدرها الخالق على من خلق لحكمة يعلمها، ورحمة قد تكون في أطواء نِقمة وخير محشو في شرٍ بادٍ، فهو تعالى حكيم عليم رؤوف رحيم. ليست مشكلة باكستان في الفيضان، ولكنها في جفاف قلوب الحاكمين، ففي الوقت الذي تنهمر فيه السماء كأفواه القرب على البلاد، يذهب المسؤول الأول إلى عشرة داونق استريت في لندن ليقابل رئيس وزراء بريطانيا كأنه على موعد موسى الذي لا ينبغي أن يخلف.. المسؤولون في الغرب إذا حدث ببلادهم أمر وهم في زيارة قطعوها، ولكن صاحبنا خرج من بلاده بعد الفيضان ليقابل المستعمر السابق الذي لا يستطيع أن يلغي اللقاء معه ولو ألغى الفيضان باكستان..!! التصريح الأشهر للمسؤول الباكستاني الأول بعد حضوره إلى بلاده بعد أدى ما لا بد له من أدائه من فروض الولاء، حينما كانت بلاده تذوب من جراء الماء، أول كلمة قالها هي إن المنظمات الاغاثية التي في المناطق التي تسيطر عليها طالبان باكستان لن يسمح لها أن تعمل؟ لو كان الهم هو النكبة لكان الحديث غير هذا الحديث، فأنت في النكبة تقبل الخير حتى من عدوك، ولكن الهم الأول هو إرضاء من هم خارج باكستان ممن يمسكون بخيوط السياسة الباكستانية لتدمير باكستان. وتفضلت انجلترا بستين مليون دولار لباكستان، وتفضلت أمريكا بمائة مليون دولار.. اسألوهما كم دفعوا في باكستان للحرب التي يؤججونها فيها... إن المائة مليون دولار هذه قد تكون ثمن طيارة واحدة بدون طيار مما تضرب به أمريكا المدنيين في وزيرستان.. ألا تساوي باكستان كلها «باكستان صديقتكم كما تقولون» ثمن طائرة حربية واحدة بدون طيار؟! دولة عربية كبيرة غنية دفعت لمصيبة باكستان 70 مليون دولار، وهي فاتورة يمكن أن تسددها لشركة أمن أمريكية تحرس شخصية مهمة واحدة هناك. صدق من قال إن نكبة الأخ هي الاسم الآخر لمروءة أخيه أو لسقوطه..!! اقتصاد باكستان قبل الفيضان كان آيلاً للسقوط، فالآن بعد أن غرق خمس البلاد وتشرد حوالي عشرين مليون كيف يكون حال الاقتصاد؟ يتحدثون عن إمكانية سقوط الدولة نفسها، هذه الدولة التي قامت عام 1947م منفصلة من الهند على يد محمد على جناح، على فكرة الإسلام الدولة التي وصل التطور فيها حد صنع القنبلة النووية، الآن تنفجر من داخلها بكيد الأعداء وخيانة الخائنين وعجز الأولياء بأشد من أية قنبلة نووية يفجرها أشر الأشرار. إن لم يبق فينا خير نصنعه لإخواننا هناك، فلا أقل أن نبكي لما أصابهم. تعالوا بالله نبكي..!!